آراء وافكار - وجهات نظر

العلاقات الإيرانية-العراقية في فتور

هل أن إيران على وشك فقدان قبضتها على جارها العراق؟

كوليم وود/ذاترمبيت-ترجمة أحمد عبد الأمير

 

بعد مرور أشهر على قتالها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، تشير الأدلة إلى أنه ربما يكون لدى الحكومة العراقية شعورا متناميا بالتعب من "المساعدة" التي تتلقاها من إيران.

فبعد مرور عام واحد على تسلمه السلطة، نفذ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالفعل تغييرات جذرية في مختلف أرجاء البلاد، حيث أثار العديد منها حفيظة أيران. إجراءات العبادي هذه تتسبب في تضييق النفوذ الإيراني، الأمر الذي يؤدي إلى صراعات خطيرة بين القوى المهيمنة.

تعديل حكومي

وفقا لمطالب المتظاهرين والاضطرابات المدنية، اتخذ العبادي إجراءات للحد من الفساد الذي كان مستشريا في كامل فترة حكم سلفه، فقد استهدف العبادي مجموعة كبيرة من القطاعات الحكومية وذلك من خلال تقليصه مساحات واسعة من البيروقراطية.

وبطبيعة الحال، وفي الوقت الذي أدى ذلك إلى تقليل الفساد والنفقات غير الضرورية المرتبطة بالمؤسسات الحكومية المتضخمة، فإن هناك فوائد أخرى جانبية.

لقد تنحى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من منصبه، إلا أنه ما يزال يحتفظ بمناصب معينة في الحكومة، وكان منصب نائب رئيس الجمهورية واحدا منها، ولكن ليس بعد الآن، فقد قام العبادي بتسريح المالكي في خضم حملة التجديب الحكومية. ويعد المالكي المنافس الكبير لحكم العبادي الممتد على أنحاء البلاد كافة، كونه رئيس وزراء سابق وحليف مقرب من الحكومة الإيرانية، إلا أن حملة تجديب الحكومة رأت أن المالكي والعديد من المسؤولين الآخرين الذين خدموا لفترات طويلة، سيجردوا من مناصبهم.

إضافة إلى ذلك، أطلق العبادي تحقيقا ضخما حول قضايا الفساد، ويجري حاليا إعادة التحقيق في القضايا التي تم إغلاقها سابقا، وأن العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين في الحكومة العراقية هم قيد التدقيق، والمالكي ورفاقه ليسوا في مأمن من ذلك.

ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فقد تم تحميل المالكي مسؤولية سقوط الموصل في العام الماضي بيد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، ويمكن أن تجري محاكمته في المحاكم العسكرية والمدنية. إلى ذلك، عبرت الجماعات الدينية الموالية لإيران عن دعمها للمالكي، وسرت شائعات بإن المالكي قد لا يعود من الاجتماع الذي عقد في إيران خيث اختارها ملاذا له بدلا من مواجهته المحاكم.

وكصوت موالٍ ٌلإيران في العراق، كان المالكي يمثل القطعة القوية في تصاميم طهران الكبرى للعراق، إلا أن هذه الحيلة تمت أعاقتها بفعل الحركات البارعة للعبادي.

لقد عملت إيران لسنوات مع حكومة المالكي، وألقى العديد من السنة والأقليات الأخرى في العراق باتهاماتهم لحكومة المالكي بأنها دمية بيد إيران. وعند النظر إلى سياسات المالكي الموالية للشيعة والموالية لإيران، يبدو من الصعب تصور الأمر خلاف ذلك.

قامت إيران باستثمار الكثير من الوقت والمال والجهد في سبيل الحصول على نفوذ قوي داخل النظام السياسي العراقي، وهي لا تأخذ بلطف التعديل الحكومي الذي قام به العبادي.

السيطرة على الأجواء

تستخدم إيران المجال الجوي العراقي كطريق سريع للأسلحة الإيرانية والمساعدات الأخرى التي تصل إلى الدكتاتور السوري بشار الأسد، فمنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، تمتعت إيران بوصول خال من المتاعب نسبيا للأجواء بين إيران وسوريا.

واليوم ومع ذلك، يقوم العبادي بتتبع كل ما يحلّق فوق بلاده. وفي شاهد على حادثة معينة، أجبرت طائرة نقل إيرانية على إزالة جميع محتوياتها على المدرج العراقي المعبد، ولم يستغرق الأمر سوى بضع دقائق ليتدفق بعدها الدبلوماسيون الإيرانيون وقوات الحرس الثوري الإسلامي إلى المطار.

لقد كان العراق يمثل الوصلة الحاسمة لإيران، حيث أنها بحاجة إلى الوصول إلى ومن حلفائها غرب العراق، حيث ان رفاهية الرحلات الجوية كانت من دون رادع ومن دون عوائق وتعود بالفائدة الكبيرة لكل من سوريا وحزب الله.

يمكن لإيران ان تخسر شريان الحياة هذا لصالح وكلائها إذا ما تصاعد تدخل العبادي، الأمر الذي ربما يشكل مصدر إزعاج للمصالح الإيرانية في المنطقة. ومع عدم وجود طريق واضح لإيران، فإن الأسد يمكن أن يجد نفسه مقطوعا عنها ولوحده.

ترويض سليماني

منذ أن أخرج تنظيم الدولة الإسلامية، الجيش العراقي، من شمال البلاد، لعبت الميليشيات المدعومة من إيران دورا حاسما في منع وقوع العراق بأكمله في يد تنظيم الدولة الإسلامية، وأحبطت الميليشيات الشيعية بقيادة الزعيم الذي كان ذات مرة متخفيا الجنرال قاسم سليماني، تقدم تنظيم الدولة الإسلامية باتجاه بغداد، موفرة بذلك الحماية للمواقع والمدن الشيعية، طاردة الإرهابيين من مدن محورية مثل تكريت.

ولكن هذا العنوان المبارك قد شابه أيضا مزاعم بارتكاب أعمال وحشية، لاسيما ضد السكان السنة في العراق. وبعد استعادة الأراضي المفقودة، فإن السكان "المحررين" غالبا ما يأتون تحت هجوم ثان من قبل محرريهم المفترضين وهم ميليشيات سليماني.

من الواضح ان السكان السنة مستاؤون من مدى النفوذ الذي تمتلكه الميليشيات الشيعية، وبدأ الناس يعربون عن شكواهم لدى الحكومة. وحرصا منه على الفوز بتأييدهم، بدأ العبادي بالعمل على تقويض سلطة سليماني.

وورد أن الرجلين كانا في اجتماعات ساخنة خلال الاسابيع الأخيرة، وفي واحد من هذه الاجتماعات تم رفض سليماني بعد مواجهة حامية، وتوجه الرجلان إلى التلفاز الحكومي للتعبير عن استيائهما لسياسة بعضهما البعض.

إيران لن تسمح بالعودة

إن الحقائق والمزاعم المذكورة آنفاً تتلائم مع الفكرة القائلة بإن إيران تخسر قبضتها على العراق. ومن المفهوم أنه ينبغي ان يكون هناك بعض الارتشاء من جانب الحكومة، وأن لا أحد في أي نظام سياسي حديث يريد أن يخسر السلطة. ويبدو أن العبادي في حال أقل راحة بكثير في لعب دور الدمية الإيرانية، مما كان عليه سلفه.

ولكن شئنا أم أبينا، فقد جاءت إيران هناك لتبقى. ففي ظل الإدارة السابقة، كانت قدرة إيران في التأثير على الأمة يكمن تقريباً فقط على الناحية السياسية، والآن ومع كل ذلك، تحمل إيران البطاقة الأكثر قوة للعب.

ومع تردد الولايات المتحدة في الانضمام إلى القتال، يجري السماح لإيران في أن يكون لها وجود عسكري متزايد وملحوظ في البلاد. في الواقع، أن إيران والميليشيات الشيعية هما السبب الرئيسي في عدم اكتساح العراق بصورة كاملة، فالطرق المؤدية إلى بغداد في جزء كبير منها تدافع عنها الميليشيات الشيعية، فإذا تنحت أو انسحبت هذه الميلشيات فإن الطريق ستكون قصيرة إلى بغداد.

هذه الحقيقة، وهي حقيقة أن باستطاعة إيران ان تؤرجح مسار الحرب وفقا لما تريد، يجب أن تكون حاضرة في فكر العبادي، وإلى أي مدى يمكن للعبادي حقا أن يدفع بإيران؟ قد لا يحب هذه التدخلات، أو القوة التي تلعبها الجنرالات الإيرانية، ولكن الحقيقة البسيطة هي أن العبادي في الوقت الحالي يحتاج إلى إيران.

وفيما يتعلق بالعراق، فإن إيران في سيناريو جديد تماما، فهي تمتلك نفوذا سياسيا وعسكريا على حد سواء، وهي مستمرة في المراقبة. يستطيع العبادي أن يجرب كل ما يريد لأجل زعزعة النفوذ الإيراني من بلده، لكن إيران ليست ذاهبة إلى أي مكان، فقد نسجت نفسها في المؤسسات منذ سقوط صدام حسين، والآن لديها وجود عسكري أيضاً.

إن هدف إيران الإقليمي بتثبيت نفسها ملكاً للشرق الأوسط يعني أن العراق بالغ في الأهمية من أن تدعه يفلت من يديها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق