q
ان زيارة الأربعين تتميز بحجم الزوار الهائل الذي يتوجّه الى كربلاء المقدسة، من داخل وخارج العراق، لإحياء مراسيم هذه الزيارة الكبيرة، تعبيرا عن نصرة لم تتحقق في حياة بطلها الامام الحسين (ع)، فحري بالشيعة والمسلمين عموما، أن ينصروا المبادئ والقيم التي استشهد من أجلها الامام (ع)...

ان زيارة الأربعين تتميز بحجم الزوار الهائل الذي يتوجّه الى كربلاء المقدسة، من داخل وخارج العراق، لإحياء مراسيم هذه الزيارة الكبيرة، تعبيرا عن نصرة لم تتحقق في حياة بطلها الامام الحسين (ع)، فحري بالشيعة والمسلمين عموما، أن ينصروا المبادئ والقيم التي استشهد من أجلها الامام (ع)، والتي قدم من اجلها نفسه وروحه ودمه وذريته وأهله وأصحابه عليهم السلام.

وهذا الكم الهائل من الزوار يتيح فرصا كبيرة للإعلام كي يؤدي دوره بصورة أفضل وأكثر دقة وتأثيرا، حيث يأتي الزائرون الكرام من جميع أصقاع العالم، لإحياء مراسيم الزيارة، وعلى المعنيين استثمار هذه الفرصة التي لا تتكرر إلا بعد مرور سنة كاملةّ!، لبث وإيصال الرسائل المعتدلة الموجّهة الى العالم أجمع، والتي تستند الى الاسلام الحقيقي، اسلام النبي الكريم (ص) وأهل بين النبوة (ع)، وهو الاسلام المعتدل الذي يهدف الى خير المسلمين والناس أجمعين، وليس الأفكار التي يبثها أعداء الاسلام المتعصبين ممن يدّعون تمثيله.

ولكي يتحقق هذا الهدف الإستراتيجي الضخم، لابد من تأمين الإعلام (الشيعي) القادر على نشر الفكر المعتدل القادر على تمثيل الإسلام الذي ظهر الى العالم بظهور الرسالة النبوية الشريفة واستمرارها في نشر النور بين ربوع الإنسانية جمعاء، الى أن حدث المنعطف الخطير على أيدي الحكام الأمويين الطغاة، وبالتحديد على يد يزيد الذي تكفّل بتغيير بوصلة الإسلام نحو الانحراف، عندما كرّس كل قدرات دولة المسلمين من اجل حماية عرشه وأخضعها لنزواته الفردية ورغباته المنحرفة، وسعيه البائس لنشر الظلم والفسق والبطش وتفضيل كفة الرغبات الدنيوية على المبادئ الإسلامية الخالدة.

إن المسؤولية التي تقع على منظومة الإعلام الحديث الذي يواكب حاليا زيارة الأربعين المليونية، مسؤولية كبيرة، وينبغي أن يتركز سعيها وعملها على نقل رسالة الفكر الحسيني ومبادئه الى المسلمين والعالم، وهذه يستدعي جملة من الإجراءات والخطوات، التي ينبغي أن تسبقها عمليات التخطيط الإعلامي المدروس، لذلك نحن في الحقيقة إزاء مهمة حساسة وبالغة الخطورة، لاسيما أن العالم أجمع ودول المنطقة الإقليمية التي يقع من ضمنها العراق، تعيش ظروفا ملتبسة ومتداخلة في المرحلة الراهنة.

لدرجة أن الأوراق العقائدية والسياسية يتم خلطها على مدار الساعة، وهناك من يسعى الى تشويه الإسلام والإساءة للنبي الكريم (ص) ولرسالته الشريفة عبر موجات التطرف والإرهاب التي يُراد لها أن تمثل الإسلام وهو منها براء، كون الإسلام المحمدي لا علاقة له بالتطرف والتعصب، كونه دين الإنسانية والتناغم الإنساني بغض النظر عن طبيعة الانتماء العرقي او الديني او الاثني أو المناطقي للإنسان، لهذا تتضاعف مسؤولية الإعلام الشيعي الى أقصى الحدود بسبب حساسة الأوضاع والظروف التي نجتازها اليوم.

لقد أوضحت المرجعية الدينية في رسائل توجيهية متواصلة للقائمين على الإعلام الشيعي، أهمية بل وحتمية جعل الخطاب الإعلامي خاليا من التحريض، وبعيدا عن التعصب، ولا يهدف الى إثارة الفتن بين المسلمين وطوائفهم ومذاهبهم من ناحية، او بينهم وبين الأديان الأخرى، فالإسلام منذ أن بدأ بالرسالة النبوية الشريفة، دعا الى التقارب بين الناس وأوجد لهم الظروف والافكار والفرص التي تزيد من لحمتهم وتقوي نسيجهم المجتمعي.

على أن تتبنى وسائل الإعلام بأنواعها كافة، المسموعة والمرئية والمقروءة، هذا النوع من الخطاب القائم على نبذ العنف، لاسيما أن الفكر الإسلامي والحسيني يلتقيان في قاسم مشترك واحد، يتمحور حول نبذ العنف، فقد أثبتت الروايات والأخبار الموثوقة، أن جميع الحروب التي أجبر الرسول الكريم (ص) على خوضها، هي حروب دفاعية بحتة، إذ لم يحدث قط أن بدأ المسلمون بقيادة النبي الكريم (ص) بالحرب، ولم يدخلوها إلا اضطرارا ودفاعا عن النفس.

وركيزة السلم هذه نجدها في الفكر الحسيني، حيث أخذها سبط النبي (ص)، أبو الأحرار الحسين (ع)، من دين جده الذي شكلت أفكاره امتدادا للمبادئ الحسينية، لهذا ينبغي على الإعلام الحسيني بأشكاله كافة، لاسيما القنوات الفضائية، أن تعتمد الهدوء والرغبة في الحوار، والابتعاد عن التشنج في طرح الأفكار، ومنع التحريض بصورة تامة في الخطاب الإعلامي كما وجّهت بذلك رسائل المرجعية الدينية المتكررة للقائمين على العمل في وسائل الإعلام.

كذلك ينبغي أن يركّز القائمون على الإعلام الحسيني، وهم يرسلون رسائلهم الى العالم على القيم الحسينية التي تنحو الى الاعتدال وتبتعد بصورة كلية عن العنف، كذلك تركيز القيم الرافضة للظلم، وعدم الوقوف الى جانب السلطة الغاشمة، مهما تنوعت أساليب الترهيب والترغيب من بطش او منح هدايا وامتيازات، فالمطلوب هو الثبات على المبادئ التي تنتصر لكرامة الإنسان والقيم الإنسانية الكبيرة.

لسنا بحاجة الى التذكير بأهمية الإعلام، وأهمية نوع الخطاب الإعلامي الذي يتم بثه عبر الفضائيات الشيعية، إن إشاعة ثقافة الحوار الحضاري عبر هذا الخطاب، هو الاسلوب الذي ينبغي أن يعتمده الاعلاميون الحسينيون، كونهم يبتغون الاصلاح، ويتخذون من المبادئ الحسينية منطلقا لأهدافهم الإعلامية الفكرية.

من هنا ركزت رسالة المرجعية الدينية الشريفة على نقاط واضحة المعاني والاهداف، وقد حرصت من خلالها توجيه الاعلاميين الى أهمية التعامل الانساني مع الآخر عبر المفردة، انطلاقا من حسن الكلام وجمال الخطاب، وتحضّر الحوار، فالهدف هو زيادة اللحمة بين المسلمين من خلال نشر الفكر المعتدل واعتماد قواعد الفكر الحسيني كمنطلق في هذا الاتجاه.

لقد وردت توجيهات محورية في رسالة مهمة تم تقديمها للإعلاميين (الشيعة) العاملين في وكالات وقنوات الاعلام الفضائية الشيعية، وهذه التوجيهات أوضحت بما لا يقبل اللبس او الغموض، ما هو المطلوب من الاعلام لاسيما القنوات الفضائية، لأنها الاسرع وصولا الى الآخر والى الناس جميعا، ومن هذه الخطوات التي يمكن للعاملين في الاعلامي الشيعي السير والعمل في ضوئها:

- العمل على تنويع البرامج التي تقدمها الفضائيات الشيعية في هذه المناسبة، وربط التاريخ العظيم المشبع بقيم الكرامة والتحرر بحاضر الشيعة ومستقبلهم.

- الابتعاد عن الخطابات التحريضية او المستفزة للآخرين، واعتماد خطاب اللين والمسالمة والمحبة.

- انتاج البرامج الحوارية والوثائقية وبأكثر من لغة عالمية، والتأكيد على مفردات يفهمها المتحدثون بتلك اللغات وتتناسب وطبيعة مجتمعاتهم الثقافية، وفتح أبواب الحوار الحضاري مع مختلف الجماعات الأخرى للتعريف بقيم اهل البيت عليهم السلام العظيمة.

- خلق روح التكامل بين المؤسسات الإعلامية والفكرية من اجل بناء اعلام عالمي مقتدر ومحترف.

إن هذه الخطوط العريضة لنشاط الإعلام الشيعي، من شأنها - بعد الالتزام بها- أن ترتقي بالخطاب الاعلامي الحسيني، وتحقق الأهداف المرجوة بأقل الجهود والتكاليف، وبأسرع الأوقات والطرق، كونها تتسلح بالإقناع والاعتدال والحضارة والابتعاد عن العنف والتحريض، وهي مبادئ كلها مستقاة من الفكر الحسيني الخالد.

اضف تعليق