في عالم يشيع فيه الحمل الكبير للمعلومات، توفر الأخبار اللينة أو الناعمة استراحة منعشة تلبي اهتمامات متنوعة وتثري المشهد الإخباري بقصص حول نمط الحياة والثقافة بشكل عام والتي تهم الإنسان، وإن فهم الأخبار الجادة والممتعة يساعد الصحفيين على إنشاء محتوى مثير للاهتمام وغني بالمعلومات والمعرفة...
في عالم الصحافة والإعلام المزدحم، يتنافس نوعان رئيسيان من الأخبار لجذب انتباه الجمهور، فهناك الأخبار اليومية التي تغطي موضوعات مهمة مثل السياسة والاقتصاد والأمن وغير ذلك من الأخبار التي تتطلب تغطيات صحفية عاجلة ومعقدة، وعلى الجانب الآخر نجد الأخبار اللينة أو الناعمة التي تهتم بالقصص وأنماط الحياة المختلفة، كالترفيه، والمنوعات وصولا إلى المضامين المعقدة التي يتم عرضها بأساليب جديدة.
بشكل عام لن تختلف الأخبار من حيث شكل الهيئة العامة عن بعضها، فهي موجودة في سلسلة متصلة من الأحداث التي ينقلها الإعلام، لكن ما يميز الأخبار الناعمة عن غيرها، من خلال ليونتها ومرونتها واستخدامها عبر أساليب صحفية مشوقة ومختلفة، على سبيل المثال، قد تحتوي التغطية الخبرية للانتخابات على موضوع إخباري معقد أو يصعب فهمه، ولكن قد يختار الصحفي تناوله بطريقة تبسط المضمون وتنقل جوانبه التي تلامس مشاعر الإنسان واهتماماته التي ينجذب إليها.
وحديثا تركز الدراسات حول أهمية تخفيف الأخبار حتى وإن كانت تحمل الطابع الرسمي -صحف النخبة والصحف الشعبية- أو نشرات الأخبار التلفزيونية التي تقدم الخدمة العامة والتجارية، لكن ما يميز الأخبار الناعمة أو اللينة عن غيرها مجموعة أبعاد:
1- تتميز الأخبار الناعمة عن الأخبار التقليدية اليومية المعقدة، من خلال الاهتمام بموضوعات الحياة المختلفة.
2- يمكن تمييز الأخبار الناعمة عن الأخبار التقليدية اليومية من خلال عرض المعلومات بطرق مختلفة، فهناك مصادر غير رسمية ومقابلات شخصية وقصصا لجعل الأخبار تبدو أكثر إنسانية، بخلاف الأخبار التقليدية التي تتطلب معلومات من أشخاص مهمين وخبراء، وجراء مقابلات مع شخصيات رئيسية.
3- تجذب الأخبار الناعمة جمهورا أوسع لأنها لا تبعث المخاوف. من ناحية أخرى تستخدم الأخبار اللينة أو الناعمة تقنيات سرد القصص والمحتوى لجذب المشاهدين، من خلال تقديم الأخبار بطريقة أكثر متعة وسهولة، وغالبا ما يعطي هكذا نوع من الأخبار موضوعات ذات صلة بحياة المشاهدين اليومية، وتخلق اتصالاً شخصيا وتشجع على التفاعل مع المحتوى، وتتضمن قصصا عن الصحة، والعلاقات، وأسلوب الحياة، والثقافة الشعبية، وتكون هذه المواضيع مرتبطة بالمشاهدين وتثير الاهتمام والتحفيز على التعلم، أو تلك التي تتحدث عن أشياء ترفيهية وعن أسلوب الحياة والثقافة والرياضة والشهرة، وتغطي الموضوعات التي تلامس مشاعر الإنسان وتمتاز بالمرونة في استخدام القصص، وتدور حول الجانب الممتع من الأخبار التي تبعث على الاسترخاء وتبقى مثيرة لفترة طويلة، على عكس ما تخبرنا عنه الأخبار اليومية المتعارف عليها والتي تتحدث عن أشياء آنية أو عاجلة.
4- المراسلون باستطاعتهم نقل الأخبار اللينة أو الناعمة ومشاركة آرائهم وقصصهم ومشاعرهم وهذا ما لا نجده عادة في الأخبار التقليدية البعيدة عن المشاعر، إنها بمثابة جسر مع الجمهور، وتقدم القصص بطريقة ودية ومسلية، وتتواصل مع القراء عاطفيا من خلال الحكايات والفكاهة والروايات الشخصية.
جدل حول الأهمية
نظرا لأن صحافة الأخبار الناعمة أو اللينة غالبا ما يُنظر إليها على أنها تشكل تهديد لمعايير وسائل الإعلام العالية الجودة، فإن هذا الموضوع أصبح جزءا من الدراسات المتعلقة بأداء وسائل الإعلام، وهذا يتضح من خلال ما أعرب عنه نقاد وسائل الإعلام وبعض العلماء عن قلقهم إزاء صحافة "التابلويد".
في وقت سابق اعتُبرت الأخبار الناعمة أو المرنة أقل أهمية من الأخبار التقليدية اليومية؛ حتى أن المصطلح تم الانتقاص منه، بسبب ارتباطه بموضوعات "خفيفة" ويُظهر تقرير الأخبار الرقمية الصادر عن معهد رويترز لعام 2016، والذي نشر بجامعة أكسفورد، أن الاهتمام العام يميل في المتوسط إلى أن يكون أكبر بالنسبة لموضوعات الأخبار الجادة مقارنة بموضوعات الأخبار الناعمة ويشير إلى أن هذه النتيجة من المحتمل أن تتأثر بـ "تحيز الرغبة الاجتماعية" لدى المشاركين في الاستطلاع، أو "فكرة أنه من المقبول" الاهتمام بالأخبار الصعبة أو المعقدة أكثر من الاهتمام بالأخبار الناعمة.
نجد بدايات هذا الجدل في أواخر التسعينيات عندما خصصت صحيفة وول ستريت جورنال مساحة أكبر لـ "أخبار الأسرة" وعلى إثر ذلك رأى الباحثون ديفيد ك. سكوت وروبرت ه. الذين يرون "ان عدم التركيز على الأخبار الجادة هو ما يميز محصلة العقلية التي تتبناها التجمعات الإعلامية التي ترغب في تعظيم أرباحها من خلال إرضاء أكبر عدد من القراء والمشاهدين، وهناك من الأدلة ما يشير إلى أن التحول من الأخبار الجادة إلى الأخبار الناعمة لم يوقف الانحدار في جمهور الأخبار".
وبعيدا عن التحركات الثقافية التي تجعل الأخبار "صعبة" أو "ناعمة"، جادل توماس إي باترسون من كلية جون إف كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد في بحثه عن السياسة العامة بعنوان "عمل الخير" بأن الأخبار الناعمة "تضعف أساس الديمقراطية من خلال تقليص معلومات الجمهور حول الشؤون العامة ومصالحه وفي السياسة.
وخلصت حجته، التي استندت إلى دراسة استمرت عامين لعادات الأخبار الأميركية، إلى أن الأخبار اللينة أو الناعمة تشوه التصورات العامة للناس عن السياسة والشؤون العامة.
رؤية مختلفة
برغم من أن مصطلح الأخبار اللينة أو الناعمة كان في الأصل مرادفا للقصص المميزة الموضوعة في الصحف أو نشرات الأخبار التلفزيونية من أجل اهتمام الإنسان، فقد توسع المفهوم ليشمل مجموعة واسعة من وسائل الإعلام التي تقدم المزيد من القصص التي تركز على الشخصية.
وقد تحدت نظريات أخرى هذه الفكرة من خلال تأثيرات الأخبار اللينة او الناعمة وهي نتيجة الاعتماد على درجة اهتمام الجمهور بالسياسة والشؤون الخارجية، فمن المرجح أن يشاهد المواطنون الذين لا يهتمون بالسياسة، فانهم يتابعون البرامج والمنافذ الإخبارية الناعمة.
بعبارات أبسط، يشكل مزج الأخبار الجادة مع القصص الممتعة القاعدة الصلبة لما نراه في الأخبار كل يوم، فالأخبار اليومية التقليدية تعطي حقائق مهمة حول الأحداث الكبيرة، مما يجعلنا نفكر ونجعل الجميع أمام مسؤولية ما، ونجد على الجانب الآخر، الأخبار اللينة أو الناعمة التي تضيف لمسة شخصية من خلال مشاركة القصص المسلية والمترابطة التي تتواصل مع الكثير من مختلف الأشخاص.
خلاصة
في عالم يشيع فيه الحمل الكبير للمعلومات، توفر الأخبار اللينة أو الناعمة استراحة منعشة تلبي اهتمامات متنوعة وتثري المشهد الإخباري بقصص حول نمط الحياة والثقافة بشكل عام والتي تهم الإنسان، وإن فهم الأخبار الجادة والممتعة يساعد الصحفيين على إنشاء محتوى مثير للاهتمام وغني بالمعلومات والمعرفة التي تلبي احتياجات الفرد.
علاوة على ذلك، تتمتع الأخبار الناعمة بالقدرة على عرض القضايا المعقدة بطريقة أكثر قابلية للفهم والترابط، فإنها تبسّط المعلومات وتستخدم أمثلة ذات صلة، مما يسهل على المتابعين فهم المحتوى والتفاعل معه، من خلال جعل المواضيع المعقدة بشكل أبسط مع مراعاة عدم تسطيحها أو جعلها تافهة.
اضف تعليق