|
||||
ردك على هذا الموضوع | ||||
السقاية المعرفية ما بين الكتاب والإنترنت |
||||
حسن آل حمادة * | ||||
|
||||
ثمة ضرورة ملحة تدفعنا للحديث عن واقع الشباب والكتاب، وهذه الضرورة تكمن في أن الشاب بلا كتاب = الفراغ الفكري والثقافي، مما يجعله عرضةً للارتواء من أي نبعٍ كان!! لذا نحن نميل للرأي القائل: بضرورة الاحتماء بالكتاب، لمواجهة أي عائق، ولتجاوز أي نوعٍ من السدود، وهذا التأكيد ناشئ من الواقع الذي نعيشه يومياً من خلال ما نلمسه من سلوكيات سلبية تصدر من فئة جيل الشباب. ومن الأمور المسلَّم بها أن الشاب القارئ، هو شابٌ قادرٌ على أن يعيش عصره، ليبقى منتجاً فعَّالاً، وقبل ذلك نجده ذا شخصية قوية، فالقراءة وكما هو ملاحظ، تُساهم بدرجة كبيرة في صقل شخصية الإنسان، والارتقاء بطريقة تفكيره، ورسم واقعه الاجتماعي، كما أنها تساهم في تنمية الاتجاهات والقيم المرغوب فيها لدى الشباب. وعندما نوَّد الحديث عن العلاقة المتبادلة بين الشباب والكتاب؛ فأظن بأننا سنخلص إلى كونها علاقة سلبية، تتمثل في رفض الشاب اللجوء إلى الكتاب الذي عُدَّ يوماً ما كخيرِ جليسٍ للإنسان، ومن أراد أن يتأكد من صحة هذا الادعاء؛ فليسأل أقرب طالبٍ إليه، من الطلبة الذين لا يزالون يدرسون في المرحلة الثانوية أو الجامعية؛ ليسمع الحقيقة المرة بنفسه. وبلغة الأرقام تقول إحصائية قديمة منشورة في جريدة الحياة، جاء ضمنها أن معدل إنفاق بعض الشباب الجامعي في بلدٍ عربي على الكتب لا يتجاوز (10%)!! ولا أدري كم هي نسبة إنفاقه على مختلف الأمور الكمالية؟ وقد سبق لي أن تحدثت عن هذه الفكرة في بعض المحاضرات، كما أشرت إليها مراراً وتكراراً، في بعض الدراسات والمقالات التي كتبتها هنا وهناك، ومع ذلك أجد أن الحديث حول هذا الموضوع حديثاً مهماً وضرورياً، فما دمنا نقول بأن العلاقة سلبية، فهذا الأمر، يُحتِّم علينا البحث في جذور المشكلة لوضع العلاج المناسب والملائم لها. علماً بأن مسألة العزوف عن القراءة ليست مشكلة تخص الشباب، بل هي مشكلة المجتمع بأسره، وربما كان تركيزنا على هذه الشريحة بالذات، باعتبار أنها الجهة المعوَّل عليها لتغيير واقعها والمجتمع معها عبر تمسكها بالكتاب. وماذا عن: ثقافة الكتاب وثقافة الإنترنت؟ نظل بحاجة إليهما معاً، إذ لا يمكن أن يدعي إنسان بأنه قادرٌ على الاستغناء عن أحدهما دون الآخر؛ فلكل وعاء فائدته، ولكل وردٍ رائحته!! مع تأكيدنا على الفرق الواضح والجلي بين من يأخذ زاده الثقافي والمعرفي عبر الكتاب، عمن يقتصر على الإنترنت لوحده، نعم، الإنترنت هو الوسيلة الأسرع والأسهل للحصول على أي معلومة يحتاجها الباحث والمتابع، ومع ذلك -على ما أظن- فإنه لا يُعد الوسيلة المثلى للبناء الثقافي الرصين والجاد. ولا يخفى أن الباحث عادة ما يستخدم الإنترنت كوسيلة للبحث عن معلومة معينة، وقد يضطر لقراءتها مطبوعة على الورق، إن كانت تتسم بالطول. ولتوضيح الفكرة بشكلٍ آخر، أقول: هل بإمكان الفرد منَّا أن يقرأ رواية من (500) صفحة بواسطة الإنترنت، وبشكلٍ مركزٍ؟ أظن بأن ذلك -وإن كابر البعض- ليس بالإمكان، ولك أن تسأل من شئت. إذاً، يحق لنا الإدعاء بأن الإنترنت ليس بقادرٍ على إزاحة الكتاب من يد قارئه، كما أنه ليس بالإمكان التخلي عن الإنترنت في عصر ثورة المعلومات وانفجار المعرفة، بالاكتفاء بقراءتنا لكتاب!! وربما يصح لنا القول: بأن شبكة الإنترنت قد ساعدت في ترويج الكتاب ونشره، ولم تستطع أن تحل محله، إذ بقي كل واحدٍ منهما محافظاً على موقعه، كما هو شأن المعركة بين الصحافة والإذاعة، أو السينما والتلفزيون قديماً. ومن الطريف أن المفكر اللبناني (علي حرب) كتب عرضاً في مجلة العربي الكويتية عدد: (495)، لكتاب: (العمل بسرعة الفكر)، وهو من مؤلفات (بيل جيتس) -صاحب شركة مايكروسوفت وأحد نجوم العالم المُعَوْلم- وقد خلص علي حرب إلى أن (تجربة جيتس، مؤلف الكتاب، تشهد على أن الكتب الورقية لن تموت مع الحاسوب والثقافة السمعية والبصرية، فإذا كان جيتس، الذي يُعدّ من أبرز رجالات الثورة الإعلامية، التي يخشى منها الناس على الكتاب، يلجأ إلى تأليف الكتب من أجل أن يتحدث عن معنى تجربته وآفاق مشروعاته، فإن ذلك يعني أن الكتاب المطبوع باقٍ، ولن يحل محله الكتاب الإلكتروني). الفرصة الكبيرة المتاحة من خلال الإنترنت ربما أشرنا لهذا المعنى في السطور السالفة، ويمكنني التأكيد هنا على مسألة السرعة والسهولة -التي تتاح عبر الإنترنت- أثناء تلقي المعلومة المطلوبة، وكذلك أثناء نشرها.. شخصياً لديَّ كتاب كان من المفترض أن تُداعبه أيدي القرَّاء قبل ثمانية أشهر، إلاَّ أنه لحد الآن لم يرَ النور، بسبب مماطلة الناشر؛ فلو لجأت للإنترنت كوسيلة للنشر، لأبصره القرَّاء (ما بين رَقْدَةِ عينٍ وانتباهتها). إضافة إلى مسألة مهمة تتمثل في عدم قدرة الرقيب على تقييده بواسطة السلاسل الغلاظ، إن هو حاول حث الخُطى عبر الحدود. ولا أضيف جديداً لو قلت بأن الإنترنت يوفر المعلومة الحديثة، ولا يستطيع الكتاب منافسته في هذا الأمر؛ إذ بمجرد أن ينتهي الباحث من إعداده لبحثه، وبنفس السرعة يستطيع إتاحته للقارئ، بعكس الكتاب الذي يمشي زاحفاً على بطنه بحركة أبطأ من مشية السلحفاة! فالكاتب -في مجتمعاتنا- يكتب الكتاب، وقد يعمل على صفه وإخراجه بنفسه، ثم يسلمه لدور النشر -أو كما أسماها أحدهم (دور النشل!!)- لتستلمه المطبعة، ليرقد فيها لفترة قد لا يعلمها إلاَّ الله والراسخون في العلم، وما يكاد أن يصل لأيدي جلسائه -هذا إن وصل- حتى تتقادم معلوماته. فشبكة الإنترنت أتاحت للإنسانية فرصة كبيرة للتقدم والنمو والارتقاء: معنوياً ومادياً، لذا علينا أن نستثمر هذه الوسيلة من أجل: نشر العلوم النافعة، والقيم الحقة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. كيف ننمي الحس المعرفي والإطلاعي لدى شبابنا؟ بتوفير الأجواء المساعدة والتي من شأنها اجتذاب الشباب لمختلف مصادر المعرفة المتاحة. والمسؤولية في ذلك تقع على كاهل كل من: الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، ووسائل الإعلام، والدولة. فمثلاً: - الأسرة القارئة قادرة على صناعة ابن قارئ، إن هي وفرت المناخ المناسب، داخل المنزل. - والمدرسة بإمكانها أن تدفع الشباب دفعاً باتجاه الثقافة والاطلاع، إن هي وفرَّت المناهج الكفيلة بغرس ملكة الإبداع، والبحث عن المعرفة في أنفس الطلاب.. المناهج البعيدة عن أسلوب الحفظ والتلقين، والتي لا نجني منها إلاَّ مزيداً من النسيان. - والمجتمع بتشجيعه ودعمه -المادي والمعنوي- لمن يعمل في حقل الثقافة والعلم. - ووسائل الإعلام المختلفة بتبنيها لصنَّاع الثقافة والعاملين على إثرائها. - والدولة وما أدراك ما الدولة؟ إذ هي القادرة على أن تكون أماً للثقافة والمنافع، أو أماً للجهل والمساوئ، ولك أن تتأمل في واقع شعوبنا المليئة عنفاً وإرهاباً، وقل لي بربك من المسؤول؟ كيف نستثمر واقع المدرسة ثقافياً؟ قد لا نجانب الحقيقة لو قلنا بأن المدرسة تُعد من أهم الأركان المعول عليها للنهوض بالجانب الثقافي والمعرفي، من أجل تخريج الطالب المثقف، وإنسان المستقبل الفاعل. لكن، هل المدرسة -وفي هذا الزمان- تقوم بهذا الدور؟ هذا هو السؤال.. ولسنا بحاجة لبذل جهداً كبيراً للكشف عن الحقيقة المؤلمة المتمثلة في إخفاق المدرسة في هذه الجنبة، وخريجي المدارس -بل والجامعات- خير شاهدٍ على ما نقول، فلك أن تجلس مع خريج مدرسة ثانوية لتدير معه حواراً ثقافياً في أبسط الأمور، لتلمس بنفسك ثقافته الضحلة رغم أننا نعايش عصر ثورة المعلومات وانفجار المعرفة!! فتقصير المدرسة أمرٌ واضح لكل من دخلها أو تخرج منها. أما عن كيفية استثمار واقعها ثقافياً، فيمكنني أن أوجز ذلك بعددٍ من المقترحات، علماً بأن بعضها قد جربت عملياً من قبل بعض الأصدقاء والمعارف، وهي الآتي: 1- تخصيص جائزة لمن يتفوق على زملائه في استعارة أكبر قدر ممكن من كتب المدرسة، ويفضَّل تشجيع الطلاب على كتابة ملخصات للكتب التي قرأوها في دفتر خاص، تحت عنوان: الكشكول، أو ثمرة القراءة، أو مما قرأت...الخ؛ وذلك بهدف التحقق من قرائتهم لها، ولتقوية أسلوبهم الكتابي والأدبي. 2- إلقاء المحاضرات، وعقد الندوات الثقافية داخل مكتبة المدرسة، سواء كان المحاضر مدرساً في نفس المدرسة، أو أحد علماء أو مثقفي المنطقة، ومن باب التجربة الشخصية، فقد نظمنا بعض المحاضرات يلقيها الطلاب أنفسهم، وقد لفت بعضهم أنظار المدرسين بقوة الطرح، وحسن التعبير، بالرغم من إلقائهم للمحاضرة بطريقة مرتجلة. وقد صرّح بعض المدرسين بصدقٍ قائلين: لقد تفوق تلامذتنا علينا؛ فنحن لا نتمكن إلاَّ من شرح الدرس المقرر، وليست لدينا المقدرة على إلقاء محاضرة في ظل جمعٍ كهذا!! 3- تخصيص جوائز متعددة لمن يكتب أفضل: (بحث، مقالة، قصة، قصيدة، خاطرة، مسرحية...الخ)، على مستوى المدرسة، أو القطاع. 4- إصدار النشرات الثقافية والتربوية، وتشجيع الطلاب على الكتابة فيها، وكذلك العمل على نشر بعض موضوعاتها في الصحف المحلية. وقد ذكر لي أحد الأصدقاء بأنه أرسل موضوعاً بقلم أحد طلابه لصحيفة محلية، وبعد نشرها للموضوع، أصبحت حديثاً للطلبة والمدرسين، وارتسمت أسئلة في نفوس بعضهم، إذ تعجبوا بسماعهم للخبر، وكأن الطالب قد ذهب في رحلة للمريخ!.. ألم نقل بأن المستوى الثقافي ضحلٌ في المدارس؟! 5- تفعيل المكتبة المدرسية، وتزويدها بالكتب المناسبة للطلاب، والتي تتميز بخاصية الجاذبية في الشكل والسلاسة في الأسلوب، والعمق في المضمون. هذه بعض المقترحات التي من شأنها العمل على استثمار واقع المدرسة ثقافياً. الطالب ما بين ثقافة الكتاب والمنهج الكتاب المدرسي، أو ما يُعبَّر عنه بالمنهج، يُعد من المكونات الرئيسة أثناء تأدية العملية التعليمية؛ بل هو المحور الذي ينبغي الانطلاق من خلاله تعزيز جانب التحصيل العلمي والمعرفي، فهو حلقة الوصل بين المعلم والطالب، وبين الطالب والعملية التعليمية ككل. ومن المسلمات أن ذاك الزمن الذي كان المعلم فيه يلقِّن طلابه العلوم والمعارف متصوراً أنهم (آلة تسجيل) تعيد ما سجل فيها، قد انتهى من غير رجعة، كما أن الأبحاث والتجارب الميدانية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدروس التي تأخذ عن طريق التلقين لا تستقر في الذهن طويلاً، بعكس المعلومات التي يسعى الإنسان من أجل تحصيلها عن طريق القراءة الخارجية عبر التعلم الذاتي. حول ذلك يتحدث الكاتب (عبد التواب يوسف)، في كتابه المعنون بـ(أطفالنا وعصر العلم والمعرفة) ص75-76، قائلاً: (لقد مرت بالعالم كله مرحلة التلقين.. كانوا في أمريكا يشكون منها، ويقولون: إن الكبار -آباءً ومعلمين- يظنون أنفسهم إبريق شاي، ويتصورون الأطفال أكواباً فارغة، ويروحون يسكبون فيها مما لديهم.. وسمعتها في الصين.. الكبار يحسبون الأطفال بطاً بكينياً، يقومون بعملية (تزغيطه)). إذاً، لا مندوحة لمن يرغب في تطوير ثقافته -سواءً كان طالباً أو متخرجاً- من أن يقبل إقبالاً كبيراً وواسعاً على ممارسة عادة القراءة وتنمية التعلم الذاتي، ولو نظرنا في سيرة العلماء المتميزين، وقرأنا سيرة القادة العظام لرأينا أن الواحد منهم ما انفك عن مصاحبة الكتاب يوماً ما، إن لم نقل لحظة ما. أعيش مع الكتاب تحت هذا العنوان ينقل الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في كتابه: (قصص وخواطر من أخلاقيات علماء الدين) ص75-76، القصة التالية: سأل فضيلة السيد كمال الحيدري أستاذه المفكر الإسلامي آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره): - لو سألكم أحد كيف صار محمد باقر الصدر، محمد باقر الصدر؟ فأجاب السيد: إن محمد باقر الصدر يساوي (10%) مطالعة و(90%) فكر. وأضاف السيد الحيدري سائلاً: في اليوم والليلة كم ساعة تطالعون؟ فأجاب السيد الصدر: لا تسألني هكذا، ولكن اسألني بشكل آخر، قل لي في اليوم والليلة كم ساعة كنتم مع الكتاب؟ قلت له: ما الفرق بين السؤالين؟ قال: إذا سألتني كم ساعة تطالع؟ أقول لك أطالع عشر ساعات أو ثماني ساعات... ولكن إذا سألتني كم ساعة كنت مع الكتاب؟ أقول لك: ما دمتُ مستيقظاً وغير نائم فأنا مع الكتاب. كيف؟ عندما أسير في الشارع أتأمل مسألة أريد حلها، وعندما أقف على القصّاب ففي ذهني مسألة أحاول حلها، وعندما أجلس على الطعام للأكل ففي ذهني مسألة أريد حلها، وعندما أستلقي على الفراش ففي ذهني مسألة أريد حلها، إذن كنت دائماً مع الكتاب، فالكتاب كان معي وأعيش مع الكتاب. إذاً فالكتاب المدرسي المقرر، والكتاب الثقافي غير المقرر، كلاهما وجهان لعملة واحدة، وليس بالإمكان الاكتفاء بأحدهما دون الآخر، ومما يؤسف له أننا نجد انكباباً من قبل الطلبة -المهتمون منهم- على الكتب المقررة فقط، وانصرافهم عن الكتب الخارجية، وذلك في مختلف المراحل الدراسية، من الابتدائية وحتى الجامعية، بل نجد أن بعض الآباء قد يأمر أبناءه بعدم الركون لقراءة أي كتاب خارجي، بحجة ضرورة التفرغ للكتب الدراسية!! ولعمري إن تفكير كهذا يمثل صورة جلية تحكي الجهل بالأسس السليمة للبناء العلمي. |
||||
|