الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

انعكاسات ونتائج الوجود الياباني في العراق

نغم نذير شكر

 

موقف الدستور الياباني من إرسال قوات يابانية إلى العراق

قررت الحكومة اليابانية في يوليو 2003 تحرير مشروع إلى الدايت الياباني يسمح لها بإرسال ألف فرد من قوات الدفاع الذاتي الياباني إلى العراق، وعلى الرغم من رفض نواب أحزاب المعارضة لمشروع القانون ونشوب معركة بالأيدي بينهم وبين نواب الحزب الحاكم، إلا أن الحكومة استطاعت تمرير القانون بنسبة موافقة لا تزيد عن 60% من إجمالي أعضاء مجلس الدايت بعد تعهدها بأن تكون مهام هذه القوات منصبه على حفظ السلام ومساعدة القوات الأمريكية في تدمير ما قد عثر عليه من أسلحة الدمار الشامل العراقية (1)، وقررت الحكومة اليابانية تنفيذا لهذا التعهد إرسال لجنة تقصي الحقائق إلى العراق في الأول من سبتمبر 2003 لمعاينة المناطق المتوقع نشر القوات اليابانية فيها وإعداد تقرير بذلك لعرضه على مجلس الوزراء والدايت (2)، ولقد كان إرسال هذه القوات شريطة أن ترسل إلى مكان بعيد عن العمليات القتالية، مما أثار الرأي العام في اليابان لأن هذا يمثل انتهاكا للدستور الياباني الذي أرسته الياباني في عام 1947 بعد الحرب العالمية الثانية خاصة وأن اليابان ترفض في هذا الدستور الحرب تماما، وتعليقا على ذلك يقول جوناثان هيد مراسل BBC في طوكيو (إن الأنظار بدأت تتحول إلى تعديل الدستور مما يسمح لليابان مستقبلا بالمشاركة بسهولة أكبر في أي عمليات عسكرية متعددة الجنسيات) (3).

موقف أحزاب المعارضة والرأي العام

إن قرار إرسال قوات يابانية إلى العراق، أدى إلى تعرض رئيس الوزراء الياباني كويزومي لهجوم شديد من رئيس الحزب الديمقراطي (نارتوكان) أكبر أحزاب المعارضة الذي أوضح: (إن إرسال القوات غير قانوني، وطالب رئيس الوزراء بالاستقالة مؤكدا أنه لا يصلح لأداء وظيفته لانتهاكه الدستور السلمي للبلاد) (4)، كما أضاف أنه: (لا يوجد شك إن إرسال قوات الدفاع الذاتي انتهاك صارخ لمبادئ الدستور كما وطالب بشدة باستقلاليته)، ولقد رد كويزومي على الخطاب بالقول: (إذا ما قدمت بلادنا مساعدات مالية، لكنها لم تساهم في تقديم الأفراد فلا اعتقد أنه يمكن أن يقال أنه عمل مسؤول في إطار المجتمع الدولي، أما بالنسبة للرأي العام، فكان موقفه سلبيا من هذا القرار حيث تم تنظيم مئات من الأفراد للاحتشاد حول عدد من المواقع التابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في مختلف أرجاء اليابان احتجاجا على اعتزام طوكيو إرسال وحدات من قواتها إلى العراق) (5)، ولقد تم تشكيل سلسلة بشرية مكونة من 400 شخص حول مركز قيادة قوات الدفاع الذاتي البرية التابعة للجيش الشمالي في مدينة سابورو للتعبير عن رفضهم لإرسال قوات يابانية إلى العراق (6)، وأكدت إحدى المتظاهرات على ضرورة عدم وضع أفراد وقوات الدفاع الذاتي اليابانية في موقف يؤدي إلى موتهم أو يحتم عليهم قتل الآخرين (7)، وفي اساهيكارا، حيث مقر الفرقة الثانية بالجيش الشمالي احتشد حوالي ألف شخص من بينهم أعضاء في نقابات العمال في مسيرة جابت مختلف الشوارع، وذلك في الوقت الذي تظاهر فيه قرابة 50 شخص أمام البوابات مطالبين بعدم إرسال قوات يابانية إلى العراق، لكن هذا الرفض لم يمنع رئيس الوزراء الياباني جونشيرو كويزومي عن إرسال قوات إلى العراق (8).

موقف الولايات المتحدة الأمريكية من إرسال قوات يابانية إلى العراق

إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من إرسال قوات يابانية إلى العراق كان مشجعا، بل داعما لهذه الخطوة، بل تعتبر قرارا أمريكيا اتخذته اليابان، حيث أنها رحبت بقرار اليابان إرسال قوات يابانبة إلى العراق على لسان الناطق باسم الخارجية الأمريكية (ريتشارد باوتشر) الذي رحب بقرار البرلمان الياباني إيفاد قوات المساعدة في إعادة إعمار العراق، حيث جاء بتصريح باوتشر: (إننا نرحب بالمساعدات المالية والمساعدات العسكرية لإشاعة الاستقرار في العراق، ونحن مدركون لمدى أهمية هذه المسألة وكيف تشكل هذه تطورا هاما لليابان، ونحن نرحب بهذا ونحن نعتقد إن قدرة اليابان على لعب هذا الدور الإيجابي في العراق هي انعكاس لنوع الدور الذي يمكنها أن تمارسه في الشؤون العالمية) (9)، ولقد تم توجيه سؤال إلى باتشر، أنه استنادا لمشروع القرار لن ترسل قوات الدفاع اليابانية إلا إلى المناطق الخالية من النزاع المسلح، لكن استنادا لواشنطن، اعترف البنتاغون أن الولايات المتحدة الأمريكية متورطة في حرب عصابات في العراق وأن العراق في الوقت الحالي لا يزال مكانا محفوفا بالأخطار، هل أن الولايات المتحدة تميز بجلاء بين منطقة قتال ومنطقة خالية منه؟ (10)، ولقد أجاب بوتشر أن هذا السؤال يمكن الحصول على رد لدى المؤسسة العسكرية، وهنالك في الحقيقة مناطق كبيرة في العراق يخيم عليها السلام والاستقرار، لكنها بحاجة لنوع وجود أمني (11)، وبذلك فإن اليابان أرسلت قواتها إلى العراق دون انتظار صدور قرار بذلك من مجلس الأمن، نتيجة الضغوط التي مارسها المسؤولون الأمريكيون على اليابان ومنهم: ريتشارد ارميتاج- نائب وزير الخارجية الأمريكية المعروف بعلاقته الجيدة باليابان منذ أن كان جنديا ضمن قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) المنتشرة في اليابان، وتعتبره طوكيو خبيرا في الشؤون اليابانية واستقبلت خبر تعيينه بترحيب حار، وقد صرخ ارميتاج (بأن على اليابان دخول الملعب في العراق بدلا من الاكتفاء بالوقوف في صفوف المتفرجين مثلما فعلت في حرب الخليج عام 1991، عندما قدمت 13 مليار دولار، لكنها لم ترسل جنديا واحدا) (12)، واستنادا إلى ما أقره مجلس الوزراء الياباني يوم 2/8/2002 عن الأوراق التي أصدرتها وكالة الدفاع، التي تؤكد بأنه يستوجب على اليابان أن تعمل بجد لمواجهة الإرهاب الدولي في (عصر القلق) منذ 11/ سبتمبر، معتبرة هجمات ذلك اليوم عملا إرهابيا يهدد الديمقراطية وإن ذلك الحدث شكل عامل تغيير لأجواء العلاقات الدولية التي ولدت تحالفا أمريكيا دوليا ضد الإرهاب (13)، لقد تم التركيز في مضامين هذه الأوراق بأنه من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحارب نفسها، وأن على المجتمع الدولي أن يدعمها في ذلك التأييد الياباني المقنن، مشيرة إلى ما أسمته أمريكا (منطقة المحور) (14)، خلاصة القول، إضافة إلى هدف اليابان الذي تحاول الوصول إليه بلعب دور سياسي عالمي يتناسب مع قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية المتعاظمة، فإنه ليس بوسعنا أن نهمل حقيقة أساسية وهي أنها سوف لن تستطيع أن تهمل متطلبات علاقتها التحالفية الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يجعل المتغير الأمريكي يستمر تأثير المتعاظم في السياسة الخارجية اليابانية وما نراه من إرسال قوات يابانية إلى العراق بالإضافة إلى ما تنشده اليابان من ذلك يحقق لها تجسيدا لمسؤوليتها الدولية، فإنه يعتبر تعزيزا لوجستيا للقوات الأمريكية والبريطانية الموجودة في العراق نظرا للمصالح المتبادلة بين الدولتين.

مما تقدم يمكن الاستنتاج أن الحركات اليابانية تجاه العراق حكمتها جملة عوامل ضاغطة شكلت البوصلة التي اهتدي بها رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي الذي سيدخل التاريخ الياباني بوصفه الشخص الذي تحلى بالشجاعة وأرسل القوات اليابانية لمنطقة يدور فيها القتال للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهذه العوامل كانت:

1- إن اليابان تريد أن تصبح دولة طبيعية وتتخلص من حمل أوزار حقبة مظلمة في تاريخها الحديث غزت فيها جيرانها تحت وهم تأسيس إمبراطورية يابانية في شرق آسيا، وترى أنها تحملت بما فيه الكفاية واستوعبت الدروس المستفادة من أخطاءها الماضية وكفّرت عن أخطاء هذه الحقبة، وأنه حان أوان التعامل معها كبقية دول العالم المدركة لمسؤوليتها والتزاماتها تجاه المجتمع الدولي ودول الجوار، وأنها لن تقع مجددا في خطيئة ارتكاب أخطاء الماضي البعيد وتحاول التأكيد أن نمط تفكيرها ونظرتها لعلاقاتها الدولية والإقليمية تغيرت تماما.

وتضع اليابان أمامها نموذج ألمانيا وتماثل الظروف التاريخية بين البلدين، وكيف جرى التسامح مع ألمانيا واحتضانها داخل البيت الأوربي بعد إعطاءها صكا بتسوية حساباتها مع تاريخ العهد النازي في حين تطالب طوكيو بتقديم المزيد والمزيد للتيقن من ثبوت مصالحتها مع التاريخ، وهو ما نراه في مطالب الدول الآسيوية الدائمة بان تعتذر اليابان عما ارتكبته قواتها قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.

فضلا عن أنها حقا المشاركة بجهد حقيقي في الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين الذي يصب في النهاية لصالحها ولصالح استمرار تمتعها بالرخاء والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي وكدليل على كونها عضوا مسؤولا راشدا بين أفراد الأسرة الدولية.

كما أنها تريد إبطال الاتهام المتكرر لها بالوقوف على مسافة بعيدة من موقع أحداث الأزمات الدولية ولا تقدم سوى شيكات بحصتها في تكاليفها بدون مخاطرة بالنزول إلى ساحة الأحداث وتقديم النفيس والغالي للمحافظة على السلام العالمي.

2- شعورها بالتزام صارم حيال الحليف الأمريكي، فطوكيو ترغب في أن تؤكد لواشنطن أنها خير حليف يمكن الوثوق به في وقت الشدائد، وهو مطلب كثيرا ما دعت إليه الولايات المتحدة وطالبت الحكومة اليابانية القيام به في الماضي وتحمل نصيبها العادل في معادلة التحالف العسكري القائم بين البلدين.

ويشعر الجانب الياباني بأنه لم يمكن مقابلة خيار سوى الموافقة على الطلب الأمريكي بإرسال قوات إلى العراق لاحتياجه إلى المساعدة العسكرية الأمريكية في مواجهة خطر الأسلحة غير التقليدية الموجودة في كوريا الشمالية ومع بروز الصين كقوة عسكرية واقتصادية تدعم مكانتها وموقعها الإقليمي والدولي بصورة مطردة، كما أنه يعتبر استقرار العراق يخدم المصالح القومية اليابانية نظرا لاعتماد اليابان على الشرق الأوسط لاستيراد الجزء الأعظم من احتياجاته من البترول.

3- إن ذهاب القوات اليابانية إلى العراق يوفر قوة دفع هائلة للتحولات الجذرية في السياسة الخارجية اليابانية مع العالم الخارجي، فاليوم لم يعد هناك مجال للدبلوماسية اليابانية الهادئة معتمدة على البحث عن الحلول الوسط عند التعاطي مع المشكلات الدولية، فسياسة إمساك العصا من الوسط لم تعد مجدية، وتفقد اليابان الكثير من الرصيد السياسي على الساحة الدولية، وهو ما لا يتسق مع طموحها الجارف للاضطلاع بدور دولي مهم ومحسوس يحقق التوازن مع دورها العالمي الاقتصادي المؤثر الفعال.

ولا يفوتنا الإشارة إلى أن التحولات في الدبلوماسية اليابانية تأثرت لأبعد حد بحدثين هما: إطلاق كوريا الشمالية صاروخا باليتسيتيا من طراز تايبودونج حلق في الأجواء اليابانية عام 1988 وعلى أثره اتخذت اليابان مجموعة من الإجراءات وسعت وزادت من قدرتها العسكرية.

الحدث الثاني كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة وانخراطها بكثافة في مساعدة واشنطن في حربها ضد الإرهاب واتخاذها ذلك كقاعدة انطلاق لتعميق دورها السياسي الدولي.

وفي سبيل تغييرها سياستها الخارجية تخلت اليابان عن ركن أصيل في دبلوماسيتها بأن تكون تحركاتها الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة، فعندها أيدت طوكيو غزو العراق لم يكن هناك أي قرار صادر عن مجلس الأمن يمنح الشرعية لاستخدام القوة ضد عضو في الأمم المتحدة، وحينما أرسلت قوات لم يكن هناك قرار دولي ينظم ويحدد مهامها وكانت تستجيب لطلب من واشنطن.

كما تجاوزت الحكومة اليابانية العقبة الدستورية ممثلة في المادة التاسعة من دستورها الذي يحظر عليها الاشتراك في عمليات دفاع جماعية بما فيها حفظ السلام الدولية- المادة كبلت الجانب الياباني ومنعته من التفاعل مع الأحداث الدولية لتحصنه خلفها - على سماحها بتزويد قواتها الذاهبة للعراق بأنواع من الأسلحة الهجومية كان محظورا أساسا حملها لكي تدافع عن نفسها عند مهاجمتها.

وبمرور الوقت يزداد عدد المقتنعين في دوائر صنع القرار في اليابان إن ثاني أكبر قوة اقتصادية في عالمنا المعاصر يجب أن تسن سياسات مستقلة عن خطوط السياسات الأمريكية لأنه سيحين وقت ستكون فيه مجبرة على تصريف الأمور بمفردها بمنأى عن واشنطن.


المصادر:

1- رضا محمد هلال، السياسة ياليابانية تجاه الشرق، ص 2401.

2- أهمية العلاقات العربية- اليابانية، حوار مفتوح، قناة الجزيرة، مقدم الحلقة، غسان بن جدو، ضيوف الحلقة جونشيرو كويررس رئيس وزراء اليابان، كيجي شانتاي دبلوماسي ياباني سابق، الانترنت:

http://www.aljazeera.net/prigrams/opendialog/articles/2004.htm.pp1-21

3- سالي وفائي، في محاضرة بجامعة القاهرة حول السياسة اليابانية سنيوهارا، اليابان تسعى إلى القيام بدور أكبر على الساحة الدولية، الأهرام ملحق الجمعة، 2 أبريل 2004، عدد 42851، http:/Friday.ahram.org.eg/index.asp?carfn:

4- نزيرة الأفندي، اليابان بين الطموحات الخارجية والتحديات الداخلية، ص 1-24 5 5- بسام ضو، قرار أمريكي اتخذته اليابان، الانترنت:

http://www.alwatan.com/data/2003/2140indexasp?

6. فوزي درويش، هل تتسلح اليابان. ص 1-3

7- الحكومة اليابانية ستعرض نفسها للخطر بعد موافقتها على إرسال قوات إلى العراق، الانترنت: http://ar.chinabroadeast.cn/1/2003/12/11/htm.pp1-2

8- رئيس الوزراء يعلن عن مساعدات إنسانية ومساعدات إعادة إعمار العراق، الانترنت:

File://a:/ambassade du japan-declaration du premire concennant.htm.p1

9- الولايات المتحدة ترحب بقرار اليابان إرسال قوات إلى العراق، الانترنت:

http://usinfo.state.gov./arabic/wfsub.htm.p1

10- المصدر نفسه، ص110 11 The political and economic situation in Japan Sunday، november2nd، 2003، the ritz-carlton،Washington،d.c.

12- رضا محمد هلال، السياسة اليابنية تجاه الشرق الأوسط عقب أحداث 11 سبتمبر وحرب الخليج الثالثة، ص 240.

صهيب جاسم، اليابان هل ستشارك في الهجوم على العراق؟ ص 5-6.

14- المصدر نفسه، ص 6.