تعتزم آلاف العائلات الإقدام على الخطوة ذاتها، بعدما لم يبق قطاع بمنأى عن تداعيات الانهيار وبينها قطاع التعليم الذي يشهد نزوحًا للتلامذة من المدارس الخاصة ذات الأقساط المرتفعة إجمالاً نحو المدارس الرسمية التي يعتبر كثيرون أن التعليم فيها أقل جودة، خصوصاً في المراحل ما قبل الثانوية...

على وقع تراجع قدرتهما المادية، قررت رولا مراد وزوجها نقل ابنهما الأوسط من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية، رغم إدراكهما الفرق في مستوى التعليم بينهما في لبنان، لكن الانهيار الاقتصادي المتمادي لم يترك لهما خياراً آخر. بحسب فرانس برس.

وتعتزم آلاف العائلات الإقدام على الخطوة ذاتها، بعدما لم يبق قطاع بمنأى عن تداعيات الانهيار وبينها قطاع التعليم الذي يشهد نزوحًا للتلامذة من المدارس الخاصة ذات الأقساط المرتفعة إجمالاً نحو المدارس الرسمية التي يعتبر كثيرون أن التعليم فيها أقل جودة، خصوصاً في المراحل ما قبل الثانوية.

وتقول رولا، وهي موظفة مياومة في وزارة المالية، لوكالة فرانس برس من منزلها في بيروت "لطالما كان أولادي تلامذة التعليم الخاص، غير أنّ الأمور تغيّرت كثيراً"، وتضيف "لم يعد بإمكاننا أن نتحمّل هذا العبء".

قبل بدء معالم الأزمة الاقتصادية في أواخر العام 2019 والتي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، اعتادت العائلة دفع ما يعادل تسعة آلاف دولار، وفق سعر الصرف الرسمي، كأقساط مدرسية لأولادها الثلاثة.

لكن مع تدهور قيمة الليرة التي خسرت أكثر من تسعين في المئة من قيمتها وتراجع قدرتها الشرائية، نقلت العائلة ابنها البكر رواد العام الماضي الى ثانوية رسمية لإتمام عامه الأخير قبل الجامعة، وتوضح رولا "دفعنا 250 ألف ليرة لبنانية (170 دولارا بحسب سعر الصرف الرسمي) كرسم تسجيل للسنة الدراسية الماضية(...) فيما كانت الكتب مجانية"، وسيحذو شقيقه ريان (14 عاماً) حذوه نهاية الشهر الحالي، بعدما لم تعد العائلة قادرة على دفع قسطه في المدرسة الخاصة.

وبات 78 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة، بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي بدأت قبل أكثر من سنتين وفاقمتها تداعيات وباء كوفيد-19 وأزمة سياسية معقدة. ونبّهت منظمات عدة بينها "سايف ذي تشيلدرن" إلى أن الفقر سيشكّل "عائقاً حاداً" أمام حصول الأطفال على التعليم، محذرة من "كارثة تربوية" ومن خطر انقطاع الأطفال من الفئات الأضعف نهائياً عن التعليم.

وأعلنت وزارة التربية في 23 آب/اغسطس عزمها فتح المدارس الرسمية بدءاً من 27 أيلول/سبتمبر، رغم انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في اليوم وشح في المازوت والبنزين تعيق التنقل والحصول على وقود للمولدات الكهربائية.

وفرض لبنان إقفال المدارس في آذار/مارس 2020. وتمّ اعتماد نظام التعليم عن بعد الذي تفاوتت فعاليته بين المدارس الخاصة والرسمية.

مجبر على التأقلم

ومع تراجع قيمة دخله الشهري، استبق سامي مخلوف (55 عاماً) بدء المدرسة العام الماضي بالانتقال من بيروت الى قريته القاع النائية في منطقة البقاع (شرق)، حيث انصرف الى العمل في مجال الزراعة، وسجّل أولاده الأربعة في مدرسة القرية الرسمية، موفراً على نفسه عناء دفع نحو 13 ألف دولار (وفق سعر الصرف الرسمي) كأقساط في المدرسة الخاصة، ويوضح مخلوف أنه وجد نفسه "مجبراً على التأقلم" بعدما "قضت هذه الأزمة على الطبقة الوسطى، وصرنا الفقراء الجدد".

وبحسب إحصاءات وزارة التربية، انتقل أكثر من تسعين ألف تلميذ منذ العام 2019 الى المدارس والثانويات الرسمية، بينهم قرابة 55 ألفاً العام الماضي وحده. وتتوقع الوزارة زيادة هذا العام بنسبة 14 في المئة في المرحلة الابتدائية و9 في المئة في المرحلة الثانوية.

ولمواجهة النزوح من التعليم الخاص إلى العام الذي يضم أكثر من 383 ألف تلميذ، تحاول السلطات إدارة الأزمة غير المسبوقة عبر الاعتماد على مساعدات وهبات من المجتمع الدولي والجهات المانحة.

وأعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب مؤخراً عن سلسلة تقديمات بالتنسيق مع الجهات المانحة مخصصة للمدارس الرسمية التي تضم أكثر من ثلاثين في المئة من إجمالي عدد الطلاب، يشمل أبرزها تأمين الكتاب المدرسي مجاناً وتركيب ألواح الطاقة الشمسية في 122 مدرسة رسمية، على أن تستكمل في 80 مدرسة أخرى للتخفيف "من عبء توفير مادة المازوت" الضرورية للتدفئة والإنارة.

وتقول مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا خوري لفرانس برس إن هذا الواقع يشكّل "تحدّياً كبيراً" لكنه أيضاً "فرصة" لإصلاح المدرسة الرسمية.

النهاية

في المقابل، يخشى القيمون على التعليم الخاص من الأسوأ في حال استمرّ الانهيار، على وقع هجرة العديد من الأساتذة والتلامذة. وبعدما أغلقت مدارس أبوابها واعتمد بعضها سياسات تقشّفيّة لتخفيف الأعباء، اضطرت أخرى الى رفع أقساطها بنسبة تراوحت بين 30 إلى 35 في المئة، وخسرت شبكة المدارس الكاثوليكية وحدها التي تضمّ 321 مؤسسة تربوية و185 ألف تلميذ، نحو تسعة آلاف تلميذ خلال العام الماضي، كما أغلقت 14 مدرسة.

ويقول الأمين العام السابق للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار لفرانس برس "إذا لم نحمِ القطاع الخاص، ستأتي نهاية التعليم ذات الجودة العالية"، ويتحدّث نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبّود عن "نزيف" في الهيئة التدريسية مع هجرة "بضعة آلاف من المدرسين" من أصل نحو 43 ألف مدرس متفرّغ ومتعاقد، بعد أن تدنّت قيمة رواتبهم التي تُدفع بالليرة اللبنانية، وتقول رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل لفرانس برس "لم نشهد وضعاً مماثلاً من قبل"، مضيفة "حتى التعليم، ركيزة مجتمعنا، ينهار".

فتح المدارس وسط انهيار اقتصادي

أعلنت وزارة التربية اللبنانية عزمها فتح المدارس الرسمية اعتبارا من الشهر المقبل، على وقع مخاوف من أن تطيح الأزمة الاقتصادية المتمادية مع ازدياد تفشي وباء كورونا بالعام الدراسي المقبل. بحسب فرانس برس.

وأفاد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب في مؤتمر صحافي عن "العودة إلى التدريس الحضوري في المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات" على أن ينطلق العام الدراسي في القطاع الرسمي على مراحل بدءاً من 27 أيلول/سبتمبر. وترك للمدارس الخاصة "حرية" بدء العام الدراسي في الفترة ذاتها.

ويشهد لبنان انهياراً اقتصادياً متسارعاً، صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف العام 1850، فاقمه تفشي فيروس كورونا. وكان لبنان في عداد أولى الدول التي فرضت إقفال المدارس في آذار/مارس 2020 بعد نحو شهر من تسجيل أولى الإصابات. وتمّ اعتماد نظام التعليم عن بعد، الذي تفاوتت فعاليته بين المدارس الخاصة والرسمية.

وقدّرت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" مطلع نيسان/أبريل عدد الأطفال الموجودين خارج مدارسهم بأكثر من 1,2 مليون طفل، من إجمالي 1,25 مليون طالب مسجلين وفق البنك الدولي، وعلى وقع الانهيار الاقتصادي، بات 78 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. ونبهت منظمات عدة بينها "سايف ذي تشيلدرن" الى أن الفقر سيشكّل "عائقاً حاداً" أمام وصول الأطفال إلى التعليم، محذرة من من "كارثة تربوية"، وخطر انقطاع الأطفال من الفئات الأضعف نهائياً عن التعليم.

ومع تفاقم أزمة شحّ المحروقات وانقطاع الكهرباء وانعكاس ذلك على خدمة الانترنت، بات التعلم عن بعد بمثابة ترف لا يمكن للمدارس والأهالي توفيره، فيما ترفع قطاعات تربوية عدة صرختها من عدم قدرتها على تحمل تكاليف تشغيل المدارس ودفع رواتب المدرسين على وقع تدهور سعر الصرف وفقدان عشرات آلاف السكان وظائفهم أو جزءً من رواتبهم.

وللتخفيف من الأعباء، أعلن المجذوب أنّه "سيتمّ اعتماد التعليم لأربعة أيام في الأسبوع" في القطاع الرسمي، وترك اليوم الخامس "لمتابعة التلامذة عبر التعلم من بعد"، وقال إن وزارته "تنسق الآن مع الجهات المعنية في الدولة والجهات المانحة لتحل الأمور المالية والاقتصادية العالقة لأن جميع مكونات العائلة التربوية تعيش محنة ما بعدها محنة" مضيفاً "الأهل في أزمة والأساتذة والموظفون في أزمة والمدارس بكل تلاوينها من خاص ورسمي ومجاني في أزمة ايضاً"، وأعلن المجذوب عن سلسلة تقديمات بالتنسيق مع الجهات المانحة مخصصة للمدارس الرسمية التي تضم أكثر من ثلاثين في المئة من إجمالي عدد الطلاب، تشمل تأمين الكتاب المدرسي مجاناً والقرطاسية لتلامذة الحلقتين الأولى والثانية، وتركيب ألواح الطاقة الشمسية في 122 مدرسة رسمية، على أن تستكمل في بقية المدارس بالتنسيق مع الجهات المانحة للتخفيف وفق المجذوب، "من عبء توفير مادة المازوت" الضرورية للتدفئة والإنارة.

ويتوقّع أن يزداد عدد الوافدين الى القطاع الرسمي هذا العام، مع عدم قدرة فئات واسعة على توفير أقساط التعليم الخاص، المرتفعة إجمالاً. وبحسب تقرير للبنك الدولي في حزيران/يونيو، انتقل 55 ألف طالب في العام الدراسي الماضي الى التعليم الرسمي، ما رتّب ضغوطاً إضافية على التعليم الرسمي.

اضف تعليق