المقابر وسيارات الاسعاف باروميتر العنف في العراق

اعداد: عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ:  بدأت العاصمة وبشكل واضح وجلي في انها تتعافى من امراض الكراهية والحقد المبثوث في احضانها من قبل القوى الشريرة التي احالت بياض السريرة العراقية الى غل اسود شوّه ثناياها الجميلة، وأذبل زهور مودتها في محاولة لزرع ما يشتت شملها المتآلف منذ وجودها كعاصمة للسلام والتآخي، ومن ثم توسيع دوائر الموت والفناء والتدمير ولعل، الجثث المجهولة الهوية والمقابر تكون خير مقياس لنتيجة العنف الدائر على الاقل في الحالة العراقية.

فقد أصبحت مقبرة وادي السلام في مدينة النجف العراقية التي تحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين اسما على مسمى حيث تراجعت أعداد القتلى مع انحسار العنف.

وأصبحت المقابر في العراق مؤشرا كئيبا على العنف وتعد مقبرة وادي السلام في النجف التي تقع على بعد 160 كيلومترا جنوبي العاصمة العراقية بغداد واحدة من أكبر المقابر في العالم.

كما أنها كانت وحتى وقت قريب واحدة من أكثر المقابر نشاطا حيث يعمل حفارو القبور ومتعهدو الدفن ليل نهار لدفن عشرات الالاف من العراقيين ضحايا العنف الطائفي.

ومع تراجع أعداد الضحايا من المدنيين العراقيين والخسائر البشرية للجيش الامريكي في الشهرين الماضيين أشار مسؤولوا المقابر أيضا الى انخفاض حاد بعد أن شهد العام السابق تدفقا مرتفعا بلا هوادة لأعداد الضحايا واغلهم من المسلمين الشيعة.

وفي النجف التي تعد من أكثر الاماكن شعبية لعمليات الدفن في العراق نظرا للمكانة الخاصة التي تحظى بها المدينة تراجع النشاط بمقدار عشرة أمثال تقريبا. بحسب رويترز.

وتمتد القبور التي يعلوها الرخام والمدافن المبنية بالحجارة على مرأى البصر في المقبرة الشاسعة، وتزين المقابر أعلام زاهية الالوان وباقات من الزهور البلاستيكية، وتكنس نساء متشحات بملابس الحداد السوداء التراب وينظفن مناطق القبور.

وقال عدنان الصافي وهو متحدث باسم مقبرة وادي السلام ان المقبرة استقبلت حوالي 900 عراقي لقوا حتفهم في أعمال العنف في يوليو تموز الماضي.

وحوالي نصف هؤلاء تقريبا اعتبروا مجهولين اما لأن الجثث شوهت على نحو تعذر معه التعرف على هوية أصحابها أو لانه لم يسأل عنها أي أقارب بعد أسبوع في المشرحة.

وقال الصافي ان عدد الذين قتلوا في أعمال العنف تراجع الى النصف تقريبا الى 472 قتيلا في أغسطس اب الماضي والى 356 في سبتمبر أيلول، وانخفض الى 130 قتيلا في أكتوبر تشرين الاول الماضي.

وقال فهيم جبار وهو واحد من بين 80 مقاولا مختلفا يعملون في دفن الموتى في مقبرة النجف ان كل مقاول اعتاد الاعتماد على ثلاثة عمال في الايام العادية.

واضاف لرويترز ان كل مقاول بدأ في توظيف 15 عاملا لتجهيز القبور مع تزايد العنف. ومضى يقول أحيانا كنا نعمل طوال الليل وحتى الصباح عندما نتلقى اتصالا من مكتب الطب الشرعي في المشرحة لإبلاغنا بأنه سيتم ارسال... مجموعة من الجثث من بغداد. 

وترسل الجثث الى مقبرة النجف من ارجاء العراق ومن أنحاء الشرق الاوسط ايضا، ويتخصص كل مكتب من مكاتب الدفن في التعامل مع الجثث حسب المناطق التي جاءت منها.

وقال الصافي وجبار ان العمل في المقبرة تزايد بعد تفجير مسجد سامراء في فبراير شباط عام 2006.

وتفجير مسجد الامامين العسكريين الشيعي ذي القبة الذهبية في سامراء التي تقع على بعد 100 كيلومتر شمالي بغداد والتي تسكنها أغلبية سنية أطلق العنان لموجة متصاعدة من أعمال القتل الطائفية الانتقامية دفعت العراق الى حافة الحرب الاهلية.

وقال الصافي: بعد تفجير المزار في سامراء بدأنا في استقبال 50 جثة كل يوم. وكان الوضع في مقبرة الكرخ التي يغلب عليها العرب السنة والتي تقع على المشارف الغربية لبغداد مماثلا تقريبا للوضع في مقبرة النجف وان لم يكن بالدرجة نفسها من الحدة.

من جهة اخرى قال يونس الزوبعي المتحدث باسم مقبرة الكرخ ببغداد: ان المقبرة استقبلت في يوليو تموز الماضي 194 جثة وتراجع هذا الرقم بشكل متواصل على مدى الاشهر الثلاثة التالية الى 107 جثث في أكتوبر تشرين الاول.

وقال أبو مروان الذي يقوم بالدفن في مقبرة الكرخ: ظهرت على بعض الجثث التي استقبلناها علامات تدل على التعذيب الوحشي من انتزاع للأعين وثقوب وتعرض بعضها لتشويه كبير.

وكان أعلى رقم استقبلته المقبرة في شهر واحد 516 جثة في أبريل نيسان عام 2006 بعد شهرين من تفجير المزار في سامراء.

ومن الاسباب التي أدت الى تراجع أعداد الخسائر البشرية في الشهرين الماضيين زيادة في القوات الامريكية قدرها 30 ألف جندي وتحسن أداء قوات الامن العراقية والاعداد المتزايدة لوحدات شرطة الاحياء التي شكلها زعماء العشائر.

وقال جبار انه يمكن لكل متعهد من متعهدي دفن الموتى أن يحصل بسهولة على دخل قدره مليوني دينار عراقي في اليوم في ذروة أعمال العنف، ومضى يقول الان دخلنا تراجع مع الانخفاض في أعداد الجثث.

 سائقو الاسعاف في بغداد استذكار لمرحلة دموية

بات بإمكان سائقي عربات الاسعاف الان في بغداد التوقف لبرهة من الزمن والتقاط الانفاس واحتساء اكواب الشاي وتبادل الحديث في مشهد كان يبدو مستحيلا قبل اشهر قليلة وهو ما يشير الى تراجع مستوى العنف في العاصمة العراقية بشكل ملحوظ.

وعكس تجمع ما يزيد على عشر عربات اسعاف مع سائقيها وطواقمها الطبية امام مركز الاسعاف الفوري لقاطع الكرخ الجنوبي في منطقة المنصور في غرب بغداد وهم يتبادلون حديث الذكريات الحافل بصور القتل والجثث والدماء تراجع العنف الذي طغى على المدينة لفترة تجاوزت السنتين.

وقال قيس محمد مدير مركز الاسعاف الفوري لقاطع الكرخ الجنوبي لرويترز: الى فترة قريبة كان زخم العمل لا يتوقف لدينا وكانت السيارات بسائقيها وبطواقمها الطبية من المسعفين لا يتوقفون عن العمل من اول ساعات النهار حتى نهايته.

واضاف محمد: كان السائق يؤدي احيانا خمس مهمات في يوم واحد اي يغطي خمسة انفجارات في المنطقة المسؤول عنها فقط... وهذا معناه لا توقف في الحركة ابدا.

وتابع: اما الان فان الحال اختلف كثيرا والوضع تحسن...عندنا سيارات اسعاف احيانا لا تخرج حتى ليومين... والسائقون اصبحوا يتحركون بحرية وامان بعد ان كانوا يعانون من صعوبة وخوف في الحركة.

ويغطي قاطع الكرخ الجنوبي مناطق جنوب بغداد باكملها مع عدد من مناطق غرب بغداد وهي مناطق كانت تعتبر الى وقت قريب من اكثر المناطق في العاصمة التهابا وسخونة ومازال بعضها حتى الان يشهد عمليات مسلحة بين الحين والاخر.

ويضم القاطع العديد من المراكز الفرعية قال محمد ان مكانها كان من المفترض ان يكون في المناطق التي تغطيها لكن تدهور الوضع الامني في الفترة الماضية وصعوبة تأمين الحماية لها ادى الى استحالة فتح هذه المراكز في تلك المناطق وهو ما دعا الى جمعها في هذا المكان.

ويتكون كل مركز من ثلاث سيارات اسعاف ولكل سيارة ثلاثة سائقين وثلاثة مسعفين يتناوبون العمل عليها على مدار الاسبوع.

وبألم واضح تحدث محمد: عن الشهداء من سائقي سيارات الاسعاف الذين قتلوا خلال فترة العنف التي مرت بها بغداد والتي قال انها الفترة التي تلت حادثة تفجير قبة الامامين العسكريين في سامراء في (فبراير) شباط من العام الماضي وحتى قبل شهرين.

وقال: استشهد منا العديد...في الفترة الماضية واصيب عدد اخر.. استشهد اكرم ومظفر وباسم وكاوه وكان اخرهم مظفر. قالها وهو يشير الى صورته الملونة التي كان يضعها على مقربة من مكتبه.

وتوقف في الباحة الامامية للقاطع عدد من السيارات التي كانت ضحية للعنف خلال الفترة الماضية وعكست صورتها الظروف الصعبة التي كان يعيشها سائقو عربات الاسعاف اثناء تأدية عملهم، كان بها اثار العديد من الطلقات النارية وكان ببعضها ثقوب كبيرة وعديدة نتيجة استهدافها بالعبوات الناسفة.

وظهر على الزجاج الامامي لاحدى العربات اثار رصاصة باتجاه مكان جلوس السائق، وقال خالد كمال الدين وهو سائق اسعاف انها اطلقت من سلاح قناص في منطقة حي العامل استهدفت زميلا لهم اسمه ابراهيم اصابته بجبهته الامامية لكن الحمد لله لم يقتل.. ومازالت اثار الرصاصة على جبهته حتى الان.

واضاف كمال الدين وهو يقف امام احدى العربات وقد غطتها ثقوب انفجار عبوة ناسفة:  كنا لا نجرؤ على الخروج ليلا لاي سبب كان واذا خرجنا كان لزاما ان تكون معنا سيارة شرطة حماية...وهناك مناطق لم نكن نذهب اليها ابدا. اما الان فنحن نخرج بطمأنينة وتقريبا لكل الاماكن والمناطق وفي اي وقت وبدون اي حماية.

ويتذكر السائق عباس فاضل انه في احدى الايام قبل ما يقارب ثلاثة اشهر وقعت اربعة انفجارات في القاطع الذي اعمل فيه اضطررت للخروج في ذلك اليوم اربع مرات.. واتذكر اني حملت دفعة واحدة في أحد هذه الانفجارات 12 قتيلا وجريحا في السيارة وهي لا تتحمل الا شخصين او ثلاثة.

وقال علاء ناصر وهو مسعف في الحالات الطبيعية سيارة الاسعاف لا تقوم بنقل الجثث لان هناك سيارات خاصة اخرى تقل الجثث لكن في الظروف غير الطبيعية التي كنا نعيشها كنا نقوم بنقل الجثث والمصابين معا في سيارات الاسعاف.

واضاف: اتذكر في حادثة انفجار محطة وقود المنصور قبل عدة اشهر نقلت دفعة واحدة 17 جثة في سيارة الاسعاف... ومازلت اتذكر ان احدى الجثث كانت تحترق وانها التصقت بفرش السيارة.

وتابع وهو يشير الى اثار مكان الحرق داخل السيارة عندما سحبناها بقوة لاخراجها من السيارة فان فرش السيارة انخلع من مكانه.

وقال ناصر، نحمد الله ان الوضع تحسن ولم نعد مستهدفين مثل قبل. واضاف: لكني حتى الان لم اجد جوابا على سؤال طالما سألته لنفسي وهو لماذا كان الجميع يستهدفوننا نحن سائقي الاسعاف والمسعفين؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21 تشرين الثاني/2007 - 10/ذوالقعدة/1428