بين العالم الاسلامي والغرب تاريخ معقد ومضطرب من العلاقات الملتبسة، التي تخللتها الحروب والصدامات والاحتلالات والنظرات المشوهة والرؤى الناقصة. حروب بدوافع دينية مقدسة، وحروب الاستعمار والمصالح المادية، وصدامات الثقافة والهوية والمعرفة، انتهت تلك الحقب ليصحو الجانبان بعد الحرب العالمية الثانية على محاولات لترسية العلاقات...
بداية أعرف الغرب بأنه المنظومة الحضارية، التي تتشارك الفكر والثقافة والقيم والمواقف والممارسات والاهداف والمصالح، اما الـ (نحن) فاقصد بها المنظومة الإسلامية، التي تتشارك العقيدة والتاريخ والأخلاق والقيم والأهداف والمسؤوليات والمصالح المشتركة.
بين العالم الاسلامي والغرب تاريخ معقد ومضطرب من العلاقات الملتبسة، التي تخللتها الحروب والصدامات والاحتلالات والنظرات المشوهة والرؤى الناقصة. حروب بدوافع دينية مقدسة، وحروب الاستعمار والمصالح المادية، وصدامات الثقافة والهوية والمعرفة، انتهت تلك الحقب ليصحو الجانبان بعد الحرب العالمية الثانية على محاولات لترسية العلاقات، بعيدا عن التاريخ الدامي والفهم المشوه والأحكام المسبقة، أسهم الاستشراق والاستشراق المعكوس في بناء الفهم الملتبس، ولم يتحرر الغرب من مركزيته، رغم دعوات كثيرة من داخل الغرب نفسه، ومن خارجه للخروج من هذه المركزية، التي عنت بناء نفسيا ومعرفيا وثقافيا، تجعل الذات في مرتبة المصدر للتقدم والعلم والرؤية الإنسانوية فهي المركز وما سواها هامش يدور في فلكها، عليه أن يتعلم منها ويحذو حذوها ويترسم خطاها ويتمسك بمعاييرها وأخلاقها.
بقدر ما يبدو تعريف المركزيات إشكاليا وباعثا على الاختلاف، لكن الواقع والسلوك العملي يكشفان عن تمركز غربي حول الذات، ينفي حق الآخر في الاختلاف، ويرفض تعريفات هذا الآخر لمفاهيم قد تبدو جدلية كالحق والعدل والمساواة والإرهاب وغيرها.
ما نحن بصدده الآن كمثال حي شاهد على الاختلاف في القضايا المثيرة للمشاعر والانفعالات ما يجري في غزة ولبنان من عدوان صهيوني بلغ حد التوحش وتجاوز تعريفات الإبادة البشرية، التي أنتجها الغرب نفسه، فما زال الكيان الصهيوني يمارس جريمة الابادة الجماعية والتدمير الممنهج، وسحق الوجود البشري بذريعة الدفاع عن نفسه، ولم يجد الغرب الرسمي والحزبي غضاضة من التعبير المتكرر عن تأييده لهذه الحرب، بدعوى القضاء على الارهاب الذي مارسته حماس في 7 تشرين الاول /اكتوبر 2023. وبحسب ارقام حكومة نتنياهو فان هجوم حماس أدى إلى مقتل 1200 شخص وأسر 250 آخرين، لكن الغرب لا يعتبر مقتل 43 ألف فلسطيني و2500 لبناني وجرح قرابة المئة الف من الشعبين، وتدمير قطاع غزة بالكامل وأجزاء كبيرة من لبنان، كافيا للضغط على الكيان لوقف الحرب أو على الأقل منه إيقاف تزويده بالسلاح الفتاك المستعمل في الإبادة البشرية، الأكثر إيلاما أن تجد مثل مستشار المانيا أولاف شولتس، الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزيرة خارجيته أنالينا بيربوك المنتمية إلى حزب الخضر اليساري، وهما يتبجحان بتكرار عبارة صادمة للضمير البشري "نحن لا نخجل من تزويد إسرائيل بالسلاح وسنستمر في ذلك حتى لو أدى إلى مقتل مدنيين، لأن الارهابيين يستخدمون المدنيين دروعا بشرية".
هكذا وبقسمات وجه باردة خالية من الانفعال البشري، يكرر الألمان مثلا سياسة تأييد الإبادة البشرية، التي يمارسها اليهود الصهاينة في منطقة الشرق الاوسط عبر القتل والتجويع ومنع وصول المساعدات، ألمانيا التي تنطق عن لسان يمينها ويسارها، تجد تضامنا غربيا معها تعبر عنه أحزاب يمينية ويسارية أوروبية عدا استثناءات محدودة، وتتصدر شخصيات اليمين المتطرف في المجر (هنغاريا) والنمسا والتشيك وهولندا والدول الاسكندنافية وبريطانيا وفرنسا واستراليا وحتى الهند، المشهد الإعلامي والسياسي، وهي تحذر من الخطر الاسلامي وضرورة دعم اليهود للقضاء على هذا التهديد، ومع أن ما يجري في غزة ولبنان يصادم مقولات الغرب الحداثية، وأيقوناته التي أراد لها أن تكون مرجعية عالمية، كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير وحرية الاعتقاد وو..،.
لكن النخبة الثقافية والسياسية لا تشعر بالحرج من ازدواجية المعايير وخيانة المبادئ الحداثوية، هذا الحرج تم ابتلاعه بتنظير فلسفي مصحوب بتحيز يعطي اليهود الصهاينة(حق!!) الاستمرار في القتل والابادة، بذريعة تغيير الخريطة الأمنية والسياسية، ضمن مفهوم الدفاع عن النفس، لم يكن مستغربا أن يتبادل ساسة غربيون التهاني مع نتنياهو بمقتل قادة المقاومة، ويشعرون بأن الكيان الصهيوني يحقق اهدافهم وانه يخوض الحرب نيابة عنهم، وهنا نصل إلى المعادلة التي يرسمها العقل الحداثي الغربي لسلوكه المتساوق مع سلوك اليمين الصهيوني المتطرف.
عندما يضع معايير للحق والعدل والشرعية والسلام والأمن لا تنسجم مع قيم الحداثة، التي جعلت الانسان مركزها، الغرب يخون قيمه الانسانية، بتحيزه الفاضح إلى الجهة، التي تمارس القتل والابادة، دونما مسوغ أخلاقي مقبول سوى الادعاء بأن الغرب يشعر بمسؤولية أخلاقية للدفاع عن اليهود، وحماية كيانهم ووجودهم، تبدو القضية معقدة نوعا ما، كون الثقافة السياسية والقانونية في الغرب تمارس مركزيتها، فيغدو اليهودي ضمن نطاق تلك المركزية بناء على معايير، والعرب والمسلمون خارجها بناء على معايير مختلفة، حرب غزة ولبنان أطاحت بجهود كبيرة لردم الحواجز النفسية والثقافية، والتي سعت إلى نوع من التفاهم والحوار البناء بين عالم المسلمين وعالم الغرب، لكن سياسة الغرب بزعامة أمريكا في دعم سياسات الابادة والتدمير، ستظل تذكر أجيال المسلمين بأن العلاقة مع الغرب علاقة سجالية، لم تتحرر من تراث وتاريخ من التحيزات وعدم الإنصاف والتعالي والازدراء المتخفي ببلاغات السياسة والمصالح المادية.
اضف تعليق