|
||||
ردك على هذا الموضوع | ||||
التحديات أمام الهوية العراقية تذويت الهويات الفرعية |
||||
* شمخي جبر |
||||
من نحن؟ كيف نلملم أشتات هويتنا في ظل ما تتعرض له هذه الهوية من تشظي ومن علميات تثقيب تستهدف بنيتها؟ ألا يحق لنا أن نقلق لهذا التمزق الذي تتعرض له هويتنا الوطنية؟ لماذا يحق للسيد هانتنغتون أن يقلق على هويته الأمريكية التي يعتقد أنها أمام تحديات؛ تتمثل باثنيات المهاجرين وأصولهم العرقية والثقافية وما يشكلونه من أعباء على الهوية القومية الأمريكية؟ أعلن هذا في كتابه Who Are We? The Challenges To America’s National Identity؛ بحيث يقول (أن أمريكا (الثقافية) Cultural) هي اليوم تحت الحصار؛ وهانتنغتون حين يعلن هذا فهو الخبير في هذا الموضوع لأنه أمضى عدة سنوات في تدريس مادة الهوية القومية الأمريكية.. وصل لهذه القناعة من خلال (تشريح دقيق للمجتمع الأمريكي بشرائحه الاجتماعية والأثنية الحالية العديدة مع خلفية تاريخية عامة وتركيز خاص على الهجرة وتأثيرها في ماضي أمريكا ومستقبلها، ولا بد لنا حين يتعلق الأمر بالعراق أن نقول أن ما تتعرض له الهوية الوطنية العرقية بعد التغيير الهائل الذي حدث بعيد الاحتلال، ونتيجة لما تعرض له الفرد من ضغط في ظل دولة الاستبداد جعله يبحث عن ظل يستظل به فلم يجد ملجأ يهرب إليه غير الهيئات الأرثية التي أعاد ارتباطه بها (القبيلة، الطائفة) ليحقق من خلالها الحماية والأمان في الوقت الذي لم تستطع الدولة ومؤسساتها أن توفرهما له، وفي الوقت الذي استقوى به الفرد بهويته الفرعية فإن هذه الهوية استقوت به أيضا والتفاف الأفراد حول هذه الهويات شكل عبئا على المواطنة بل انتهاكا لها حين تحول ولاء الفرد إلى ولاء آخر شكل بديلا عن الولاء الوطني فأصبح عائقا أمام بناء مواطنة يقف الأفراد داخلها على خط واحد، متساوين في الحقوق والواجبات، وأضحت الطائفية والقبلية تشكل حجر عثرة في طريق أية عملية تغيير اجتماعي لأن هذه البنى الاجتماعية بنى تقليدية، تعتمد مقاييس التقليد في سلوك الأفراد والجماعات ولابد أن تحارب التجديد لأنها تخافه على اعتبار انه يحمل تغييرا قد يمس أية إشارة أو رمز مما تتبنى عليه وبالتالي إضعافها؛ أو قد يكون التجديد محاولة لتحيينها مما يعني إدارة رأسها إلى الأمام (جعلها ملتفتة إلى الحاضر والمستقبل) بينما هي ترفض النظر إلى الأمام، لان بناها وأطرها تستند إلى أمجاد وأحداث الماضي، فتعتبر أية محاولة لتحديثها هي محاولة لهدمها، وتمزيق لبنيتها، لأنها بنية أرثية يكون الانتماء لها موروث يجيء من خلال التوالد والوراثة، لا يختاره الأفراد بل يفرض عليهم فرضا، مما يقضي الالتحام والمناصرة من أجل تأمين سلامة القبيلة والطائفة، والارتباط بين أفرادها يكون ارتباطا (لا عقليا)، يتحول هذا الارتباط إلى ارتباط لا يتاثر بالنقد العقلي والتطوير الاجتماعي وحسب الدكتور ناصيف نصار فإن الرابط بين أفراد الطائفة هو رابط المعتقد الذي يتغذى عن طريق المؤثرات المختلفة الشعورية واللاشعورية، التي تتمظهر بها حياة الطائفة، ويزيد من قوة المعتقد ارتكازه على مبادئ وأصول تعتبر عادة فوق مستوى العقل فلا يطالها الشك ولا ينال منها النقد، باعتبار أن العقيدة هي الوجه الذي يتخذه المعتقد عندما يصاغ بشكل عقلي جدلي، فإذا كان المعتقد يضرب بجذوره في الحياة القبلية، فالعقيدة تحاول أن تتلبس لباس العقل لكي يحصل الاتفاق في مستوى الفكر الديني بين أفراد الطائفة، وحين يؤسس الفكر الطائفي جذوره الإيمانية الممتدة داخل اتباعه فانه يبقى عصياً على التغيير أو إعادة التأسيس، ولان الطائفة صورة من صور الدين (والدين إيمان قلبي لا تستطيع الدولة قياسه أو تشكيله أو تقنينه) فإنها تبقى داخل شرنقتها هذه بعيدة عن أي عمليات تغيير، اجتماعي، لان المجتمع الطائفي كما يقول الدكتور ناصيف نصار يعيش في جو ثقافة خاصة والثقافة الطائفية كثقافة فرعي تكون الحاضنة الأولى للفرد لأنه يتلقى تنشئته الاجتماعية حتى يكون قد اندمج في الحياة الاجتماعية بواسطة القيم الأساسية السائدة في عائلته وفي الثقافة الفرعية (Sub-culture) التي ينتمي إليها كما يقول الدكتور هشام شرابي (مقدمات لدراسة المجتمع العربي ص120). ولقد كان للتهميش والاضطهاد الذي وقع على الطوائف والأقليات أثر كبير في تقوية بنى هذه الطوائف والأقليات والتفاف اتباعها مما جعل من هذه الهويات الفرعية تشكل بديلا عن الهوية الوطنية التي كان يجب أن يكون تشكلها مظلة للجميع بصرف النظر عن أي متغير عرقي أو ديني. إن إهمال أو تهميش الهويات الفرعية جعل منها عامل إلغاء للمواطنة وبالتالي أصبحت هذه الهويات تشكل ثقوبا بنيوية في النسيج الوطني تتسلل منها عوامل التشرذم وأمراض الفرقة وتجزئة الوطن، فتحولت هذه الثقوب إلى مزامير ينفخ فيها العاملون على بناء مصالحهم وتطبيق برنامجهم التقسيمي للوطن من خلال استغلالهم لهذه الإعطاب التي تصيب الهوية الوطنية، وكثيرا ما يثار موضوع الأقليات داخل المؤسسات الثقافية ومؤسسات البحث العلمي، التابعة لأجهزة المخابرات الأجنبية من أجل استغلال هذا الموضوع، وهكذا صرفت ملايين الدولارات لباحثين عرب وأجانب من أجل تضخيم هذه الهويات وبالتالي تعميق الهوة التي تفصل بين أبناء الوطن الواحد. وحين ننظر إلى هذا الكم الهائل من النتاج الفكري الذي كتب ويكتب حول المسلمين والعرب والأقليات التي تعيش بين ظهرانيهم تجعلنا كما يقول الدكتور وليد عبد الحي أمام ثلاث إشكاليات ذات ثلاثة أبعاد، تراث إسلامي ينكب عليه الغربيون دراسة وبحثا، ونعزف عنه، وجامعات مرتبطة بمراكز صنع القرار في الدولة الغربية تساهم في ترشيد إدارة الصراع بينما لا علاقة بين السلطة ومراكز الأبحاث والجامعات لدينا، والمشهد الاجتماعي الضاج بالتنوع ليس بعيدا عن هذا التدخل من الخارج يرافقه إهمال من الداخل، وحين نقول الداخل نقصد به الداخل الثقافي السياسي. ولا بد لنا من أن نقول أن الهوية الوطنية لدى الفرد العراقي كانت قد تعرضت للكثير من التشويه من جراء ما مارسه المجتمع السياسي من خلال فهم أن الهوية الوطنية يعني إلغاء (الذات) وتقمص ذات أخرى تفرض قسرا، وبهذا فإن الهوية الوطنية العراقية لم تنبع من ذات الأفراد بشكل تلقائي بل تمت هذه العملية من خلال ما مارسته الدولة ونخبها المؤطرة بأيديولوجيا قومية اقصائية مارست عمليات الصهر والدمج القسري لجميع مكونات الشعب العراقي على اختلاف أطيافه الأثنية والدينية والمذهبية. إن التناشز الذي حصل في علاقة الدولة والمجتمع سببه، إن الدولة دائما لديها مشروع سياسي بعيد عن تطلعات وثقافة المجتمع، أو يتقاطع مع الخلفية الثقافية لبعض المكونات، مما يفضي بالدولة إلى أن تمارس القسر والإكراه لفرض مشروعها السياسي. * باحث في مؤسسة مدارك |
||||
|