q

الرّزية هي السوء، وتأتي أحيانا المصيبة، بحسب علماء اللغة، وجمعها رزايا، ولصقها هنا مع العنف، يأتي من باب شدة السوء، فالعنف يستجلب الرزايا، وينثرها خفافا بين الناس، فيوسع الأحقاد فيما بينهم ويوقدها، وإذا بهم يشتعلون كالحطب المُعَد للإشعال، وما بين الرزايا والعنف ألف وشيجة، كلها نتاج جذور التطرف وغلق قنوات الحوار.

كثيرون يبقى السؤال حائرا على ألسنتهم، لماذا العنف، وما هي العصبية، وممَّ يتوالد الاستبداد، ومن الذي دفع بالدكتاتوريات لكي تحزّ رقاب العدل والحق، ثم نشر رزايا الحرمان والعوز والازدراء بقيمة البشر، محفزات كثيرة تختبئ بخبث مثل الخلايا النائمة، ثم ما تلبث من أن تصحو بغتةً، فتشبّ نيران الضغائن وتشرئب بأعناقها عاليا، لتحرق كل سبل الحوار، وقد لا يعرف مشعلو الحرائق وروّاد العنف، أنه يولّد العنف المضاد، ومن أشد رزاياه وطأة شل قنوات التفاهم، وإثارة وإضرام نيران الدمار.

توجد كلمة تناسب هذا المعنى، لسماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، يجيء فيها ما يلي: (تكمن جذور العنف في الجهل والعصبية، والفهم الخاطئ للدين، والاستبداد والديكتاتورية والحرمان الاجتماعي، والظلم من قبل الحكومات والأفراد الذي يولّد العنف المضاد، وغلق قنوات الحوار البنّاء، أو ضيق هذه القنوات./ المصدر: كتاب من عبق المرجعية).

ولأن الفكر هو الذي يقود البشرية، وينقلها من طور الى طور، ومن حقبة الى أخرى، لكل حقبة أفكارها وقيمها وسلامها وحروبها وصراعاتها، فكل المشكلات تنبثق من خلل الأفكار، وقد عالج قادة الإسلام الأوائل هذا الخرق، بنشر الفكر المنعش للآداب الاجتماعية، كتعظيم العلاقة مع الوالدين، وتنظيم الأسرة، واحترام كل ذي قرابة وصداقة ورابطة جينية أو دراسية أو عملية، باختصار تركّز الشغل على تطوير الآداب الاجتماعية لضمان مجتمع منصف، حتى تسود قيم السلام، وتطفئ نيران العنف، وتفتح قنوات الحوار بأوسع أبوابها، فلا سبيل لإنقاذ البشرية إلا بالتعارف والتآلف والمحبة والتناغم السري والمجتمعي، كبديل حتمي للعنف.

يركّز سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (الآداب الاجتماعية، هي المرتبطة بحياة الإنسان الاجتماعية مثل آداب المعاشرة مع الوالدين، والأهل والأولاد، والأقرباء والأرحام، والجار والأصدقاء، والتلميذ والأستاذ، ومع كل الناس، بل كل الموجودات، وقد جاء الإسلام في ذلك بأفضل التعاليم والآداب مما يضمن تطبيقها كالسلم والسلام، والأمن والاستقرار، والتآلف والتعارف، والمحبّة والوئام بين جميع الناس، وكل أفراد البشر./ المصدر نفسه).

تطوير الفكر النفسي يساعد بقوة على تعويد الناس على التوادّ، فيمكن أن تتم مساعدة الناس في الإطار النفسي، لجعلهم أكثر تقارباً من الحكمة، وأقرب الى السلم، وأشد جنوحاً إليه، للفكر دوره في التهيئة النفسية، يمكنك أن تصنع عقل متطرف، ولكن يمكنك حتما صناعة عقل إنساني يميل الى السلام، يحدث هذا إذا عرف الإنسان ماذا سيحدث له إذا فضّل العنف على نقيضه، وما هي الأضرار النفسية التي تهشّم كينونة الإنسان وتعبث بوجوده.

لا طريق أمامنا غير مناهضة العنف ومحاصرة هذا النوع من الثقافة، فالعنف بالفعل ثقافة إذا عرفنا مصادرها، ومن أي تنبثق، وكيف نتمكن من مكافحتها، وارتقينا بأفكارنا وذواتنا فوق التوافه، سوف نتذوق النتائج الطيبة لهذا السعي المحبّب للأنفس الناصعة المستقرة المليئة بالإيمان والرحمة والاحترام العادل، إن توفير الحرية للمجتمع ستفتح الآفاق واسعة لتعميم هذه الأفكار كي تصون البشرية من شر العنف المستطير.

ومن أقوال السيد صادق الشيرازي في ذلك: (يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح أن العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية، وتوفير الحريّة للمجتمع./ المصدر السابق)ـ

وكما هو معروف أن السلم له أجواءه، والعنف كذلك، ففي حين تصنع الحرية السلام، فإن الأنظمة الدكتاتورية تصنع العنف والتطرف والاحتقان، وثبت باليقين القاطع، أن لا توجد دكتاتورية في التاريخ إلا واتخذت من العنف طريقا لها، فعلينا أن نحذر، بالخصوص الشعوب التي تحلم أن تتذوق طعم الحرية حديثاً، من بؤر القمع ورجالاته، فهناك من يتربص بنا لكي ينقضّ على السلطة بأسلوب العنف، فهذه وسيلة الطغاة، وهذا فكرهم الأحادي المشلول الذي لا يرى الحياة والعالم إلا بعين واحدة رمداء، فكيف يا تُرى يكون شكل العالم بعين كهذه؟؟.

ومن سوء طالع بعض الدول العربية والإسلامية أنها كانت – وربما لا تزال- ضحية لأنظمة من هذا النوع، تستمد وجودها من العنف، بمساعدة الفكر المتطرف والجهل والتضليل، هذه هي الأسلحة التي يلجأ إليها الحكام الفاشلون، المستبدون، الذين تتربى على أيديهم، أنواع وأشكال وأجيال من الحركات المتطرفة، كما هو حال العالم الذي ينوء بثقل هكذا أفكار مدمِّرة.

(في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والدكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرّفة والحركات التدميرية./ المصدر السابق).

هذه كلمات سماحة المرجع الشيرازي التي يحذّر فيها من العنف والتطرف، ويدعو فيها الجميع الى إرساء العدل الاجتماعي، بوساطة شيوع الفكر المعتدل الجانح دوماً الى السلم، لصنع فرص تكافئ من يستحق المكافأة، وتفتح للجميع حياة العز، في ظل مجتمع يجمعه الحوار وتنفتح فيه أبواب قنوات الفكر المسالم بعيدا عمّا يسمّيهم سماحة المرجع الشيرازي (حاملي راية العنف)، فهؤلاء لا يستحقون قيادة المجتمع.

ومن أقوال سماحته أيضا: لابد من (إرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وبالرقابة الاجتماعية، وقيام الأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف، وفتح قنوات الحوار البنّاء بين الأفراد والمجتمعات).

اضف تعليق