آراء وافكار - وجهات نظر

عام الدجاج السياسي

كلا الحزبين الرئيسيين على وشك ترشيح مرشحين ضعيفين، يتشابهان في ميزة واحدة وهي الشيخوخة. فإذا أعيد انتخابهما، فسيكون بايدن في سن الثانية والثمانين من عمره يوم تنصيبه، وسيكون ترامب في الثامنة والسبعين. وقد قطع ترامب وعدا بأنه سيكون أكثر تشددا مما كان عليه خلال فترته رئاسته الأولى. وهدفه...
بقلم: هارولد جيمس

برينستون- كانت نهاية عام 2023 مريرة وكئيبة؛ إذ مع اقتراب الانتخابات المرتقب إجراؤها في عام 2024، اشتدت المخاوف بشأن مصير الديمقراطية والنظام العالمي. وفضلا على "الانتخابات" الرئاسية الروسية المرتقبة في مارس/أذار، ستجرى انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران، وستجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، وستشهد المملكة المتحدة انتخابات عامة قبل يناير/كانون الثاني 2025. وهناك عدة أسباب تدعو للقلق بشأن مستقبل الديمقراطية، بما في ذلك اليقين بإعادة انتخاب الرئيس الروسي المتسلط، واحتمال ظهور موجة شعبوية على جانبي المحيط الأطلسي.

ومن المؤكد أن الشعبويين لا يفوزون دائمًا في الانتخابات، وحتى إذا شكلوا أكبر حزب في البرلمان- كما حدث في بولندا وهولندا في خريف العام الماضي- لا يعني ذلك بالضرورة أنهم سيسيطرون على الحكومة. والسيناريو الذي يقلق الناس هو كون دونالد ترامب قد احتل صدارة استطلاعات الرأي في الولايات التي يجب على جو بايدن الفوز بها. ولكن فوز ترامب قد يكون أقل احتمالًا مما يعتقد مؤيدوه ومعارضوه على حد السواء.

إن هذه الاستطلاعات- التي أُجريت قبل عام من الانتخابات قد تثير القلق وتزيد من الإحساس بالزخم الذي يحظى به ترامب. ولكن إذا رجعنا خطوة للوراء، قد نلاحظ أن الصورة معقدة بدرجة أكبر. فالدينامية السياسية الحالية في الولايات المتحدة تشبه لعبة الدجاجة- اقتراح كلاسيكي في نظرية اللعبة. وهو نموذج مقتبس من مشهد "Chicken Run" من فيلم Rebel Without a Cause لجيمس دين، حيث يدخل رئيسين من زعماء العصابات في سباق سيارات مسروقة متجهين نحو حافة ليريا من سيتجنب الخطر أولا. وتعيش الديمقراطية الأمريكية والعالم نفس السيناريو.

إن كلا الحزبين الرئيسيين على وشك ترشيح مرشحين ضعيفين، يتشابهان في ميزة واحدة وهي الشيخوخة. فإذا أعيد انتخابهما، فسيكون بايدن في سن الثانية والثمانين من عمره يوم تنصيبه، وسيكون ترامب في الثامنة والسبعين. وقد قطع ترامب وعدا بأنه سيكون أكثر تشددا مما كان عليه خلال فترته رئاسته الأولى. وهدفه هو "الانتقام" والحكم بديكتاتورية لتطهير الدولة الأمريكية من معارضيه. ومع ذلك، يبدو أنه يزداد عجزا عن تكوين جمل منطقية، ولا يزال غافلا عن الحقائق السياسية الأساسية كما كان دائمًا. لقد كان للخرف تأثير كارثي على المناصب الرفيعة في لحظات حاسمة من التاريخ. فقد كان الرئيس الألماني، بول فون هيندنبورغ، في الثمانية والثمانين من العمر، ويعاني من خرف متقدم في فترة انتخابات عام 1932 التي انتهت بصعود هتلر إلى السلطة. كذلك، كان رئيس الوزراء البريطاني، رامزي ماكدونالد، يعاني من العلامات الأولى لمرض الزهايمر خلال الكساد الكبير. وبالطبع، بايدن هو من يوصف كثيرا بأنه شخص متقدم في السن. وهذا غير صحيح وظلم في حقه. والواقع أنه يظل سريع البديهة؛ ولكنه مقيد بالتراث المالي والاقتصادي للجائحة. ومع أن التضخم آخذ في التراجع، إلا أنه أقلق العديد من الناخبين، حتى في الاقتصادات القوية. وبصفته الرئيس الحالي، سيُلقى اللوم على بايدن، بغض النظر عما إذا كان ذلك خطأه أم لا. وفضلا على ذلك، يجب على بايدن أن يقلص من التوتر في العلاقات الأمريكية مع الصين، مع أن الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء يعتبرون تلك البلاد عدوا خطيرً.

إن نتائج هذه الانتخابات ستعتمد على الاعتراف المتبادل من كل طرف بأن مرشح الطرف الآخر ضعيف. وكانت جاذبية بايدن بين الديمقراطيين في السابق ترجع في جانب كبير منها إلى كونه قد تغلب على ترامب في عام 2020، عندما خسر الكثيرون من أعضاء الحزب المنافسة. ولكن الآن، يتساءل المرء ما إذا كان قائد أصغر سنًا سيكون أكثر فعالية في حشد الناخبين، خاصة الأمريكيين من فئة الشباب الذين قد لا يصوتون على الإطلاق.

وهنا يكمن التشابه مع لعبة الدجاجة: رجلان عجوزان يتسابقان نحو حافة، ويجب على كل طرف إبقاء مرشحه الضعيف في اتجاه الحافة لإقناع الطرف الآخر بإبقاء مرشحه الضعيف في السباق. وإذا سنحت الفرصة لمرشح يتمتع بقدر أكبر من الحيوية وله سجل سياسي محدود أن يدخل المنافسة في اللحظة الأخيرة، فسيحظى الطرفان بفرصة كبيرة للفوز؛ ولكن إذا كان أمام الطرف الآخر ما يكفي من الوقت لترشيح مرشح أفضل أيضًا، فستكون اللعبة لصالح أي طرف من الطرفين.

وما يثير الاستغراب هو أن استطلاعات ترامب القوية قد تغير هذه الدينامية. فإذا أجبر حزب الجمهوريين على الاعتراف بأن ترامب سيفوز في الانتخابات، فمن المحتمل أن يظل في السباق ويتجاوز الحافة. وفي ظل هذه الظروف، من المنطقي أن ينشق أنصار ترامب (بلغة نظرية اللعبة) عن عربة ترامب الكارثية ما داموا يستطيعون ذلك. والمفاجأة أننا بدأنا نلاحظ ذلك مع ظهور نيكي هالي كبديلة ممكنة له. وإذا تحولت الدينامية الجمهورية، سيكون ذلك إشارة قوية للديمقراطيين لاختيار مرشح أصغر سنًا.

إن هذا المنطق في انتخابات الولايات المتحدة مهم لأنه مرتبط بلعبة دجاجة أخرى. إذ تعاني روسيا من إرهاق اقتصادي وعسكري، ومن ارتفاع معدلات التضخم؛ بل هناك ما يشير إلى اندلاع احتجاجات من أسر الجنود الذين علقوا في صراع انتحاري. ولكن الرئيس فلاديمير بوتين كان يراهن على أنه إذا استمر طويلاً بما فيه الكفاية، فإن الطرف الآخر سينسحب وسيقلل من دعمه لأوكرانيا. وإذا أصبح الأمريكيون غير راضين وتزايدت انقسامات الأوروبيين، فقد يسفر ذلك عن "موجات التسونامي" الشعبوية الانتخابية التي يحتاجها في أوروبا والولايات المتحدة.

إن فوز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني يعني أن بوتين قد فاز بالرهان؛ وسيكون قد فاز في لعبة الدجاجة الدولية. ولكن هذه اللعبة الثانية تعتمد على الأولى. فإذا استبعدت فترة رئاسية أخرى لترامب بسبب التفاعل المعقد للحسابات الانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين، ستتلاشى احتمالية التخلي عن أوكرانيا. والأفضل من ذلك، أنه إذا كان هناك اعتراف عام بأن الألعاب الطائشة تليق أكثر بسينما هوليوود، فسندخل عصرا جديدا من العقلانية السياسية.

* هارولد جيمس، أستاذ التاريخ والشؤون الدولية بجامعة برينستون، وهو زميل أقدم في مركز الابتكار الدولي للحكم ومتخصص في التاريخ الاقتصادي الألماني والعولمة، ومؤلف مشارك لكتاب: اليورو ومعركة الأفكار ومؤلف كتاب إنشاء وتدمير القيمة: دورة العولمة
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق