توظيف وقت الطلب

تنامى دور ونفوذ الجالية الاميركية من اصول لاتينية في المشهد السياسي الاميركي باضطراد، ورفعت مكانته اعلاميا الى "الكأس المقدسة،" للدلالة على القوة الاعجازية الكامنة وغير المستغلة التي "ستبعث البهجة وفتوة الشباب" لمن يفوز بها، كما تفيد اساطير الزمن الغابر.

استمر تودد مرشحي الحزبين لنيل تأييد القسم الاعظم من افرادها، والقاء الوعود البراقة جزافا، والتي ما يلبث النكوص عنها والعمل وفق المصالح "العليا" للدولة. القسم الاكبر من افرادها يؤيد الحزب الديموقراطي، بينما يحتل اصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى والمرتبطين بأهداف المؤسسة السياسية، بعض افراد الجالية الكوبية في فلوريدا، موقعا معتبرا في هيكلية الحزب الجمهوري ورغبته الجامحة في احداث خروقات انتخابية داخلها لصالحه.

يبلغ تعداد الجالية نحو 55 مليون فرد، وفق أحدث الاحصائيات الصادرة عن معهد بيو، الشهر الماضي. ارتفعت نسبة المؤهلين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية من 25.2 مليون عام 2014 الى 27 مليون ونيف في الدورة الحالية؛ اي ما يعادل نحو 12% من مجمل اصوات الناخبين الاميركيين. ويقدر خبراء الاحصاء ان نسبة المشاركين في التصويت سيرتفع لنحو 40% لهذا العام مقارنة مع المشاركة والاستقطاب الحاد في دورة انتخابات عام 2008.

تجدر الاشارة الى ان الكثافة البشرية للجالية تقطن مدن وولايات تصنف "محسومة" لصالح احد الحزبين ، كاليفورنيا للحزب الديموقراطي، وتكساس في صف الحزب الجمهوري؛ مما يخفف من حدة الاستقطاب والصراع على كسب ودها. كما ان نفوذ الجالية اللاتينية في العملية الاقتصادية لا يقارن بما يتمتع به اليهود الاميركيين، الذين يلعبون دورا محوريا في بعض الولايات التي يجري التنافس عليها بشدة – فلوريدا مثالا – والتي كانت لها الكفة الراجحة في تقرير مصير النتائج النهائية للانتخابات.

اسفر فوز الرئيس اوباما في دورتين متتاليتين، 2008 و 2012، عن اجراء الحزب الجمهوري مراجعة قاسية لسياساته الخاصة بكسب الجالية اللاتينية على رأس الاقليات الاخرى. بيد ان الخطاب السياسي للحزب، قبل تصريحات ترامب المعادية، لم يترجم دعما او تأييدا داخل تلك الاوساط. بل ان المشهد يتسم بانكفاء اعداد أكبر من مؤيدي الحزب الجمهوري عن المشاركة في العملية الانتخابية برمتها.

الميل لترامب ام كلينتون

اشار احدث استطلاع للرأي اجرته شبكة فوكس نيوز، 11 آب، الى تفوق هيلاري كلينتون على منافسها ترامب بنسبة 46% من اصوات الناخبين بزيادة قدرها 4% عن استطلاع اجراه الشهر الماضي معهد بيو. كما اشار استطلاع بيو الى توزع الصوت اللاتيني 66% لكلينتون مقابل %24 لترامب، ولدى دخول مرشح الحزب التحرري (ليبراتاريان) في الاحصاءات يبدو ثبات تأييد كلينتون بنسبة 58% من تلك الاصوات مقابل 20% لترامب ونحو 13% لمرشح تيار الحزب التحرري – غيري جونسون.

اتساع الهوة بين كلينتون وترامب دفع يومية نيويورك تايمز، 11 آب، الى التساؤل حول حاجة الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب الى اصوات الجالية اللاتينية التي تعزف عن التصويت له بأعداد متزايدة. وشددت الصحيفة على ان ترامب بحاجة ماسة لكسب ولاية فلوريدا التي يقطنها اعداد كبيرة من تلك الجالية، بيد ان الأمر صعب المنال.

تدهور شعبية ترامب باضطراد بين صفوف الجالية اللاتينية عبرت عنه صحيفة واشنطن بوست، 12 آب، بالقول ان عامل ترامب ادى الى اعلى نسبة تدهور لتأييد الحزب الجمهوري منذ العام 1996، مما يؤيد فرضية "تدهور شعبية الحزب الجمهوري كل 20 سنة" بين صفوف الجالية اللاتينية.

ذهبت الغالبية العظمى من اصوات الجالية المعنية لتأييد الرئيس اوباما في دورة عام 2012، بنسبة 71%، مقابل 27% لصالح المنافس الجمهوري ميت رومني. كما شكلت تلك النسبة اعلى معدل لتأييد مرشح الحزب الديموقراطي منذ العام 1996 – وفق بيانات معهد بيو.

اوضحت بيانات الاستطلاعات ان الفئة العمرية الناشئة، 18 الى 35 عاما، تؤيد بقوة مرشح الحزب الديموقراطي؛ اذ حظيت كلينتون بتأييد نسبة 71% من بين تلك الفئة، مقابل 19% لمنافسها ترامب؛ وتضاءلت قليلا بين صفوف الفئة العمرية ما فوق 36 عاما، بنسبة 65% لكلينتون مقابل 26% لصالح ترامب.

النسبة العالية المذكورة لصالح كلينتون، 71%، كانت ايضا لأصوات المرأة اللاتينية؛ مقابل تأييد 61% من الذكور لها. اما ترامب فقد حصل على نتسبة تأييد تعادل 19% من اصوات المرأة، مقابل 30% من اصوات ذكور الجالية اللاتينية.

النتائج السابقة تؤشر على نموذجية جولة التصويت العام المقبلة بترجيح كفة هيلاري كلينتون خاصة بين صفوف الناشئة وقطاع المرأة، والذي جاء مطابقا لنتائج توجهات الجالية اللاتينية.

وتشير البيانات الانتخابية المعتمدة الى وجهة تصويت مزدوجي اللغة، الاسبانية والانكليزية، اذ تتمتع كلينتون بنسبة عالية ايضا، 80% مقابل 11% لصالح منافسها ترامب. حجم تلك الكتلة يشكل نحو 57% من مجموع اصوات الناخبين المؤهلين لدى الجالية المذكورة. اما الجيل المولود في اميركا والذي يتفوق بإتقان اللغة الانكليزية على لغته الأم، فيشكل نحو 43% من الاصوات. تتضاءل نسبة تأييد كلينتون بين تلك الفئة الى نحو 48% مقابل تأييدها لترامب بنسبة 41%.

محصلة البيانات والاستطلاعات المذكورة تشير بوضوح الى ثبات تأييد الجالية اللاتينيو لمرشحي الحزب الديموقراطي، الذي يجدد مناشدته للناخبين المشاركة بفعالية كبيرة يوم الانتخابات.

قلق وهواجس المهاجرين "الجدد" من الجالية اللاتينية، نحو 30% من مجموعها العام، حول مصيرهم في الاقامة والعمل تبقى حاضرة في الاذهان، ويفسر تدني نسبة الناخبين المسجلين عندهم، 49%، مقابل 69% من المسجلين السود وذو اصول افريقية؛ اما البيض فتبلغ نسبة التسجيل عندهم نحو 80%.

وتيرة اندماج المهاجرين اللاتينيين في المجتمع الاميركي لا تزال متدنية، نظرا لعدم تسوية اوضاع الكثيرين منهم قانونيا؛ ويدل ايضا على خشية جمهور الحزب الجمهوري من اضافة اعداد كبيرة للجسم الانتخابي الذي يعزف عن تأييده بنسبة عالية، فضلا عن مطالب الجنسين حديثا بمساواة الفرص مع الكتل الانتخابية الاخرى مثل الايطاليين والايرلنديين.

مستقبل الناخبين اللاتينيين

تشير البيانات الديموغرافية الى سرعة التكاثر الطبيعي بين افراد تلك الجالية، بل هي الاعلى مقارنة بالجاليات الاخرى، وهي مقبلة على تشكيل كتلة انتخابية معتبرة خاصة بها. واوضح معهد بيو قراءاته للبيانات الحكومية الديموغرافية بالقول ان الجيل المؤهل للتصويت الذي يشرف على تجاوز عمر 18 عاما يعد المصدر الرئيس لفئة الناخبين الذين يقدر عددهم بنحو 803،000 فرد كل سنة.

اما الحجم العام للجالية المؤهلة للتصويت فمن المتوقع ارتفاعه الى نحو 27،3 مليون ناخب في الدورة الراهنة لعام 2016. بين الدورتين الانتخابيتين، 2008 و2016، من المتوقع اضافة ما مجموعه 6 مليون ناخب من اصول لاتينية في المشهد السياسي الاميركي العام، يرجح انضمام غالبيتهم الى تأييد الحزب الديموقراطي.

افضت البيانات الديموغرافية الرسمية الى نتيجة مقلقة في حجم الكتلة الانتخابية، اذ لوحظ ارتفاع معدل الغائبين عن التصويت بين الفئة اللاتينية: في انتخابات عالم 2008 سجل عزوف نحو 9.8 مليون ناخي عن المشاركة؛ وارتفع المعدل الى 12.1 مليون في دورة عام 2012 على الرغم من معدلات اقبال على التصويت غير مسبوقة لأفراد الجالية.

وعليه تضاءلت معدلات النمو المتوقعة في اصوات الناخبين، من 49.9% عام 2008 الى 48% عام 2012. يرجح البعض ان عزوف الجيل الناشيء عن الالتزام بالمشاركة في العملية الانتخابية ربما يفسر تراجع النسب المفترضة.

استنادا الى تلك البيانات والتفسيرات المرافقة فان المراهنة على محورية اصوات الجالية اللاتينية قد لا ترتقي لمستوى تخصيص الموارد اللازمة لاستقطاب اصواتها.

تبلور الصوت الانتخابي

في الاحوال الطبيعية، تتأثر الجالية اللاتينية بمغريات وتحولات المجتمع الاميركي اسوة بالجاليات والاقليات الاخرى، وترسم مديات اندماجه في النسيج الاجتماعي.

من الميزات التي تنعم بها الجالية اللاتينية تزايد فرص التعليم لا سيما المراحل الجامعية، وستشهد الجولة الانتخابية الراهنة معدلات من الخريجين اعلى من الدورات الانتخابية السابقة. تشير البيانات الى بلوغ نحو 48% من الفئة العمرية 18 عاما وما فوق المرحلة الجامعية، ونيل 18% منهم شهادة بكالوريوس وما فوق؛ مقابل 20% لم تتوفر لهم فرص استكمال مرحلة الثانوية العامة.

بالمقارنة مع مستويات التعليم في انتخابات عام 2000، نجد ان نحو 36% من الناخبين اللاتينيين قد دخل مرحلة التعليم الجامعي، ونال نحو 11% منهم شهادة بكالوريوس، مقابل 32% منهم لم يوفق باجتياز الثانوية العامة.

اما حين تؤخذ نسبة البيض من الاميركيين في المجال التعليمي فيتبين حجم الهوة مع الفئات الاجتماعية الاخرى. مع بلوغ انتخابات المرحلة الراهنة مداها سيفوز نحو 63% من البيض بدخول المرحلة الجامعية؛ مقابل 73% من الناخبين الاسيويين؛ ونسبة ادنى لا تتعدى 53% بين صفوف السود وذوو الاصول الافريقية.

عند السعي لترجمة تلك البيانات والاحصائيات وتأثيرها على مسار جولة الانتخابات المقبلة نجد ضرورة للفت الانتباه لبعض الخصائص: الجالية اللاتينية بتركيبتها الحالية لا تشكل كتلة متراصة، بل تعاني من جملة تباينات، الفروقات العمرية وما تتركه من تداعيات على التوجهات الانتخابية؛ تعدد المكونات الآتية من مناطق ومجتمعات متشابهة وليست متطابقة: ذوو الاصول الكوبية، الآتين من جزيرة بورتو ريكو، ذوو الاصول المكسيكية، والفئات الاخرى. كما ان الجالية اللاتينية تعاني من الهوة بين المقيمين منذ زمن والجيل الاول المولود حديثا الذين تتباين رؤاهم وتوجهاتهم وتصل لمستوى التناقض احيانا.

استنادا لتلك اللوحة من التعددية فمن غير المرجح التعويل على "الصوت اللاتيني" ككتلة واحدة موحدة تعطي اصواتها بأغلبية كبيرة لمرشح بعينه، كما جرى الأمر مع السود وذوي الاصول الافريقية في انتخاب الرئيس اوباما في الدورتين المتتاليتين.

لا يساور أحد الشك فوز المرشحة كلينتون بغالبية اصوات الجالية اللاتينية، بيد ان العامل الأهم هو تحديد النسبة التي ستشارك في الانتخابات والدوائر الانتخابية التي سيشاركون بها.

بوسع المرء التكهن بقدر من اليسر بتحول نسبة محدودة من اصوات الجالية اللاتينية في بعض الولايات "الحاسمة،" اما الشكل النهائي لتلك الخريطة وتوزيع الاصوات فلن يتم سبر اغوارها الا بعد انقضاء الفصل الانتخابي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

* نشرة التقرير الأسبوعي لمراكز الابحاث الأميركية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق