مقابر العظماء هي متاحف كبيرة، ومستودعات للذاكرة الوطنية، ومنارات تلهم الاجيال المتتالية بالعطاء والتجدد والابداع في هذه الاماكن المهيبة، لا يتباهى الاموات بالقابهم او انسابهم او اعراقهم او قبائلهم بل بمنجزاتهم، كيف يمكن لنا ان نتصور مقبرة العظماء في العراق، لو وجدت؟ ما هي مواصفات العظيم؟...

حين يتجول الزائر في مدن اوروبا الكبيرة، كروما ولندن وباريس وغيرها، يأسره التاريخ، من خلال المباني الاثرية والتحف المعمارية والمتاحف الغنية بالنفائس، ويعجبه الحاضر بسبب حسن تنظيم المدن والمؤسسات والادارة وتطبيق القانون، ووفرة التقنيات الحديثة، ويلفت انتباهه حضور المستقبل، مجسداً في الاستثمار الكبير بالجامعات والمكتبات ومراكز الفكر، وما بعد الماضي والحاضر والمستقبل.

هناك امر جلل يغفل الكثير عنه يتعلق هذا الامر، برجال ونساء، صنعوا كل هذه المنجزات ورحلوا عن هذه الدنيا فرادى، ولكنهم بقوا جماعات تنير ذاكرة شعوبها افراد مروا على هذه الارض و لم يكونوا عابري سبيل عليها، مروا وتركوا آثارهم الكبيرة بين شعوبهم وشعوب العالم، فاستحقوا صفة " العظماء"، بجدارة فنانون وفلاسفة وساسة وعلماء فلك وفيزياء وكيمياء وغير ذلك، يرقدون في اماكن تسمى (مقابر العظماء).

في مقبرة وستمنستر بلندن، وارى الثرى قبل اكثر من عامين جثمان الفيزيائي الشهير ستيفن هوكنغ، ليس بعيدا عن الفليسوف والفيزيائي إسحاق نيوتن الذي دفن في عام 1727، وفي موقع قريب من صاحب نظرية التطور داروين الذي دفن هناك في عام 1882 وقبور اخرى لحوالي 3300 شخصية بريطانية عظيمة تنتمي الى جميع شرائح النخبة: شعراء وكتّاب ومؤلفو موسيقى ودبلوماسيون وكهنة..هذه المقبرة، مميزة بتصاميمها التي تمثل تحفة معمارية شامخة منذ اكثر من سبعة قرون، و بزجاجها الملون، ولوحاتها النادرة ومنسوجاتها ونصبها التذكاري.

هي مقبرة ومتحف ودير غارق في التاريخ، اسس فيها الرهبان البندكتيين، تقاليد عبادتهم اليومية، وجعلوها مكاناً لتتويج ملوكهم وقبورهم بعد الموت.

وفي مقبرة عظماء فرنسا "البانثيون"، هبطت المناضلة والسياسية الفرنسية "سيمون فاي" قبل حوالي اربع سنوات الى مثواها، لتجاور قبر عالمة الذرة الشهيرة ماري كوري، و صاحب العقد الاجتماعي، جان جاك روسو، والاديب الكبير فيكتور هيجو، وملهم الثورة الفرنسية، فولتير، ومخترع اللقاح باستور، وكبار القوم من علماء وفنانين وسياسيين.

المقبرة هي بالاصل كاتدرائية تطل على باريس من جميع جهاتها، اراد مصممها جاك جيرمان، الجمع بين خفة وسطوع الكاتدرائية و المزواجة بين الفن القوطي مع المبادئ الكلاسيكية، وفق نموذج البانثيون في روما.

مقابر العظماء في لندن او باريس او روما وغيرها، هي متاحف كبيرة، ومستودعات للذاكرة الوطنية، ومنارات تلهم الاجيال المتتالية بالعطاء والتجدد والابداع في هذه الاماكن المهيبة، لا يتباهى الاموات بالقابهم او انسابهم او اعراقهم او قبائلهم بل بمنجزاتهم، منجزاتهم فقط هنا يطرح الزائر سؤالين، لا اكثر: من هذا؟ وما ذا قدم لنا وللبشرية؟

وفي سياق العظماء ومقابرهم، كيف يمكن لنا، ان نتصور مقبرة العظماء في العراق، لو وجدت؟ ما هي مواصفات "العظيم"؟

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق