التَّكافُل الإِجتماعي بالتَّمكينِ بمثلِ هذهِ الظُّروفِ الخطيرةِ يرقى إِلى مُستوى الواجب ويتجاوز مُستوى المندُوب أَو المُستحَب، لأَنَّ العِلاقةَ بينَ طهارةِ المُجتمعِ والفَرد هي علاقةٌ طرديَّةٌ، كما أَنَّ علاقةَ مُواجهة المَخاطر هي علاقة طرديَّة كذلكَ، فكُلَّما نجحَ المُجتمع في مُواجهةِ مخاطرِ الإِبتزازِ الأَليكتروني كُلَّما نجحَ الفردُ...
{تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}.
يلزَم الإِنتباه إِلى ثلاثة أُمور مهمَّة عندَ التَّعامل معَ وسائلِ التَّواصلِ الإِجتماعي؛
أ/ إِحذر أَن تتجبَّر أَو تتكبَّر أَو تُكابر إِذا ما حذَّركَ أَحدٌ مِن مجموعةٍ ما [حقيقيَّة أَو إِفتراضيَّة] أَو عندما تكتِشف أَنَّها فاسِدة وتافِهة وأَنَّ الإِستمرار فيها مضيَعةٌ للوقتِ، ثُمَّ تتردَّد في تركِها.
يقولُ تعالى {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}.
فالعَنادُ هُنا لا يخدمكَ، وإِنَّ سعيكَ لإِثباتِ وجودِكَ لا ينفعكَ في شيءٍ، فحِمايةُ العقلِ من التَّفاهة واحترامهُ من التَّسافُلِ لا يتمُّ بالعَنادِ والإِصرارِ.
يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ}.
ب/ ليسَ كلُّ تحدٍّ يُمكِنكَ مواجهتهُ بعضلاتكَ، كما أَنَّهُ ليسَ كُلُّ خطرٍ تُواجههُ بالشِّعاراتِ والعنتريَّاتِ والإِدِّعاءاتِ الكبيرةِ، أَبداً.
إِنَّ التحلِّي بالحِكمةِ قبلَ اختيارِ اسلوبِ المُواجهة والتحدِّي يوفِّر عليكَ الكثير من الجُهدِ والمخاطرِ والأَثمانِ، وأَحياناً يوفِّر عليكَ صَداقات وعِلاقات حسَنة ومكاسِب ما كانَ ينبغي أَن تخسرَها أَو تُفرِّطَ بها.
فعندما وصلَ كتابُ نبيِّ الله سليمان (ع) إِلى الملِكة عن طريقِ رسولهِ لقومِها [الهُدهد] {اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} عرضتهُ الملِكة على الملأِ أَوَّلاً {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} ثمَّ سأَلتهُم الرَّأي والمَشورَة {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ} وهي إِلتفاتةٌ مُمتازةٌ مِنها على اعتبارِ أَن القَرار المُرتقب لا يخصَّها فقط وإِنَّما يخصُّ الدَّولة برُمَّتها.
ولقد استحضرَ المُستشارُونَ بادئ ذي بدئٍ قوَّة الدَّولة وسِلاحها وعديدِ جيشِها {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} وهوَ ردُّ فعلٍ طبيعيٍّ للقُوَّةِ أَمامَ أَيَّ تهديدٍ خارجيٍّ لكنَّهُم لم يبنُوا قرارهُم على ذلكِ وإِنَّما تسلَّحُوا بالحكمةِ التي دفعتهُم للتَّعامُلِ مع الرِّسالة بإِيجابيَّةٍ ومِن دونِ تشنُّجٍ وتهوُّرٍ، فكانت النَّتيجة أَنَّهم وفَّرُوا على الدَّولة الخَراب والدَّمار والدِّماء والغزو و [الإِحتلال] العسكَري المُباشر وتداعياتِهِ المُمِيتة والقاتِلة!.
حاوَلت الملِكة في البدايةِ أَن تقِفَ على حقيقةِ صاحبِ الرِّسالةِ؛ أَهوَ نبيٌّ مُرسَلٌ بالفعلِ يسعى لتبليغِ رسالتهِ السَّماويَّة؟! أَم أَنَّهُ مُجرَّدَ ملكٍ يرُيدُ أَن يتسلَّط على الأُممِ والأَقوامِ الأُخرى بالغزوِ والإِحتلالِ وبالقوَّةِ والعُنفِ؟!.
طبعاً فإِنَّ من الواضحِ فإِنَّ أَبسط الإِختبارات لمثلِ هذهِ الحالاتِ هو تقديم الرَّشوة فإِذا قبِلها فهذا يعني أَنَّهُ مَلكٌ طمَّاعٌ همَّهُ الإِستحواذ والإِكتناز، وإِذا رفضَها فهذا يعني أَنَّهُ نبيُّ صاحبَ رسالةٍ، وهذا ما كانَ {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ* وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}.
ج/ إِنَّ تحدِّي الإِبتزاز الأَليكتروني ومُواجهتهِ والحذرِ منهُ هي مسؤُوليَّة عينيَّة وليسَت كِفائيَّة أَي أَنَّها تخصُّ كُلَّ واحدٍ منَّا وهي لا تسقُط إِذا تصدَّت لها مجمُوعة مهما كانَ حجمَها وعديدَها وأَسلحتَها وأَدواتَها.
بمعنى آخر، إِذا أُصيب بهِ أَحدٌ فلا يعني أَنَّ إِصابتهُ ستحمي الآخرين أَبداً، كما أَنَّ عدمَ الإِصابةِ اليَوم لا يعني أَنَّكَ في مأمنٍ منهُ دائماً، أَبداً، ولذلكَ فمادامَ الخطرُ مُحدِقاً ينبغي الحذرَ منهُ وتحذيرَ الآخرينَ منهُ.
والمسؤُوليَّة تبدأ من الذَّات أَوَّلاً، إِذ يلزم كُلَّ واحدٍ أَن ينتبهَ فيحذَر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ}.
أَمَّا المرحلةُ الثَّانية فبحِمايةِ الأُسرة [الأَولاد وخاصَّةً الإِناث فهُنَ الأَكثر عُرضةً للإِصابةِ بالخطرِ لأَسبابٍ نأتي عليها] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
ثمَّ المرحَلة الثَّالثة التي تتمثَّل بالمُجتمعِ فإِنَّ حمايتهُ مسؤُوليَّة تشارُكيَّة {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
وفي الآيةِ الكريمةِ كذلكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وفي كلامٍ لأَميرِ المُؤمنِينَ (ع) يشرحُ معنى التَّكافُل بالتَّمكينِ في مُواجهةِ التحدِّيات بقولهِ {وأَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِه رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاء ِورَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِه فَشَلًا فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيه بِفَضْلِ نَجْدَتِه الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْه كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِه فَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَه مِثْلَه}.
ولا أُبالغُ إِذا قُلت بأَنَّ التَّكافُل الإِجتماعي بالتَّمكينِ بمثلِ هذهِ الظُّروفِ الخطيرةِ يرقى إِلى مُستوى الواجب ويتجاوز مُستوى المندُوب أَو المُستحَب، لأَنَّ العِلاقةَ بينَ طهارةِ المُجتمعِ والفَرد هي علاقةٌ طرديَّةٌ، كما أَنَّ علاقةَ مُواجهة المَخاطر هي علاقة طرديَّة كذلكَ، فكُلَّما نجحَ المُجتمع في مُواجهةِ مخاطرِ الإِبتزازِ الأَليكتروني كُلَّما نجحَ الفردُ في ذلكَ كذلكَ وسهُلت عليهِ المُهمَّة سواءً فيما يخصَّهُ شخصيّاً أَو ما يخصُّ أُسرتهِ، والعكسُ هوَ الصَّحيح فإِذا كانَ المُجتمعُ يُعاني من مخاطرِ الإِبتزازِ وتنتشرُ فيهِ الحلقات الضعيفةِ التي يسهُلُ على شبكاتِ الإِبتزازِ إِختراقها وبالتَّالي ضعُفَ في مواجهتِها إِجتماعيَّاً، كلَّما تعقَّدَت مُهمَّة الحِماية على الإِنسان الفَرد وعلى أُسرتهِ، ولذلكَ يجبُ التَّكافلُ هُنا والمُصابرة بالتَّمكينِ.
اضف تعليق