تقسم الجرائم عادة الى أنواع (على ما يقسمها أهل الاختصاص) فمنها
الجنائية التي تقع بدافع السرقة او الانتقام الشخصي او العشائري ومنها
السياسية او ذات البعد الطائفي، ولو ركزنا الحال على حادثة النخيب
والجريمة التي ارتكبت فيها بحق المسافرين المتجهين الى دولة سوريا من
محافظة كربلاء فسنجد إنها لا تندرج ضمن الصنف الأول من الجرائم أي إنها
ليست جنائية فالجناة لم يسرقوا شيئا من الضحايا او ممن معهم، كما إنها
ليست من الصنف الأخير كون إن بعض الضحايا هم من طوائف أخرى وهذا يدل
على إنها تندرج ضمن الصنف الثاني وهو السياسي.
في هذا الصنف يوجد عدة أنواع تندرج ضمنها مثل هكذا أعمال فمنها (الهدف
النوعي) الذي يكون القصد من قتله او اغتياله تغيبه شخصيا لما له من اثر
ذاتي في معادلة سياسية أو عسكرية او اقتصادية وغالبا ما تكون هكذا
أهداف مندرجة ضمن الشخصيات السياسية المهمة كرؤساء الدول او الحكومات
او الوزراء وبمن برتبتهم او القيادات العسكرية او الاستخباراتية او
المؤثرة في صنع القرار السياسي لدولة او حزب ما.
أما النوع الثاني فهو (الاستراتيجي) وهنا لا تكمن القضية في أهمية
الشخص المغتال بقدر أهمية ما يخطط له استراتيجيا في قتله أي إن هكذا
نوع من العمليات يقصد فاعلوها إلى أهداف أخرى بعيدة الأمد وتكون أول
الخطوات بادئة بهكذا جرائم.
وهذا النوع من الأهداف غالبا ما تكون من ورائها يد استخباراتية او
جهة منظمة ولها بعد سياسي أكثر من أي هدف آخر ومن هذا المنطلق يمكن
أدراج الاحتمالات التالية:
1- القوات الأمريكية: حيث يرى بعض السياسيين والمحللين بان
الأمريكيين لهم اليد الطولى في تنفيذ مثل هكذا عمليات لما لهم من قوة
استخباراتية نشطة في الوضع العراقي مستخدمين المطلق سراحهم من تنظيم
القاعدة خصوصا من سجن (بوكا) والذين تشير المصادر إن اغلبهم لم يتم
تسليمهم للقضاء العراقي بل تم إطلاق سراحهم مباشرة من قبل الأمريكان
رغم وجود مذكرات قبض عراقية بحقهم، ويذهب أصحاب هذا الرأي الى إن
الأمريكان بدأوا يشعرون بضيق الوقت أمامهم لقرب نهاية الانسحاب ووجود
شبه إجماع عراقي على عدم التمديد لقواتهم (باستثناء الطرف الكردي) وهذا
يجعلهم في وضع مربك لعدم حسم أمور كثيرة في العراق أهمها قوة بعض
الجماعات المسلحة التي من الممكن أن تشكل جناحا سياسيا متشددا يؤثر في
مستقبل الحكومات العراقية ويكون لها دورا في صنع القرار السياسي
العراقي إضافة لعدم الثقة التامة من ولاء القيادات السياسية الحالية
لها.
2- مخابرات دولة عربية: وهنا يحدد المحللون بان المخابرات السعودية
قد تكون المستفيد الأكبر من مثل هكذا أهداف، فالوضع السوري القلق والذي
ترى فيه السعودية عنصر العراق ايجابيا لصالح الحكومة السورية يمثل تأخر
أمام أي تغيير ترغب فيه المملكة في سوريا، في وقت كثر الحديث عن دعم
مجاميع عراقية او لبنانية للجيش السوري في المدن التي تعيش تظاهرات
مناهضة للنظام هناك، وهنا قد تكون مثل هكذا عمليات ضد المسافرين
العراقيين مقيضة للدعم الذي تتلقاه حكومة سوريا من العراق او لمحاولة
قطع حركة السياح العراقيين الذي يمثل تدفقهم على هذه الدولة موردا
اقتصاديا مهما لها.
3- مخابرات دولة مجاورة إقليمية: حيث ترى هذه الدولة بان تنفيذ مثل
هذه العلميات في منطقة يتنوع فيها المجتمع العراقي الى طائفتين ويتنازع
فيها الوضع الإداري حسب المادة 140 التي يعود بها الدستور العراقي الى
وضعها السابق كجزء من محافظة كربلاء والتي كانت جزء من هذه المحافظة
قبل إن تلحق بمحافظة الانبار في بداية الثمانينات من العقد المنصرم،
تجد هذه الدولة بان هكذا اعمال في هذه المنطقة سيشكل مادة إعلامية
كبيرة تصب في إثارة الفتنة الطائفية والتي توسع من حركة الاقتتال الذي
تقوده القاعدة ضد الطائفة الشيعية في حركة لتوسيع الحرب في المنطقة
لغايتين:
أولهما: محاولة زعزعة الحدود العراقية السعودية والخط الرابط بينهما
ومحاولة لتهديد الأمن الداخلي السعودي بإثارة منطقة توتر قرب الحدود
السعودية كمقدمة لتواجد عناصر مسلحة بشكل مكثفا مستقبلا ومن ثم سهولة
دخولها الى داخل الأراضي السعودية.
ثانيا: استغلال الوضع العربي الحالي المنشغل (بربيعه الشعبي) لتوسيع
الحركة والنفوذ الى اغلب المناطق المحيطة بتلك الدولة وارباك الحكومات
التابعة للدول المحيطة بها في رسالة قوية لحث الحكومات على الالتصاق
بها لمنحها الهدوء النسبي.
ورغم هذه الاحتمالات الثلاث إلا إن اغلب المحللين يذهبون باتجاه
الاحتمال الأول (القوات الأمريكية) كونها المنتفع الأكبر في إرباك
الساحة في هذا الوقت بالذات الذي تمر فيه العملية السياسية في العراق
بأزمة حقيقة نتيجة الخلافات بين الكتل السياسية على طبيعة إدارة
الدولة.
ورب قائل يقول هل من مصلحة الأمريكيين إثارة الفوضى من جديد بعد أن
بذلوا الكثير من اجل السيطرة على الأوضاع في هذا البلد وقد يكون لمثل
هكذا أعمال حارقة للبلد برمته دون السيطرة على شيء؟
وهنا نقول ما بدأنا الحديث به إن الأهداف الاستراتيجية تحسب بمقاييس
واطر ومفاهيم خاصة يكون فيها العنف عند حد معين وبمواقع مطوقة وترسل
بأكثر من رسالة لأهم المتصارعين، وبغض النظر عن جميع الاحتمالات
والأهداف يبقى الخاسر الأكبر والوحيد هو الشعب والمواطن العراقي الذي
لازال يرى شبح الموت يسير معه في جميع شوارع البلد وقد تكون هذه
العلمية بداية لعلميات أكثر ترويعا بمناطق مختلفة.
* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام/قسم الرصد
والتحليل
http://annabaa.org |