لا شك أننا نعيش في عالم مكتظ بالأسرار والعجائب، وبالقصص العجيبة عن ألغاز الحياة والحظوظ، وصور عن ثقافات مختلفة ترى الحظوظ من زوايا مختلفة. وتبحث عن أسرارها لتحصين البشر من مصائب الدنيا، وغدر الزمان. لذلك بدأت تتشكل معتقدات وطقوس من اجل جلب الحظ والسعادة والحب...
لا شك أننا نعيش في عالم مكتظ بالأسرار والعجائب، وبالقصص العجيبة عن ألغاز الحياة والحظوظ، وصور عن ثقافات مختلفة ترى الحظوظ من زوايا مختلفة. وتبحث عن أسرارها لتحصين البشر من مصائب الدنيا، وغدر الزمان. لذلك بدأت تتشكل معتقدات وطقوس من اجل جلب الحظ والسعادة والحب. وفي كل ثقافة وحضارة يسعى الإنسان للهرب من الحظ الرديء وسوء الطالع. ولكل شعب أساليبه وأساطيره التي يلجأ اليهما بحثا عن الحظ السعيد. ومن هذه الطرق ما سرى في الحياة وأصبح عادات وتقاليد تمارسها الشعوب من جيل إلى جيل.
فالمفتاح في ثقافة الإغريق والرومان يفتح الباب للآلهة لتحقيق أمانيهم. ووجود ثلاثة مفاتيح مرتبطة ببعضها في الثقافة اليابانية يجلب الصحة والثروة والحب. وفي قارة آسيا، خصوصا في الهند، ثمة أسطورة هندوسية معروفة باسم (غانيشا) عن رجل نصفه فيل يزيل عقبات الحياة ويجلب الحظ. بينما أوراق البرسيم الأربعة في إيرلندا تعد الأكثر حظا على مستوى العالم، لارتباطها بالأمل والحظ والحب. أما الإنسان الآسيوي، فيجد في تمثال بوذا الضاحك مفتاحاً للخير ويجلب الثروة والحظ.
والقصة لم تنته في ثقافة الشعوب. ثمة ما يضحك وما يدهش. فتناول الفاصوليا في الأرجنتين ليلة رأس السنة كافِ لجلب الحظ السعيد والأمان الوظيفي. وتناول 12 حبة عنب عند الإسبان عشية رأس السنة يجلب الحظ الجميل. وتكسير الصحون على أسطح المنازل كل عام جديد هو الحظ الأمثل عند الدنماركيين. وسقوط فضلات الطيور عليك أو على منزلك أو على سيارتك في روسيا يعني أنك ستحصل على مزيد من المال. وارتداء العرائس الأيرلنديات جرساً صغيراً على فساتين زفافهن أو حليّهن يساعد على طرد الشر والحسد وقدوم الحظ الجميل!
وفي بلداننا، تتناسل المعتقدات لجلب الحظ، وتحرز أرقاما قياسية في أعدادها ومضامينها الغريبة. فالطرق على الخشب يبعد الحسد والحظ السيئ. وكسر شيء ما في البيت مؤشر للتفاؤل وهو خير للإنسان. والقطط السود نذير شؤم. بينما البقرة فأل حسن. و(نجمة أم ذيل ) بشرى سماع أخبار جيدة. واذا حكتك يدك اليسرى فإنك ستحصل على مال وفير. بينما اذا حدث الأمر في اليد اليمنى فهو دليل على انك ستفقد أو تدفع مالاً قريباً. كما يعد صياح الديك أمام المنزل تنبيهاً لقدوم شخص غريب. وانسكاب فنجان قهوة يعد من عوامل جلب الحظ. لكن الكنس وتقليم الأظافر وقص الشعر في الليل تعد من المحرمات لأنها تجلب الشر وتغلق الحظ السعيد. أما العطسة الواحدة فهي دليل الصبر والعطستان دلالة الفرج. وتعليق (أم السبع عيون) على الأبواب تفقأ عين الحاسد.
المثير في الأمر إن المعتقدات أدت إلى ظهور أسماء غريبة لأبعاد الحسد وجلب الحظ، والحفاظ على الحياة من خلال النذور. ففي بيت واحد ثلاث بنات أسماؤهن غريبة (صخلة، نخلة، رخلة). وفي جانب الذكور (جرو و زبالة و حنتوش و واوي...وغيرها)! وكلها خرافات للظفر بالحظ، والبقاء على قيد الحياة، وتحقيق الأمنيات!
لا شك أن المجتمعات التي تعشش فيها حالات الخيبة، ويعاني فيها الأفراد من عدم توفر الفرص الاجتماعية المتكافئة للتنافس والمشاركة في الحياة، يلاحظ فيها إقبال أكبر على الحظ والبخت والطالع. فالإيمان بالحظ تبرير جاهل للهروب من النظام الذي يقوم عليه الوجود، ولخلق أعذار غير واقعية وغير علمية لحوادث الحياة. وما أجمل قول أمير المؤمنين علي (إذا قويت نفس الإنسان انقطع إلى الرأي، وإذا ضعفت انقطع إلى البخت)!
عباءة السلطة
ويبدو إن الحظ العاثر لاحق العراقيين تحت عباءة السلطة الحالية ورجال الدين. فتوزعت الحظوظ توزعاً غريباً لا مثيل له. فصعد أرذل الناس بفضل الحظ السعيد (ديك المحظوظ يبيض)، ونزل أكرمهم علماً وشهامة في مصيدة الحظ التعيس. هكذا بدا الأمر، وكأننا نستعيد تاريخ العراق بطوفان أنهاره، وهمجية تتره، وعذابات إنسانه، وعصور الدم التي فاضت في شوارعه وأحيائه، وثقافة العنف التي تكاد تكون ثقافة أبدية. فما يجري اليوم كأنه بخت مصنوع خارج نطاق العلم، وأقرب إلى الخرافات والتعاويذ. لا تفسير لذلك إلا القول إن ما يحدث يبدو أقرب لعمل ساحر من كائنات غير بشرية لا ترى بالعين المجردة . ويذكرنا بقول ابن الرومي (إن للحظ كيمياءً إذا ما / مس كلباً أصاره إنسانا).
لو كان النجاح فعلا وليد المهارة، لماذا إذاً نرى (زعاطيط) السياسة في العراق حكاماً، رغم إن قدراتهم محدودة وتخلفهم يخجل البشر؟ ولماذا العراقيون الأذكياء ليسوا هم من يتربع على السلطة وقيادة المؤسسات، وكيمياء الحظوظ في بلداننا هي التي تصنع القادة؟ وإذا صح القول (يكرم المرء في ولده) يصح كذلك قولنا (تكرم الدول في رجالها). ولا حاجة إلى إثبات ذلك، (فمظهرهم ينبئك عن مخبرهم). فمن يقود العراق اليوم نفايات بشرية لوثت الوطن الجميل بروائح كريهة أقرب لرائحة البيض الفاسد، ومياه شبكات الصرف الصحي. الوطن لديهم مجرد مصرف للسرقة، وخيانة مستوردة تسير في العروق. وربما هذا هو السبب الذي جعل الحظ يأتيهم على طبق من ذهب، ويجعلهم اليوم في نعيم المال والسلطة والجاه.
لا أحد يصدق إن من يحكمنا اليوم كانوا يجوبون شوارع الغربة تسولاً وجوعاً وعطشاً. فأتاهم الحظ فجأة (البخت يعرف أصحابه) عندما رفعتهم سيارة النفايات الأمريكية من قمامات البيوت العفنة، وملاذات الحرمان والجوع، ودكاكين العمالة، لتقذف بهم في وطن النظافة والجمال والثقافة. من يصدق إن من يحكمنا اليوم قطاع طرق، ورعاة غنم، وخبراء سبح، واختصاصيو (لنكات) ، و(حملدارية) للحج والعمرة، وسماسرة تزوير الجوازات والوثائق، ووعاظ دين للدجل والشعوذة، وقتلة بشر ولصوص مال؟. هؤلاء حولوا الوطن إلى مكب للنفايات التي يعشقونها أكثر من الورود. من يصدق إن هذا الحظ السعيد لهم والتعاسة لنا سيأتيهما بهذا التألق الغريب، لولا إن الأمريكي يعرف سر مرضهم النفسي، ووضاعتهم أمام المال والعمالة !
أما حظ العراقيين، بمنطق البخت والحظ، فهو أتعس حظ على خريطة العالم. فقد ابتلوا بأتعس حكام على الأرض، وأقبحهم خلقاً، وأكثرهم تخلفاً ولصوصية وعمالة، لأنهم جعلوا العراق في آخر الأوطان، وقتلوا الأمل في نفوس العراقيين، وأطفأوا كهرباء الحياة عليهم، واغلقوا كل منافذ الرزق والحياة الجميلة. هكذا جعلوا العراق أرضا قاتمة وبوراً وظلاما.
يا له من حظ تعيس، أن تصبح خيارات العراقي خلال السنوات الماضية بين حاكم سيئ وأسوأ! !
اضف تعليق