q
تعد السلطات الانضباطية لرب العمل امتداد لسلطاته الإدارية وهي تهدف إلى تنظيم وضبط العمل وهي مشتقة عن الرابطة التبعية في عقد العمل التي تستوجب أن يعمل العامل تحت إشراف وإدارة صاحب العمل وأن لصاحب العمل الحق في ضمان سير العمل في منشأته وله إيقاع العقوبات الانضباطية على العامل المخل بالتزاماته...

تعد السلطات الانضباطية لرب العمل امتداد لسلطاته الإدارية وهي تهدف إلى تنظيم وضبط العمل وهي مشتقة عن الرابطة التبعية في عقد العمل التي تستوجب أن يعمل العامل تحت إشراف وإدارة صاحب العمل وأن لصاحب العمل الحق في ضمان سير العمل في منشأته وله إيقاع العقوبات الانضباطية على العامل المخل بالتزاماته دون الرجوع للقضاء.

إلا أن سلطة صاحب العمل غير مطلقة من كل قيد وإنما تخضع للقواعد المنظمة لممارسة هذه السلطة التي نص عليها قانون العمل رقم (37) لسنة 2015، وأهم هذه القواعد التي تشكل ضمانات للعامل المحال للمساءلة الانضباطية هو (وضع قواعد داخلية) لتحديد ساعات بدأ العمل ومقدار الأجر والأجر الإضافي وإجراءات الصحة والسلامة المهنية والتزامات العمال وقواعد الانضباط، كما يلزم بوضع (نظاماً داخلياً) يتم الإعلان في مكان بارز في موقع العمل بعد المصادقة عليه من القسم القانوني المختص على أن لا يتضمن هذا النظام الداخلي أي انتقاص من الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل أو الاتفاق الجماعي.

وأيضاً قاعدة (عدم جواز معاقبة العامل عن مخالفة قام بها بعد مضي (15) خمسة عشر يوماً من علم صاحب العمل أو أحد ممثليه بذلك)، وقاعدة (حق العامل بالدفاع عن نفسه قبل إيقاع العقوبة الانضباطية بحقه)، وقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص)، وبرغم هذه القواعد الأساسية التي تعد من أهم ضمانات العامل المحال إلى التحقيق إلاّ أننا يمكن أن نؤشر إغفال المشرع لبعض هذه الجوانب وأن هذا الإغفال يخل بحق الدفاع المقرر للعامل اتجاه الاتهام الموجه من صاحب العمل وكما يأتي:

اجراءات واجبة

1- لم يوجب المشرع تحديد القواعد والإجراءات الواجبة الاتباع في النظام الداخلي الذي ألزم صاحب العمل بإعداده بالنسبة للمشاريع وأغفل الإجراءات بالنسبة لصاحب العمل الذي يستخدم أقل من (10) عمال.

2- أعطى المشرع لصاحب العمل الحق في فرض العقوبات (الإنذار، الإيقاف عن العمل لمدة لا تزيد على (3) أيام، وحجب الزيادة السنوية، تنزيل الدرجة، الفصل من العمل) وهو بذلك أخذ بقاعدة (قانونية العقوبات) ونص على قاعدة (تناسب العقوبة مع الفعل) وقاعدة (عدم جواز فرض أكثر من عقوبة واحدة على فعل واحد) وحسناً فعل بذلك إلاّ أنه أغفل ضمانات تحقيق الدفاع الأخرى كحق العامل في مواجهته بالتهمة المنسوبة إليه وحق الاطلاع على الملف التأديبي كالاطلاع على المستندات والوثائق التي تشكل اتهام للعامل ليتمكن من تحقيق دفاعه، كما أغفل الإشارة إلى أسلوب التحقيق السابق لفرض العقوبة الانضباطية هل يتم تحريرياً أم شفوياً ولاسيما إلى صاحب العمل يملك سلطة الاتهام والعقاب وما هي ضمانات العامل أثناء التحقيق معه من صاحب العمل.

3- أعطى قانون العمل للعامل الحق في الدفاع عن نفسه قبل فرض العقوبة الانضباطية ولكنه لم يشير إلى مبدأ حرية الدفاع كالاستعانة بمدافع أو محامي واقتصر النص على حضور ممثل العمال دون أن يكون له دور في الدفاع، كما لم يشر النص إلى إمكانية عرض الموضوع على النقابة التي ينتمي لها العامل محل المساءلة الانضباطية باستثناء حالة الفصل.

4 – حدد المشرع في المادة (141) من قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 حالات فرض عقوبة الفصل التأديبي على سبيل الحصر وبذلك أخذ بمبدأ (قانونية الجرائم) وبالتالي لا يمكن لرب العمل فرض عقوبة الفصل على غير الأفعال الواردة في القانون على سبيل الحصر إلا أنه تضمن استثناء يتمثل بجواز فرض عقوبة الفصل على فعل لم يرد في القانون إذا تكرر هذا الفعل (الخطأ) مرة أو عدة مرات شريطة توجيه (إنذار) خطي مسبق من رب العمل.

وهنا يثار التساؤل هل يجوز للمشرع الأخذ بفكرة العود على جرائم أو مخالفات لم ينص عليها أصلاً وتتخذه أساساً لخلق مخالفات جديدة تبرر فصل العامل لم ينص عليها القانون نرى ذلك توجه غريب للمشرع العراقي.

5- نص المشرع على استشارة ممثلي العمال قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن إنهاء أي عقد عمل، ويلاحظ أن المشرع قد جعل الاستشارة جوازية وغير ملزمة ولذلك لا يمكن عدها ضمانة للعامل، كما لم يبين دور ممثلي العمال في حال استشارتهم وهل لديهم سلطة إيقاف قرار صاحب العمل بإنهاء عقد العمل.

6- إن المشرع ترك عبء إثبات خطأ العامل إلى صاحب العمل نفسه، دون أن يحدد شروط الخطأ أو الضرر الموجب لمسؤولية العامل وما هي نوع المسؤولية هل هي تقصيرية أم عقدية رغم وجود اتجاهات فقهية تذهب إلى تداخل المسؤوليتين أو ما تسمى بـ (بوحدة المسؤولية) وكيفية إثبات تحقق الخطأ وتحقق الضرر ونوع الضرر إن كان مادياً أم معنوياً وفيما إذا كان الضرر محقق الوقوع أو ضرر مستقبلي أم محتمل وفيما إذا توفرت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وما هي موانع انتفاء المسؤولية الانضباطية وهل بالإمكان منع إنهاء العمل رغم وجود خطأ جسيم من جانب العامل بأن يؤخذ بنظر الاعتبار ظروف ارتكاب الخطأ كدرجة خطورته، نطاق الخطأ، مقدار الضرر، سيرة العامل حتى تاريخ ارتكاب الخطأ.

7- أغفل المشرع العراقي النص على الضمانات الواردة في بعض تشريعات العمل المعاصرة كجلسات سماع العامل، الحق في اصطحاب عامل ينتمي إلى نفس المؤسسة أو المشروع أثناء جلسات استماع العامل وخصوصاً في حال غياب وجود جهة تمثيلية للعامل، منح مفتش العمل صلاحيات لمراقبة الإجراءات الانضباطية للعامل أو إشعاره لغرض التدخل لحل نزاعات العمل الفردية، تشكيل لجنة تأديب (انضباط) داخل المؤسسة التي تستخدم العامل حيث تمارس لجان التأديب دوراً رقابياً على صاحب العمل من حيث الإجراءات وتناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب وتعد ضمانة للعامل المحال إلى لجنة أو مجلس تأديب ضد ادعاءات صاحب العمل باعتبار أن قرارات هذه اللجنة أو المجلس ملزمة لصاحب العمل.

لما تقدم ندعو المشرع العراقي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والنقابات العمالية الى تبني مشروع تعديل لقانون العمل رقم (37) لسنة 2015 بما يوفر الضمانات الاساسية لتحقيق دفاع العامل عن نفسه اتجاه سلطة رب العمل الانضباطية ورفع مستوى استجابة قانون العمل العراقي للمعايير الدولية بهذا الشأن… والله الموفق .

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق