الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

قصة

اللا انتظار

* كامل فرعون

أتسلق درجات السلم، لأضع قطعة خبز بالتمر، اختار زاوية للرصد. عينا قطة تحدقان في الظلمة، أقدامها تخمش وجه الفجر المبذول على الطابوقات. بيوت متلاصقة بجدران خفيضة، لا تسمح إلا برؤية نخلة أعاقت سعفاتها سير القطة.

طيور محلقة، شاكست هبوطها عصا غليظة. قد يتعين اختيار مكان أكثر ارتفاعا. تحط حمامة أضجرها الطيران، مقتربة من قرباني. لا وجود له، ما انتظره بلون اسود، جناحاه عريضان بمنقار طويل وقوي. بقع حمراء تلوث قطن أشجار السماء.

إشارة النزول. فأنا لا اشغل من يومي إلا ساعات الفجر. لست الوحيد المأخوذ باللعبة. أشباهي يملأون السطوح، حاملين معهم ما يحتاجونه في طقسهم اليومي.

استيقظ مبكرا. أعيد ما قمت به بالأمس، وأرقب ما يحدث. أتاح لي تغيير المكان مواجهة الجدار. برك لونية، سفحتها اليد العابثة. احتضنت في الأعلى خزانا للماء وغرفة للطيور، بنوافذ يفتحها الفجر. فضاء يخلع رفيع أجنحته سوادا جديدا، يزحف ببطء، مكتسحا براءة الطفولة، وما خلفه التنور المحاذي من أثر. حرّض الفرشاة على سرد خرافة اللون، فاصطبغت بالأحمر طابوقات سجن الطير.

لما ضجت الأسئلة بعيني، كففت عن الترقب. الجدران تحاصرني. خلفي يتمطى الضوء، ملتذا بنعاسه. أجهل ما تخبئه اللحظة من صور. الوجوه سماء لا ترابط في غيومها.

تذرف دمعا، فتشوه الحروف، وما تركته الشمس على جدار بيت الحمام، لترتدي الألوان جسد الوطن.

لأطير في السماء. سحب تتكاثف. تهطل صمتا، يمر عبر قدمي الممددتين. انهض باحثا عن نهايات الأنهر، وآخر تجليات الأشياء. في الأسفل أصوات ارتطام تهز السقف. أسرع في العثور على الماسحة. ضباب يهمي، وجثث متناثرة تملأ السطح. أدوس الوجه الأسود كي أصل الجدار. أمسح خربشاته، فتتكوم الغربان. أنقلها إلى القمامة، مزيلا بقايا الريش الملوث بالطين وألوان الجدار...

* قاص بصري، عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب- فرع البصرة.

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا