إن زيادة نسبة الطلاق تحمل في طياتها العديد من التحديات الاجتماعية، الاقتصادية، والنفسية سواء للأزواج أنفسهم أو للأطفال الناتجين عن هذه العلاقات. إذ يؤدي الطلاق إلى تفكيك الأسرة، وهي الوحدة الأساسية في بناء المجتمعات، مما يحدث تأثيرات سلبية متعددة الأبعاد. ومن هنا، بات من الضروري دراسة هذه الظاهرة من مختلف جوانبها...

تعد مؤسسة الزواج من أعرق وأقوى الروابط الاجتماعية التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ، فهي ليست مجرد عقد قانوني يجمع بين شخصين، بل هي مؤسسة تبنى على أسس المحبة، والتفاهم، والتضحية المتبادلة، وتكلل بالأطفال الذين يمثلون ثمرة هذا الرباط المقدس. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على استدامة الزواج واستقراره، إلا أن معدلات الطلاق في ارتفاع مستمر في العديد من المجتمعات الحديثة. هذه الظاهرة تشكل موضوعاً محيراً ومعقداً يشغل الكثير من الباحثين، والخبراء الاجتماعيين، والنفسانيين، ورجال الدين، وحتى الأفراد العاديين.

إن زيادة نسبة الطلاق تحمل في طياتها العديد من التحديات الاجتماعية، الاقتصادية، والنفسية سواء للأزواج أنفسهم أو للأطفال الناتجين عن هذه العلاقات. إذ يؤدي الطلاق إلى تفكيك الأسرة، وهي الوحدة الأساسية في بناء المجتمعات، مما يحدث تأثيرات سلبية متعددة الأبعاد. ومن هنا، بات من الضروري دراسة هذه الظاهرة من مختلف جوانبها، لعلنا نستطيع التوصل إلى حلول تقلل من هذه المعدلات وتساهم في تعزيز استقرار الأسر.

تتباين الأسباب والدوافع التي قد تؤدي إلى الطلاق من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى، بل ومن أسرة لأخرى. قد تكون العوامل الاقتصادية، مثل الصعوبات المالية والتفاوت في المداخيل بين الزوجين، من بين الأسباب الرئيسية التي تتسبب في حدوث الطلاق. كذلك، تلعب العوامل النفسية والعاطفية دوراً محورياً، حيث يمكن أن يؤدي غياب التفاهم والتواصل الفعال إلى تراكم المشاكل والاختلافات. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال تأثير العوامل المجتمعية والثقافية، والتي قد تشمل الضغوط الاجتماعية، وتغيرات في القيم والأدوار الجنسية، والتحديات الناتجة عن العولمة والتكنولوجيا الحديثة.

من جهة أخرى، يساهم الطلاق في طرح العديد من التساؤلات حول جودة العلاقات الزوجية وأنماط الحياة الأسرية في العصر الحديث. هل نحن بحاجة إلى إعادة تقييم مفاهيمنا حول الزواج والالتزام؟ هل يجب تعزيز مهارات الأزواج في إدارة الخلافات والتواصل الفعال؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الاجتماعية والدينية والتعليمية في دعم الأزواج وتوجيههم؟

اسباب جديدة

تشير إحصائيات حديثة إلى أن نسبة أكبر من النساء في الدول الغربية هن من يتخذن قرار الانفصال أو الطلاق، وبفارق كبير عن الرجال. فكيف رأى الخبراء العلاقات الزوجية ذلك؟ وما علاقة الاستقلال المالي والقوانين الجديدة بالأمر؟

غالبًا ما يكون قرار إنهاء الزواج مسألة صعبة، وقد يقضي الأزواج شهورًا، أو حتى سنوات، قبل أن يتخذوا قرار إنهاء هذه الرابطة.

لكن عندما يتعلق الأمر ببدء الانفصال، هناك نمط واضح يحدد من يقوم باتخاذ القرار النهائي بعدم إمكانية استمرار العلاقة. في العلاقات بين الجنسين في دول الغرب، تشير الإحصائيات إلى أن المحرك الأول لإنهاء العلاقة والطلاق تكون المرأة، وبنسبة كبيرة.

التعليم .. والميل للطلاق

في الولايات المتحدة على وجه التحديد - حيث الطلاق دون سبب أمر قانوني في جميع الولايات الخمسين - تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة الإقدام على الطلاق بين النساء تصل إلى 70% تقريباً، وترتفع هذه النسبة إلى 90% في حالة السيدات الحاصلات على شهادات دراسية عالية.

أما في المملكة المتحدة، فأظهرت إحصاءات مكتب الإحصاء الوطني أن النساء تقدمن بالتماس في 62٪ من حالات الطلاق في إنجلترا وويلز في عام 2019.

والآن، في بعض الدول الغربية، أصبحت مسألة الطلاق أسهل. المملكة المتحدة، على سبيل المثال، شرعت مؤخرًا في الموافقة على حالات الطلاق دون ضرورة وجود طرف مخطئ، مما يعني أن الأزواج لديهم الآن طريق أسرع وأكثر مباشرة للانفصال.

وقد يفتح هذا التغيير في القواعد الباب أمام المزيد من النساء - اللواتي ربما كن مترددات من قبل - لتقديم طلب الطلاق، بحسب ما نشرت الخدمة الدولية لشبكة بي بي سي البريطانية.

لكن لماذا ترتفع نسب الإقدام على الطلاق بين النساء بشكل غير متناسب مقارنة بالرجال؟ بالنسبة للبعض، تكمن الإجابة في كيفية قيام الشركاء - أو عدم قيامهم - بتلبية احتياجاتهم العاطفية في الزواج. ومع ذلك، بالنسبة للآخرين، قد تكون الأمور أكثر تعقيدًا.

أهمية الاستقلال المالي

وترى هايدي كار، عالمة النفس وخبيرة العنف المنزلي في مركز تطوير التعليم ومقره الولايات المتحدة، أنه ليس من قبيل المصادفة أن ترتفع معدلات الطلاق مع انتشار مسألة تحرير المرأة.

وتقول كار: "نظراً لأن الاستقلال الاقتصادي أمر حتمي قبل أن تحاول المرأة إنهاء الزواج، سواء كانت بمفردها أو لديها أطفال، فمن الصعب للغاية على المرأة ترك الزواج ما لم يكن لديها طريقة ما لكسب المال بمفردها"، وتضيف: "أيضًا، نظرًا لأن أدوار الجنسين تصبح أكثر تعقيدًا عندما تبدأ المرأة في الحصول على الاستقلال المالي، ينشأ المزيد من الخلافات الزوجية بشكل طبيعي."

بعبارة أخرى، فإن دخول المرأة إلى مساحة العمل مكّنها من ترك الزيجات غير السعيدة بشكل أكثر سهولة، فلم تعد ملزمة مالياً بالبقاء في شراكات أو علاقات مسيئة حيث لا تتم تلبية احتياجاتها، وبالتالي بدأت النساء في الاتجاه نحو إجراءات الطلاق بشكل أكبر.

ويساعد هذا أيضاً في توضيح سبب احتمال قيام النساء الحاصلات على تعليم جامعي بإنهاء الزواج. تقول كار: "عبر الثقافات والمناطق الجغرافية، فإن النساء القادرات اقتصاديًا على الاعتناء بأنفسهن - الأمر الذي يرتبط عادةً بمستويات التعليم العالي - من المرجح أن يشرعن في الطلاق أكثر من النساء غير القادرات على إعالة أنفسهن وأطفالهن اقتصاديًا".

العوامل العاطفية والاجتماعية

ومع ذلك، فإن زيادة الاستقلال الاقتصادي وحده لا تفسر سبب زيادة احتمال قيام المرأة باللجوء للطلاق أكثر من أزواجهن. ومع ذلك، استمرت نسبة النساء اللواتي يبدأن في إجراءات الطلاق في ارتفاع، والأسباب متعددة.

بالنسبة للكثير من النساء، قد تفشل التوقعات التي كانت لديهن عند الدخول في الزواج في أن تتوافق مع الواقع الجديد. يقول الخبراء إنهن غالبًا ما يكون لديهن توقعات أعلى حول كيفية تلبية الشريك لاحتياجاتهم العاطفية، مما قد يؤدي إلى خيبة الأمل بعد الزواج.

جيلزا فورت مارتينيز، أخصائية العلاقات الزوجية في فلوريدا، والمتخصصة في حل النزاعات الأسرية، تقول إن الرجال عادة ما يكونون اجتماعيين لكن لديهم ذكاء عاطفي أقل من النساء، وهذا يمكن أن يؤدي إلى شعور الشريكات بعدم الدعم وأنهن يقمن بالجانب الأكبر من المجهود في النواحي العاطفية.

تميل النساء أيضًا إلى اكتساب فوائد عاطفية أقل من الزواج، مما قد يجعل حياة العزوبية تبدو للمرأة أكثر جاذبية. بينما يتمتع الرجال المتزوجون بامتيازات متعددة - بما في ذلك العيش لفترة أطول وكسب المزيد من المال - فيما ترى الكثير من النساء أنهن لا يستفدن عادةً من علاقاتهن بالمستوى نفسه، وبدلاً من ذلك، فإنهن يتحملن العبء الأكبر من العمل المنزلي وتربية الأطفال، والذي يمكن أن يستهلك المرأة العاملة بشكل تام، كما تقول فورت مارتينيز.

ولا يعني هذا أن هؤلاء النساء يشعرن بالندم بشكل أكبر. فعلى الرغم من هذه الجوانب السلبية، قالت 27٪ فقط من النساء إنهن يندمن على الطلاق، مقارنة بـ 39٪ من الرجال، مما يدل على أن الطلاق بالنسبة لمعظم النساء رغم ما يتضمنه من مصاعب أفضل من البقاء في زواج غير سعيد.

البحث عن حل

تقول كاتي سبونر، الشريكة ورئيسة مجموعة "قانون الأسرة" في وينكوورث شيروود بلندن: "تميل النساء إلى أن يكون لديهن دافع أكبر من الرجال لحل أوضاعهن الزوجية". وتقول، بناءً على سجل عملائها، أن معظم الرجال سعداء بالبقاء منفصلين، ما لم تكن هناك علاقة جديدة أو ضرورة خاصة لفصل مواردهم المالية.

ومع ذلك، بالنسبة للنساء، قد تكون الحاجة إلى الطلاق أكثر إلحاحًا. تقول سبونر: "يظل تقديم الطلاق شرطًا لتقديم طلب مالي"، مشيرة إلى العملية الملزمة قانونًا لفصل الشؤون المالية بعد الانفصال، وتقول: "تاريخيًا، كانت النساء في حاجة أكبر للقيام بذلك بسبب ضعف مركزهن المالي، أو بسبب دورهن كمقدم رعاية أساسي".

تشير سبونر إلى أن نقطة تحول كبيرة بالنسبة للنساء اللائي بدأن الطلاق في المملكة المتحدة كانت عام 1996، عندما تم الاعتراف بكونها "ربة منزل" كمساهمة في الزواج، مما يعني أن المرأة أصبحت مستحقة لحصة أكثر إنصافًا من المواد المالية.

وتقول سبونر إنه بالنسبة لقانون المملكة المتحدة الجديد للطلاق فقد كان هناك اندفاع مبكر لتقديم طلبات طلاق دون سبب، مما يشير إلى أن الكثير من الناس كانوا ينتظرون تغيير القانون. ومع ذلك، ترى الخبيرة أنه من السابق لأوانه معرفة كيف ستتغير العلاقات الاجتماعية حتى يستمر تطبيق القانون لفترة من الوقت؛ إلا أنها تعتقد أنه يمكن أن يكون هناك "انخفاض طفيف" في حالات الطلاق التي تقودها النساء.

ربما يكون طلب الطلاق قراراً مؤلمًا ويؤدي إلى سنوات من التعاسة لدى البعض. لكن بالنسبة للآخرين، يعتبر قرار الطلاق خطوة عملية، خاصة إذا ما صاحبه الوصول إلى تسوية مالية للمرأة. بحسب موقع “DW”.

تحذيرات من تحول الطلاق إلى جائحة 

حذرت دراسة سوسيولوجية حديثة من تحول الطلاق إلى "جائحة مجتمعية يصعب احتواؤها" في المغرب، وأكدت دراسة صادرة ضمن عدد هذا الشهر من "مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والعلوم الإنسانية"، على أن "الضرورة أصبحت تفرض أكثر مما سبق وجوب تكوين أسرة مستقرة مع الحفاظ على استمراريتها".

وأشارت إلى أن هذه الضرورة يفرضها حجم الإحصائيات، التي كشفت عن وصول عدد رسوم الطلاق سنة 2017، على سبيل المثال، إلى أكثر من 24 ألف رسم من أصل أكثر من 289 ألف رسم زواج.

وسجلت الدراسة المعنونة بـ"الحد من ظاهرة الطلاق بين الآليات الوقائية والوسائل العلاجية"، للباحث منعم اليزيدي، أن الطلاق أو التطليق، بحسب الحالة ووفقا للجهة المخول لها ممارسة هذا الحق، تحول من استثناء لا يستعمل إلا عند الضرورة وفي حالات ضيقة إلى قاعدة وفق منطق الإحصائيات سالفة الذكر.

وأضاف المصدر ذاته أن "استقراء مقتضيات مدونة الأسرة لا تتضح معه، سواء بشكل صريح أو ضمني، أي معالم لمؤسسة الإرشاد الأسري، ليبقى بذلك السؤال العالق هو: لماذا تم إغفال مؤسسة لها من الأهمية ما يجعلها إحدى آليات تفعيل الهدف الذي تم من أجله إعداد هذه المدونة، أي إنشاء أسرة مستقرة ومتماسكة؟"، مشيرا إلى أن التشريع الأردني على سبيل المثال قام بمأسسة الإرشاد الأسري من أجل القيام بالتوعية والتثقيف بالحقوق والواجبات الزوجية.

ولفتت ذات الوثيقة الانتباه إلى أن مؤسسة الإرشاد الأسري ستؤدي إلى الحد أولا من الظاهرة الإجرامية ذات الارتباط بإهمال الأسرة، مشيرة إلى أن "عدد المتابعين بهذه الجريمة وصل سنة 2017 إلى أكثر من 7700 شخص، مقارنة بـ 4379 سنة 2007".

كما من شأن ذلك الحد من ظاهرة التفكك الأسري والحفاظ على الروابط الأسرية، أضف إلى ذلك الحد من تشرد الأطفال ومن استغلالهم في أعمال البغاء وفي تجارة المخدرات وغيرها من الجرائم التي تكتسي خطورة كبيرة.

وأكدت الدراسة على أن "المشرع المغربي لم يعد مخيرا في العمل على وضع آليات وقائية لتجنيب الأسرة الخلافات العميقة أو على الأقل اكتسباها مناعة تجعلها قادرة على حل هذه المشكلات"، وهو ما يقتضي تدخل الجهات الرسمية وغير الرسمية وتكثيف جهود الإعلام والعمل على مأسسة إرشاد أسري يكون "موجها لكل مقبل على الزواج حتى يكون على بينة من أمره وحتى يعلم حدود حقوقه ونطاق الواجبات الملقاة على عاتقه". نقلًا عن موقع “RT”.

الشعور بالضياع بعد الطلاق

الطلاق حدث غير عادي في حياة أي إنسان، قد يكون مؤلمًا ومحبطًا وتتبعه أيام سيئة، لكنه غالبًا ما يكون محطة مفصلية لدى كثيرين. وعندما تشرع في التكيّف مع الشكل المتغير لحياتك بعد الطلاق، قد تواجه مزيجًا معقدًا من الأفكار والمشاعر التي تتباين بين الخيانة والفقد إلى الغضب أو حتى الراحة.

ببساطة، قد يؤدي الطلاق إلى اضطراب حياتك عندما تبدأ إعادة تأسيس نفسك، وقد يساعدك في أن تتوصل إلى اقتناع بأنه ليس النهاية بل بداية جديدة.

استنفاد جميع حلول الإصلاح

يقول المستشار في الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة إن العلاقة العاطفية السليمة من أهم عوامل الدعم والاستقرار النفسي والاجتماعي، بشرط أن تكون علاقة صحية.

أما إن أصبحت العلاقة العاطفية سيئة وأدت إلى اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب والأرق، فإن الانفصال يكون خيارًا مفضلًا، لا سيما إذا استُنفدت كل حلول الإصلاح. وذلك بهدف حماية الشخص، أحد الشريكين أو كليهما، وإعادته إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي.

مراحل الانفصال

يرى مقابلة أنه عند وقوع الطلاق تجب مراعاة أنه قد يكون أحد حالات الفقد التي يمرّ بها الشخص، والتي عادة ما تكون وفق المراحل التالية، حسب نموذج "كوبلر روز" (Kubler-Ross):

ـ مرحلة الإنكار: هي أولى المراحل، ويشعر فيها الشخص بالصدمة والضياع، خصوصًا إذا كان الانفصال سريعًا أو مفاجئًا، مع عدم تقبّل الواقع الجديد وتجنّب الحديث عن الموضوع لاعتقاده الخاطئ بأنه بخير ولم يتأثر نفسيا.

ـ مرحلة الغضب: يشعر فيها الشخص بالإحباط والاستياء من الانفصال، ويظهر بعصبية وسرعة انفعال وتوتر، خصوصًا عند طرح الآخرين الموضوع مع محاولة إلقاء اللوم على الطرف الآخر أو الظروف البيئية المحيطة.

ـ مرحلة المساومة: يشعر فيها الشخص بوجود أمل لاستعادة العلاقة وإصلاحها، يدفعه إلى الحديث عن الموضوع مع الآخرين وتقديم تنازلات ومحاولة التقرّب من الطرف الآخر.

ـ مرحلة الحزن: يغلب على الشخص في هذه المرحلة تعكر المزاج والحساسية العاطفية بسبب فقدان الأمل في استعادة العلاقة وإصلاحها، وذلك قد يدفعه إلى الانعزال وتراجع التواصل الاجتماعي مع الآخرين.

ـ مرحلة التقبّل: وهي بداية عودة الشخص إلى حياته الطبيعية، واقتناعه بأن الحياة مستمرة ولا تتوقف على شخص معين، مع إمكانية البداية من جديد دومًا.

ويُمضي الشخص عادة في تجاوز هذه المراحل فترة زمنية تصل إلى 6 أشهر أو سنة، وفق أغلب المراجع والمعايير الصحية العالمية. أما إذا استمرت أكثر من سنة فتصبح حالة مرضية تسمى "الحزن المرضي".

المواجهة وعدم الإنكار

بعد مرحلة الانفصال، ينصح المستشار مقابلة الشخص المطلّق بما يلي:

ـ مواجهة الواقع وعدم إنكاره أو التهرّب منه.

ـ إعطاء الشخص نفسه فرصة للحزن وعدم الهروب من هذا الشعور بالتجاهل أو اللجوء إلى المسكنات أو الأدوية من دون استشارة الطبيب النفسي.

ـ التصالح مع الذات والتفكير العقلاني، لا العاطفي، بأسباب الانفصال، مع الاعتراف بالأخطاء لتجنّب تكرارها في المستقبل.

ـ التحدث مع الآخرين والتعبير عن المشاعر وعدم كبتها، بشرط اختيار أشخاص مناسبين للاستماع وتقديم النصح، مع عدم إطلاق الأحكام.

ـ تجنّب ملاحقة أو مراقبة الطرف الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر، لتجنّب المماطلة في التعافي وزيادة المشاعر السلبية.

ـ تجنّب اللجوء إلى العلاقات العابرة أو المتسرّعة لسد الفراغ الناتج عن العلاقة الماضية، وإعطاء النفس فرصة للتعافي من آثار الانفصال لمنع تكراره.

ـ اللجوء إلى الطبيب أو المتخصص النفسي للمساعدة في تجاوز الآثار السلبية الناتجة عن العلاقة السابقة أو الانفصال من خلال العلاج النفسي الكلامي (Psychotherapy).

شعور الضياع

يقول المستشار الأسري الدكتور أحمد عبد الله إن الطلاق تجربة في الحياة لها ظلال وآثار على بنية الشخصية، وعلى طريقة التفكير، وأحيانًا تمتد آثاره إلى منظومة القيم، وفي كثير من الأحوال تترك هذه التجربة ندوبًا نفسية وانفعالية قد تستمر مدة ليست بالقصيرة.

ولا يدرك كثير من المطلقين والمطلقات كيفية التكيّف السليم مع آثار الانفصال، وفق المستشار عبد الله، فغالبًا ما يواجهون ما سماه "صراع النسيان"، فتكون رغبتهم الداخلية متمحورة حول "نسيان التجربة"، وهو ما لا تساعدهم ذاكرتهم على تحقيقه.

ويوضح أن المشاعر المترتبة على الطلاق تأتي من خصوصية المنظومة التي سبقته، أي الزواج، عندما كانت الأسرة محور حياة الشخص، بكل ما في ذلك من تفاصيل كثيرة، فيأتي الطلاق لينهي هذا الإطار النفسي والزمني والاعتباري الموضوع حول الإنسان، وكذلك يأتي شعور الضياع لأن كثيرين يرون أن الطلاق "نوع من أنواع الفشل والإخفاق" في الحياة.

التقييم الذاتي

يشرح الدكتور عبد الله أن التكيّف مع هذه الآثار يبدأ بتغيير المعاني، فالطلاق ليس فشلًا للإنسان بقدر ما هو عدم استمرار حياة "مزعجة مؤذية"، وفي كثير من الأحيان يكون هذا التخلّص نجاحًا بحد ذاته.

ويشدد على أهمية التقييم الذاتي التي يقوم بها الشخص المطلّق لنفسه ولما مر به، من دون أن يكون الهدف جلد الذات. فالتقييم المنحصر بنقطتين: لماذا حدث ما حدث؟ وما دوري في حدوثه؟

هو الذي سيجعل الإنسان أكثر بصيرة في ذاته وما يفعله. وتأتي بعد ذلك مرحلة اكتساب المهارات المفقودة التي أدت إلى الانفصال.

ويرى عبد الله أن المطلوب في مرحلة ما بعد الطلاق أن يجاهد الإنسان نفسه لتحويل تفكيره من "لماذا أتعرض للمشكلات دومًا؟" إلى "ماذا أريد أن أفعل؟ وكيف أحققه؟"؛ هذا التغيير في التفكير من أهم الخطوات التي تجعل الآثار السلبية محصورة في إطارها الضيق.

ويردف "لعل أهم ما أنصح به مَنْ مروا بتجربة الطلاق هو تغيير المحيط، محيط الأصدقاء والمعارف الذين يفتحون الموضوع مرارًا وتكرارًا، وفي كل لقاء أو مناسبة يتحدثون عن الطلاق ومرارته… وآخر الأخبار عن الشريك السابق وحياته الجديدة. لذا، من المهم جدا التخلّص من هذه الطاقة السلبية، ليكون الإنسان قادرًا على ممارسة حياة إيجابية في المستقبل".

نصائح

تُعَد العناية بالحاجات العاطفية والجسدية مسألة أساسية في مرحلة ما بعد الطلاق، وينصح الخبراء المطلقين باتباع الخطوات التالية للبدء من جديد، وفق موقع "هيلث لاين" (healthline):

ـ قبول الخسارة: لا يتزوج الناس عمومًا لأنهم يفترضون أنهم سيطلقون في النهاية، فقد يكون فسخ زواجك صدمة تنقلك إلى مراحل أخرى، وصولًا إلى القبول. ولكن القبول لا يحدث بين عشية وضحاها، فلا تقلق إذا كنت بحاجة إلى بعض الوقت، ما يهم هو معاملة نفسك بلطف عندما تتصالح مع خسارتك.

ـ امنح مساحة لمشاعرك: في موازاة القبول، يأتي التحقق من صحة الذات، إذ تواجه عقب الطلاق مشاعر متعددة يمكن أن تؤدي إلى صراع داخلي، وفي هذه الأثناء يمكن لممارسات مثل التأمل أن تعزز الوعي الذاتي وتساعدك في إعطاء مشاعرك المساحة الكافية.

ـ حافظ على الهدوء ومارس التواصل الحازم: قد تشعر بالضيق والغضب، وليس لديك سوى الازدراء تجاه الشريك السابق. ومع ذلك، عندما تضطر إلى البقاء على اتصال معه، يمكن أن يساعدك في فصل هذه المشاعر موقتًا أن تضع -مثلا- حدودًا للتواصل: هل ستتصل أم سترسل رسالة نصية؟ وعدد المرات، وأيضًا حصر محادثاتك على الأساسيات مثل رعاية الأطفال أو أي ترتيبات مالية وضعتها. بحسب موقع “الجزيرة نت”.

احصائية حديثة

كشف مجلس القضاء الأعلى، اليوم الاثنين 24 حزيران/يونيو 2024، إحصائية الزواج والطلاق لشهر أيار/مايو الماضي 2024.

وبحسب الإحصائية، فقد بلغ عدد الزيجات الجديدة في شهر أيار/مايو الماضي 28505 حالة زواج، فيما بلغ عدد حالات الطلاق 6666 حالة، وهو ما يعني تسجيل 222 حالة طلاق يومياً في المحاكم العراقية، وأكثر من 9 حالات في الساعة الواحدة، حيث تصدرت العاصمة بغداد القائمة بحالات الزواج والطلاق.

سجّل العراق، خلال العام الماضي 2023، قرابة 70 ألف حالة طلاق، لأسباب متعددة بينها الزواج المبكر والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها الزوجان، وفق بيانات مجلس القضاء. نقلًا هن موقع “قناة السومرية الفضائية”.

نصائح لتجنب قرار الطلاق

نجاح العلاقة الزوجية من أهم الأهداف التي يسعى إليها الأزواج، لا سيما مع زيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع عدد حالات الطلاق في العالم.

وعبر تجارب ودراسات، توصّل بعض المتخصصين إلى عدد من الخطوات التي يجب اتباعها، والمحظورات التي يجب تجنبها، لنجاح تلك العلاقة وتحقيق السعادة المنشودة التي تبدأ بتجنب الخلافات والتعاسة والفشل الزوجي.

يرى خبراء العلاقات الزوجية أن سبب نجاح أي علاقة لا يقع على عاتق شريك واحد، فمهما حاول أحد الطرفين إنجاح العلاقة من جانبه فقط، لن يكون ذلك كافيا. لكن ذلك قد يحدث من خلال مجموعة من التدابير والخطوات تتوزع على الطرفين، وصولا إلى علاقة زوجية ناجحة، ومن هذه الخطوات:

التخلي عن رغبة السيطرة على الآخر

يظن كثيرون أن السيطرة على الشريك هي مفتاح نجاح العلاقة، وأن الحل هو أن يقود العلاقة أحد الطرفين، ولكن ثبت فشل ذلك. وتقول لورا دولي، مؤلفة كتاب "الزوجة المتمكنة"، للجزيرة نت، إنها أنقذت حياتها الزوجية التي كانت مهددة بالفشل، باتباع خطوات توصلت إليها عبر بحوث أجريت على آلاف الأزواج السعداء الذين كانوا معا لمدة 15 عاماً على الأقل، وأهمها أن يتخلى كل طرف عن رغبته في السيطرة على الآخر، وأن يشاركه في اتخاذ كل القرارات بعد مناقشة كل الخيارات المطروحة.

عدم التحدث نيابة عن الآخر

ترى دولي أن من أخطر الخطوات التي كانت تتبعها وتراجعت عنها، أملاً بإصلاح حياتها، هي عدم التحدث بلسان زوجها، قائلة "كان الناس يسألونه أسئلة، وكنت أجيب عنه للتأكد من حصول الجميع على المعلومات الصحيحة ومنح الانطباع الصحيح عن عائلتنا، وهو ما كاد يدمر العلاقة بيننا".

وللطرف الآخر (الرجل) في هذه العلاقة رأي أيضا في سبل إنجاح العلاقات والوصول إلى السعادة الزوجية. يوضح الدكتور جون غوتمان، خبير العلاقات الزوجية، أن مشاركة الحياة مع شخص آخر والتخلي عن العزوبية تتطلب مجموعة خاصة من المهارات حتى تستمر. ويعدد غوتمان، في موقعه المتخصص في استقرار العلاقات الزوجية، مجموعة من الخطوات توصل إليها بعد دراسة تجارب استمرت 4 عقود، يضمن تطبيقها دوام الحب بين الزوجين مدى الحياة.

تجنب نقد أو لوم شريكك

"أنجح الأزواج يتعاملون مع بعضهم بعضا، ويجدون طرقا للتعبير عن حاجاتهم واهتماماتهم باحترام، بعيدا عن الانتقاد أو إلقاء اللوم على شريكهم". ويرى غوتمان أن وقوف أحد الزوجين ندا للآخر يكون أول أسباب فشل العلاقة الزوجية.

التركيز على الإيجابيات دون السلبيات

وفقا لغوتمان، فإنه يجب استخدام العبارات الإيجابية 5 أضعاف استخدام العبارات السلبية أثناء مناقشة المشكلات، بدلا من التركيز فقط على السلبيات، وهي من أهم وأبسط الخطوات للوصول إلى علاقة زوجية ناجحة وسعيدة.

التعبير المستمر عن الامتنان والحب

بهدف وضع قواعد ثابتة لضمان استقرار العلاقات الزوجية وتجنب الطلاق، توصّل غوتمان خلال دراسة علمية شملت 40 ألف حالة زواج طوال 50 عاما، إلى نتيجة مهمة هي تقديم الأزواج لبعضهم بعضا عبارات الشكر والتقدير والحب باستمرار لكل ما يفعلونه بشكل روتيني، حتى لو كان صغيرا، خصوصا إذا كان شيئا بسيطا ويفعلونه يوميا، ما يساعد في الوصول إلى حياة زوجية سعيدة.

مثلاً، عندما تقوم الزوجة بتحضير فنجان قهوة للزوج في الصباح، أو عندما يقوم الزوج بشراء حاجات من البقالة في طريق عودته من العمل، يعبّر شريك الحياة للطرف الآخر عن شكره، مع استخدام عبارات الحب والامتنان، مما يجعل اليوم يمضي بشكل جميل.

نكران الذات وتجنّب الأنانية

العلاقة الناجحة مثل رقصة السامبا تحتاج إلى طرفين، ولا يمكن إلقاء العبء على المرأة فقط أو الرجل وحده لإنقاذ العلاقة الزوجية من الفشل. وثمة خطوة أساسية لإنجاح أي علاقة، وهي "نكران الذات"، بحسب جوشوا بيكر، الكاتب المتخصص في العلاقات الزوجية.

الاحترام

تقول هبة وصفي، ربة منزل، للجزيرة نت، إن هناك قاعدة مهمة اتبعتها هي وزوجها، وساعدتهما في نجاح علاقتها، وهي الاحترام المتبادل. مثلا، إذا نشب أي خلاف بينها وبين زوجها، فغير مسموح لأي منهما أن يتطاول على الآخر، وأن يحرص كل منهما على القيام بدوره من دون أن يلقي به على عاتق الشريك. بحسب ما نشره موقع “الجزيرة نت”.

اضف تعليق