|
||||
ردك على هذا الموضوع | ||||
مفهوم المواطنة في ضوء التحول التاريخي بالعراق |
||||
المحامي علي عبد الحسين كمونة* | ||||
|
||||
فلسفة المواطنة يجب أن نتفهم أولا فلسفة المواطنة أو فلسفة الحريات الفردية التي تأخذ بمبدأ حقوق الفرد وحرياته مبدأ أساسيا، وترفض سيطرة الجماعة عليه باسم الأيدلوجيات أو الدين أو مصلحة الأمة طريقا لمصادرة حقوق المواطن وحرياته وفرض الدكتاتورية البغيضة عليه. إن فلسفة المواطنة واحدة في كل أرجاء الأرض، ففهم الغرب لها كفهم الشرق، لأن أساس فكرة المواطنة هي إنسانية ومصدر هذه الفلسفة هو حرية الإنسان الذي هو محور هذه الفلسفة التي يعتنقها الجميع والشرق قبل الغرب أحيانا، فلا شيء نجح في الشرق سابقا لم يفد منه الغرب لاحقا، ولم ينجح الغرب في قضية ما وكان الشرق عاجزا عنها، إن عصر المواطنة من حقوق وحريات مدنية قد حل في العالم اجمع، ونقول لمن يريد اليوم في عراقنا الجديد أن يضع أفكار مؤدلجة تهيمن على الدستور وتلغي أو تقيد حقوق المواطنة للعراقيين نقول لهم إن ينظروا ما حل بالإنسانية من دمار جراء إلغاء الحريات وهيمنة الأيدلوجيات سواء كانت قومية أو اشتراكية أو حتى إسلامية. المواطنة والدستور لايمكن تصور مجتمع متحضر ومتطور دون أسس من الحقوق الدستورية للمواطن يرجع لها في كل حركة أو قرار يتخذ في المجتمع، حيث أن مفهوم الدستور نفسه (كأعلى قانون في المجتمع والدولة) يكون هيكلا فارغا من أي محتوى إذا لم يتضمن حقوق المواطنة، والحقيقة نتمنى على جمعيتنا الجديدة أن يكون باب المواطنة أولى أبواب الدستور العراقي الجديد، لأنه حان الوقت لإقرار الحقوق الدستورية للمواطن العراقي وفق منظور المواطنة الخالصة، وحان الوقت لان تؤسس الدولة العراقية والمجتمع العراقي الدستور على أساس هذه الحقوق والأفكار، كما حان الوقت لتحل المواطنة واحترام الرأي والرأي الآخر محل التعصب الحزبي أو السياسي أو القومي أو الديني. إن الأولوية في أي مشروع للدستور العراقي الجديد يجب أن تكون إقرار حق المواطنة العراقية المتساوية وتحديد ملامح العلاقة بشكل واضح بين المواطن والحكومة وتنظيم هذه العلاقة دستوريا قبل الالتفات إلى التعريفات الإقليمية و القومية و الدينية التي تسعى لتشتيت الهوية العراقية الوطنية وتوزيع ولاءاتها. المواطنة والديمقراطية تستند الديمقراطية إلى مبدأ أساسي وهو أن الحكومة وجدت لخدمة الشعب، وان الشعب لم يخلق لخدمة الحكومة، وهذا يعني أن الناس مواطنو الدولة الديمقراطية ورعاياها، وهم أسباب وجودها. وفي الوقت الذي تصون فيه الحكومة حقوق مواطنيها وتحميها، فبالمقابل يظهر المواطنون ولاءهم لحكومتهم، أما في النظام الفاشستي فأن الدولة كيان منفصل عن المجتمع، وهي التي تطلب الولاء من الشعب وتجعله خادما لها بدون أي التزام قد يرضي قناعة المواطن بما تعمله تلك الحكومة. عندما يصوت المواطنون في بلد ديمقراطي فإنهم يمارسون حقهم ومسؤولياتهم لتحديد من سيحكم باسمهم، وعلى العكس من ذلك، في البلد الفاشستي يخدم التصويت غرضا واحدا وهو إضفاء الشرعية على اختيار نظام قد نصب نفسه سلفاً، فالتصويت في مثل هذه البلدان لا يتضمن الحقوق ولا المسؤوليات التي يمارسها المواطن، إنما لإظهار الطاعة العمياء لتأييد الحكومة. يتمتع المواطنون في ظل الدولة الديمقراطية بحق اختيار الانضمام إلى المنظمات التي لا علاقة لها بالحكومة، ويشاركون بملء إرادتهم في الحياة العامة في المجتمع الديمقراطي الذي يعيشون فيه، وفي هذا الوقت يتطلب من المواطنين القبول بالمسؤوليات التي تترتب على هذه المشاركة ومنها: تعليم أنفسهم وتثقيفها بشتى مسائل الحياة، وإظهار القدرة على تحمل الصعاب التي تواجههم من الآراء المعارضة لهم، وإبداء روح التسامح عند الضرورة من اجل التوصل إلى تسوية تفيد الجميع. التجمعات في البلد الفاشستي نادرة أو بالحقيقة غير موجودة بتاتا، وإن وجدت فهي لا تعمل من اجل المواطن، ولا تلعب دورها كواسطة نقل لطلبات المواطن أو لتامين حاجاته، بل تعد ذراعا إضافية في هيكل الدولة تمسك بها رعاياها وتجعلهم يذعنون لها ويقدمون إليها الولاء والطاعة. المواطنة بين الحقوق والواجبات الخدمة العسكرية من المسائل التي تؤمن أمثلة مختلفة ولكن متساوية للتعبير عن الحقوق والواجبات في المجتمعين الديمقراطي والاستبدادي، وقد يتطلب من شباب المجتمعين المذكورين الانخراط في الخدمة العسكرية في زمن السلم، ففي النظام الاستبدادي/ الفاشستي، يكون الالتزام من جانب واحد. أما في النظام الديمقراطي فان فترة الخدمة العسكرية تعد واجبا يؤديه مواطنو المجتمع وفق قوانين تقرها الحكومة. وهذه القوانين قد اقرها الشعب (المجندون) أنفسهم. من البديهي أن الخدمة العسكرية في كلا المجتمعين غير مرغوبة، ولكن بالنسبة للمجند في الدولة الديمقراطية فإنه يعلم جيدا أنه سيؤدي التزاما أقره مجتمعه بحرية وإرادة، إضافة إلى أن مواطني المجتمع الديمقراطي يعلمون جيدا أن لديهم الصلاحية أن يعملوا مجتمعين على تغيير هذا النظام، نظام الخدمة العسكرية، والأكثر من ذلك، يستطيع مواطنو الدولة الديمقراطية إلغاء الخدمة العسكرية واستحداث جيش من المتطوعين كما هو الحال في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى. المواطنة في الأمثلة السابقة تدل على تعريف واسع للحقوق والواجبات، فهذان التعبيران (الحقوق والواجبات) وجهان لعملة واحدة، وإن ممارسة المواطن لحقوقه تعد مسؤوليته لصيانة حقوقه وحمايتها- حقوقه الشخصية وحقوق الآخرين، ويخطئ الكثيرون، وحتى في الدول التي تمارس الديمقراطية، إدراك هذه المعادلة. إذ غالبا ما يستفيد المواطنون من حقوقهم ويتجاهلون مسؤولياتهم وواجباتهم، يقول السياسي بنجامين باربر (إن الديمقراطية تفهم في الغالب بأنها حكم الأغلبية، وتفهم الحقوق بأنها الممتلكات الخاصة بالأفراد، وما هذا المفهوم إلا مناهض للديمقراطية المتمثلة بحكم الأغلبية، ويؤدي إلى سوء فهم لفكرتي الحقوق والديمقراطية). يمارس المواطنون حقوقهم الأساسية أو المشروعة، مثل حرية الكلام، وحرية التجمهر- حرية المجالس، وحرية الدين، تمثل هذه الحريات حدودا للحكومة التي تعتمد الديمقراطية نظاما لها، وهذا يعني أن حقوق الأفراد تعد حصنا منيعا ضد انتهاكات السلطة الحكومية أو الأغلبية السياسية التي قد تتغير بين ليلة وضحاها، لكن الحقوق، من جانب آخر، مثلها مثل المواطن، لا تؤدي وظائفها من الفراغ، تتواجد الحقوق حين يقرها المواطنون ويعترفون بها في المجتمع الواحد. نستطيع القول أن الجمهور، أي جمهور الناخبين، هو الوصي على حريته. ومن هذا المنظور، فإن الحكومة الديمقراطية المنتخبة تكون مسؤولة أمام مواطنيها الذين أولوها ثقتهم، ولن تكون مناهضة لحقوقهم، بل أنها جاءت للدفاع عن تلك الحقوق وحمايتها، ومن واجبها أيضا تعزيز الحقوق التي أخذ المواطنون على عاتقهم مسؤولية الالتزام بها. تنطوي هذه المسؤوليات على المشاركة في العملية الديمقراطية لضمان أدائها على نحو سليم، وعلى اقل تقدير، يتوجب على المواطنين تثقيف أنفسهم في المسائل الحساسة والحرجة التي قد تواجه مجتمعهم، مثل التصويت لمرشحين يبغون الحصول على مناصب عليا في البلد، من الالتزامات الأخرى تأييد هيئة المحلفين (القضاة) في المحاكم المدنية والجزائية. إن جوهر العملية الديمقراطية هو المشاركة الحرة والفاعلة للمواطنين في الحياة العامة للشعب، بدون هذه المشاركة الواسعة ستؤول الديمقراطية إلى الذوبان، وتصبح حكرا لمجموعة من المنظمات الصغيرة. لكن الديمقراطية ستتمكن، وبمساهمة أفراد نشطين في طيف المجتمع، أن تنجو من العواصف الاقتصادية والسياسية التي تكتسح أي مجتمع بدون التضحية بالحريات والحقوق التي اقسموا على التمسك بها. هناك من يعرّف المشاركة الفاعلة في الحياة اليومية بأنها الكفاح من أجل المكاسب السياسية أي الفوز في مقاعد حزبية أو حكومية، إلا أن مشاركة المواطن في المجتمع الديمقراطي أوسع بكثير من المشاركة في المنافسات الانتخابية، فعلى مستوى الأحياء أو المناطق السكنية الخاصة، أو على مستوى البلدية، قد يصبح المواطنون أعضاء في مجالس المدارس، أو قد يشكلون مؤسسات اجتماعية، أو مكاتب إدارية. أما على صعيد الدولة أو الإقليم، فيستطيع المواطنون إضافة أفكارهم و آرائهم مسموعة أو مقروءة إلى النقاشات المستمرة المتعلقة في المسائل العامة. ويستطيعون أيضا الانضمام إلى الأحزاب السياسية، ونقابات العمال، والمنظمات التطوعية. في الواقع تعتمد الديمقراطية على المشاركة المستمرة لكافة شرائح وأطياف المجتمع مهما كان مستوى المشاركة المطلوبة. إن الديمقراطية، كما يراها دايان رافيتش، عملية، ووسيلة للعيش والعمل في آن واحد، كما أنها تنمو وتتطور باطراد وليست جامدة، وتعتمد في مضمونها على التعاون والمصالحة، أي مفهوم العفو والصفح، وعلى قابلية التحمل، تطبيقها يعد أصعب مما نتصور، فالحرية تعني تحمل المسؤولية وليس التحرر منها. تتجسد الديمقراطية بمفاهيم الحرية والتعبير عن الذات، لكنها من جانب آخر لها آراؤها بطبيعة النفس البشرية، إذ ليس من الضروري أن يتقيد المواطن بالأخلاق الفاضلة فقط، لكن عليه أن يتحمل المسؤولية أيضا، إن إدراك الإنسان للعدالة يجعل من الديمقراطية أمرا ممكنا، لكن رضوخه لنزواته في تحدي العدالة يجعل الديمقراطية ضرورة حتمية. *الامين العام لمجلس أهالي مدينة كربلاء المقدسة المراجع: 1- التفاعل بين الديمقراطية و التنمية - بطرس بطرس عالي. 2- المواطنة... المبدأ الضائع - د. حسين درويش العادلي. 3- حقوق المواطنة و منظور الاستقرار في العراق - د. لبيب سلطان. 4- أي حزب نريد في عراق ديمقراطي جديد - د. كامل العضاض. 5- مفاهيم ديمقراطية - عماد عبد الكريم. 6- تأملات دستورية لعراق جديد - عما عبد الكريم مغير. 7- الموسوعة البريطانية - 1998 8- موسوعة انكارتا - 2000 |
||||
|