الإحباط في تصاعد فالكثيرون يربطون بين الديمقراطية وضعف الأداء الاقتصادي وعدم الحسم في الحُكم والإدارة. وبينما يعتبر الناس أن النظم غير الديمقراطية أسوأ، فإن تصوراتهم حول دول مثل الصين التي يرى الكثيرون أنها في نفس ديمقراطية الولايات المتحدة تقريبًا تُفيد بأن المنجز التنموي للدولة يشكّل مشروعيتها الديمقراطية أكثر مما تفعل الانتخابات...
يستمر تفضيل المواطنين والمواطنات عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للديمقراطية قائمًا، لكن هذا الاختيار لا يرتبط بالانتخابات وحدها؛ إذ تُظهر بيانات جديدة للباروميتر العربي أن سبب دعم الناس فعليًا للديمقراطية هو اعتقادهم بأنها ستُترجم إلى تحقيق الكرامة، بما يشمل إعمال المساواة السياسية وتحقيق الأمن الاقتصادي والسلامة الشخصية.
الاستطلاع الصادر في تحليل تفصيلي لآراء المواطنين في ثماني دول يكشف أن الناس في المنطقة يعرّفون الديمقراطية بالتركيز على النتائج التي تحققها أكثر مما يركزون في رؤيتهم لها على إجراءاتها. فهم يرغبون في أن تضمن الحكومات العدالة وأن تلبي الاحتياجات الأساسية وتحمي الحقوق، بما يتجاوز بكثير الاقتصار في تعريف الديمقراطية على عقد انتخابات حرة ونزيهة.
والإحباط في تصاعد في الوقت نفسه؛ فالكثيرون يربطون بين الديمقراطية وضعف الأداء الاقتصادي وعدم الحسم في الحُكم والإدارة. وبينما يعتبر الناس أن النظم غير الديمقراطية أسوأ، فإن تصوراتهم حول دول مثل الصين –التي يرى الكثيرون في المنطقة أنها في نفس ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية تقريبًا– تُفيد بأن المنجز التنموي القوي للدولة يشكّل مشروعيتها الديمقراطية في نظر الناس أكثر مما تفعل الانتخابات.
ما أهمية هذه النتائج؟
إن فهم كيفية تعريف الناس بالمنطقة للديمقراطية وفهمهم لها مهم لصناع السياسات والمانحين والمطالبين بالإصلاح. لكي تُعتبر النظم مشروعة في نظر الناس فعليها أن تحقق نتائج حقيقية، لا أن تعقد انتخابات دورية فقط.
عن الاستطلاع
تعتمد هذه النتائج على ثماني استطلاعات رأي ممثلة لمستوى الدولة جرى تنفيذها في المنطقة في إطار أعمال الدورة الثامنة للباروميتر العربي (2023-2024)، وتعتمد على أكثر من 15 ألف مقابلة تمت وجهًا لوجه. ولا يتجاوز هامش الخطأ في كل دولة من الدول ±3 نقاط.
النتائج الأساسية
الآراء حول النظم الديمقراطية والنظم غير الديمقراطية:
1. ما زال النظام الديمقراطي هو النظام السياسي المُفضّل عبر المنطقة، وإن كان التزام المواطنين به بصفته النظام الصالح الوحيد تتباين درجته من دولة إلى دولة.
في كل الدول المشمولة بالاستطلاع، قال 73% من المبحوثين –على الأقل– إنّ الديمقراطية هي النظام الأفضل للحكم. ويبلغ مستوى دعم هذا الرأي أقصى مستوياته في الكويت (85%)، ثم الأردن (84%)، وتونس (79%)، وموريتانيا (77%)، وبدرجة أقل –وإن كانت ما زالت نسبة كبيرة– في فلسطين ولبنان والعراق (74% في الدول الثلاث)، والمغرب (73%).
تصاعد الدعم الشعبي منذ 2021 للديمقراطية بصفتها النظام الأفضل، بدرجة كبيرة في كل من المغرب (19+ نقطة مئوية) والأردن وتونس (7+ نقاط مئوية) والعراق (+6 نقاط مئوية)، لكنه تراجع في لبنان (7- نقاط مئوية).
على ذلك فإن الالتزام الحصري –أي الاعتقاد بأن الديمقراطية هي النظام الصالح الوحيد– لم تزد نسبته بنفس القدر. زاد الإقبال على هذا الرأي في المغرب (16+ نقطة مئوية) والأردن (5+ نقاط مئوية) لكنه تراجع في لبنان (5- نقاط مئوية). لكن توجّه الآراء الأطول أجلًا يُظهر زيادة في نسبة من قالوا بأن الديمقراطية هي النظام الصالح الوحيد، بأكثر من 10 نقاط مئوية في كل من فلسطين وتونس قياسًا إلى نسب عام 2016، وإن كان قد تراجع بنحو 20 نقطة مئوية في لبنان.
2. التشكك في قدرة الديمقراطية على تحقيق النتائج الجيدة يتصاعد، مدفوعًا بمخاوف اقتصادية وتحفظات على الأداء الخاص بالإدارة والحكم.
نصف الناس أو أكثر من نصفهم –في 5 دول– يربطون بين الديمقراطية وضعف الأداء الاقتصادي: العراق (76%)، وتونس (73%)، وفلسطين (58%)، ولبنان (53%)، والأردن (50%). وهذا مع تراجع مخاوف الناس منذ 2022 في موريتانيا (12- نقطة مئوية)، والكويت (10- نقاط مئوية)، والمغرب (7- نقاط مئوية)، والأردن (7- نقاط مئوية)، وفلسطين (5- نقاط مئوية).
الآراء الخاصة بأن الديمقراطية غير حاسمة بلغت ذروتها من حيث النسب في استطلاعات 2021-2022 لكنها تراجعت بعد ذلك في كل من الكويت (10- نقاط مئوية)، ولبنان (7- نقاط مئوية)، وموريتانيا (7- نقاط مئوية)، والمغرب (5- نقاط مئوية) في حين تصاعدت قليلًا في كل من تونس (6+ نقاط مئوية)، والعراق (5+ نقاط مئوية). على ذلك، فإن أغلب المواطنين في خمس دول يعتنقون الرأي القائم بعدم حسم الديمقراطية، في العراق (76%)، وتونس (73%)، وفلسطين (58%)، والأردن (54%)، ولبنان (53%).
انحسرت الآراء القائلة بأن النظم الديمقراطية لا تحافظ على الأمن في كل من لبنان (7- نقاط مئوية)، والكويت (6- نقاط مئوية)، وموريتانيا (5- نقاط مئوية) منذ استطلاع 2021-2022، لكنها لم تتغير في نسبها في كل من الأردن والمغرب، وتصاعدت بشكل طفيف في كل من العراق وفلسطين (4+ نقاط مئوية في البلدين).
3. النظر بشكل عام إلى النظم غير الديمقراطية بصفتها غير فعّالة ومرتبطة بسوء الإدارة والحُكم.
تقول الأغلبيات في الدول الثماني جميعًا إن النظم غير الديمقراطية ضعيفة الأداء في ملف الاقتصاد. وأعلى نسبة إقبال على هذا الرأي رُصدت في كل من العراق (73%)، والأردن (72%)، وتونس (71%).
النصف على الأقل في كل من الدول التي شملها الاستطلاع يؤيدون الرأي القائل بأن النظم غير الديمقراطية غير حاسمة، وبلغت النسبة 74% في الأردن و72% في العراق.
تربط نسب الأغلبية في الدول المختلفة أيضًا بين النظم غير الديمقراطية وانعدام الأمن، وتتراوح نسبة الإقبال على هذا الرأي بين 71% في الأردن و53% في الكويت.
وفي خمس دول، ترى نسبة أقل من النصف أن النظم غير الديمقراطية أفضل من النظم الأخرى، وبلغت النسبة 36% في الكويت وموريتانيا. ودعم هذا الرأي حقق نسبة أعلى قليلًا في كل من المغرب (41%)، والأردن (42%)، ولبنان (46%)، وحقق الأغلبية في فلسطين (54%)، وتونس (58%)، والعراق (66%).
4. الديمقراطية مُفضلة على النظم غير الديمقراطية – حتى مع تحفظات الناس عليها واستيائهم من مشاكلها.
في كل الدول المشمولة بالاستطلاع، قال الناس إن الديمقراطية أفضل من النظم غير الديمقراطية. وتبلغ أكبر فجوة بين الرأيين 49 نقطة مئوية في الكويت، وهي كبيرة أيضًا في كل من الأردن (42+ نقطة مئوية)، وموريتانيا (41+ نقطة مئوية). حتى في العراق وتونس –حيث دعم النظم غير الديمقراطية يبلغ أقصاه– لا تزال الديمقراطية مُفضلة على النظم غير الديمقراطية بفارق ثماني نقاط مئوية.
الديمقراطية والكرامة: ما الذي يتوقعه المواطنون العرب حقًا من الديمقراطية؟
ما معنى الديمقراطية بالنسبة إلى الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ للإجابة على هذا السؤال، نفّذ الباروميتر العربي تجربة عبر ثماني دول، وفيها سأل نصف المبحوثين عن الديمقراطية، ونصفهم الآخر عن الكرامة، باستخدام نفس السمات التعريفية للمصطلح في الحالتين؛ ما يسمح بجمع رؤى جديدة عن كيف يتقاطع المفهومان.
1. تُعرّف الديمقراطية كمسار نحو الكرامة، أكثر مما تُعرّف في ارتباطها بالانتخابات
تبين في جميع الدول التي شملها الاستطلاع ربط المواطنين بين كل من الديمقراطية والكرامة وبين تحقيق النتائج، وتشمل إعلاء أولوية المساواة السياسية وإعمال الحقوق الأساسية وتحقيق الأمن الاقتصادي والسلامة الشخصية، أكثر من ارتباط المفهومين بالإجراءات الانتخابية. هذا التداخل الكبير يُظهر أن الناس يتطلعون إلى الديمقراطية ليس بصفتها نظام انتخابي فحسب، إنما أيضًا – وبالأساس – كوسيلة لتحقيق الكرامة الشخصية.
في 7 من 8 دول، كانت نفس السمات الأساسية لهذا المفهوم وذاك –المساواة أمام القانون وتوفّر الاحتياجات الأساسية– هي صاحبة الترتيب الأعلى في تصنيف المبحوثين للسمات الأساسية لكل من الديمقراطية والكرامة. في كل من الكويت والأردن وموريتانيا، كانت المساواة أمام القانون هي السمة الأكثر اختيارًا بصفتها المقوّم الأساسي للمفهومين، وفي تونس والعراق وفلسطين ولبنان، كانت سمة “توفير الاحتياجات الأساسية” هي الاختيار الأول في تصنيف المواطنين للمقوّمات الأساسية للمفهومين.
وفي كل الحالات، أحرزت سمة “الانتخابات الحرة والنزيهة” أدنى ترتيب بين المقومات الأساسية لكل من الديمقراطية والكرامة في الدول كافة، باستثناء موريتانيا، ما يسلط الضوء على أن العملية الانتخابية ليست في نفس أهمية النتائج الملموسة التي تحققها النظم الديمقراطية، في نظر الناس. لكن هناك أغلبيات كبيرة عبر المنطقة تعتبر الانتخابات جزء مهم من الحكم الديمقراطي.
رغم التغيرات الكبيرة على صعيد تنظيم الانتخابات في العقدين الأخيرين، فإن الناس في تونس والعراق ولبنان وفلسطين يُقبلون بواقع 10 نقاط مئوية أكثر على إعلاء أولوية “الاحتياجات الأساسية” على “الانتخابات الحرة والنزيهة” كسمة أساسية للديمقراطية.
2. تصورات المواطنين حول الديمقراطية والكرامة متقاربة
في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع تقريبًا كانت نسبة من ذكروا المساواة أمام القانون أو الحقوق المدنية أو الانتخابات الحرة والنزيهة أو غياب الفساد أو توفر الاحتياجات الأساسية أو السلامة الشخصية بصفتها السمة الأساسية للديمقراطية، متقاربة مع نسبة من ذكروا أي من هذه السمات بصفتها المقوم الأساسي للكرامة – بهامش خطأ (خمس نقاط مئوية أو أقل). ثمة بعض التباين في الآراء حول “الاحتياجات الأساسية” فهي أكثر ارتباطًا بتعريف المواطنين للكرامة في بعض الدول.
يظهر من هذه الأنماط لتعريف المواطنين للمفهومين أن الكثيرين في المنطقة يعتبرون الديمقراطية وسيلة هدفها تحقيق الكرامة الشخصية ومزايا ملموسة، بدلًا من اعتبارها نظامًا انتخابيًا بشكل حصري.
الديمقراطية من حيث الممارسة: يقيّمها الناس بحسب النتائج التي تقدمها
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقيّم المواطنون الديمقراطية بعوامل ومحددات أكثر من الانتخابات، وتتمثل هذه المحددات الأخرى في إجابة سؤال ما إذا كانت الحكومات تدعم حفظ الكرامة وتحقق العدالة والرفاه الاقتصادي، داخل البلد وخارجه.
1. اعتبار المواطنين بالمنطقة لألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية كبلدان ديمقراطية، لكن تصنيفهم للبلدين متباين.
على مقياس من 0 إلى 10، نالت ألمانيا أعلى متوسط تصنيف للديمقراطية في أغلب البلدان، وقد تراوح التصنيف بين 5.7 درجة في الأردن و8.6 درجة في المغرب و8.2 درجة في موريتانيا.
حققت الولايات المتحدة الأمريكية متوسط درجات أقل بقليل، تراوح بين 5.1 درجة في الأردن و8.7 درجة في المغرب و8.4 درجة في موريتانيا.
على هذا، فإن مواطنين أكثر يعتبرون أن الولايات المتحدة الأمريكية ديمقراطية كاملة (أي درجة 10 من 10) بنسبة 45% اختاروا هذا التصنيف في موريتانيا، و39% في العراق والمغرب، مقارنة بـ 36% و34 و32% على التوالي بالنسبة إلى ألمانيا.
وفي الأردن وفلسطين، يصنف 14% فقط الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها ديمقراطية كاملة، في حين يصنّف عدد أقل ألمانيا بهذه الصفة (10% و12% في البلدين).
2. اعتبار الصين ديمقراطية بنفس قدر الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية تقريبًا، رغم غياب الانتخابات.
في 6 من 8 دول، كان متوسط درجة تصنيف المواطنين للديمقراطية في الصين بفارق نقطة واحدة عن تصنيفهم للولايات المتحدة الأمريكية.
في تونس والأردن، بلغ تصنيف الديمقراطية في الصين نسبة أعلى من الولايات المتحدة الأمريكية، ما يؤشر بأن الأداء الاقتصادي يشكل بقوة تصورات الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن الديمقراطية.
3. المواطنون متشككون في الديمقراطية ببلادهم.
في الكويت فقط، تبين أن أكثر من الرُبع (28%) يقولون إن بلدهم ديمقراطي بشكل كامل.
في البلاد الأخرى، حقق التقييم الذاتي من قِبل المواطنين للديمقراطية في بلدهم مستوى متواضع بلغ في المتوسط 3.3 نقطة في فلسطين، و4.4 نقطة في العراق، وبين 5 و6 نقاط في أغلب الدول الأخرى.
4. المواقف السياسية تؤثر على مشروعية الديمقراطية.
تراجع تقييم المواطنين في تونس للديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في ظل الدعم الأمريكي لإسرائيل، في حين زاد تصنيف المواطنين للديمقراطية في تونس نفسها، ويرجح أن هذا انعكاس لدعم الرئيس سعيد القوي لغزة وانتقاده للحملة العسكرية الإسرائيلية.
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الانحياز لما يراه الناس عدلًا يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الآراء حول الديمقراطية ودرجة تحققها.
5. تحقيق التقدم في بلدان قليلة منذ الانتفاضات العربية.
في خمس من سبع دول، قالت أعداد كبيرة إن مستوى الديمقراطية “لم يتغير” عمّا قبل 2011، وهذا في العراق والأردن ولبنان وموريتانيا وفلسطين.
فقط في كل من تونس (54%) والمغرب (49%) ترى نسب كبيرة أن الديمقراطية قد تحسنت في البلدين. والعراقيون (42%) والأردنيون (35%) متفائلون إلى حد ما في ما يخص الديمقراطية، في حين أن اللبنانيين (21%) والفلسطينيين (19%) هم الأقل إقبالًا على القول بأن بلدهم أكثر ديمقراطية عما قبل 2011. لم يحدث أن قالت أغلبية في أي من الدول إن الديمقراطية قد انحسرت عمّا قبل 2011.
اضف تعليق