تشكلت ملامح وجهه على هيئة طفل، أجهش بالبكاء طالباً والدته التي كانت ترقد في المستشفى، حيث أصابتها جلطة في الدماغ وفارقت روحها الدنيا قبل لحظات، صُدم ابنها بسماعه الخبرـ ولم يتمكن من تصديق ذلك، غطت عيناه نار الحقد، والقسوة جعلته يحمل سكيناً ويهاجم الردهة التي كانت ترقد فيها والدته التي لم يستطع الأطباء من إنقاذها، لان حالتها الصحية قد خرجت عن السيطرة وتدهورت كثيراً، وعند دخوله باب الردهة لم يستطع أحداً منعه خوفاً من تلك السكين التي كان يحملها بيده، ويشهرها بوجه كل من يحاول منعه من الدخول، صارخاً:

(أين الطبيب الذي قتل والدتي اريد أن اقتله بيدي)، ظناً منه ان الطبيب هو من تسبب بموتها، فعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الكوادر الطبية بشكل عام لمساعدة المرضى، والسعي في الحفاظ على صحتهم ومحاوله النهوض بالواقع الصحي من خلال بذل كافه الجهود في العمل، وتقديم أفضل ما بوسعهم، لكننا نلاحظ في الوقت نفسه الانتقاد وعدم الرضا من الناس والمراجعين، حتى اصبح الحديث عن سوء الخدمات الصحية المقدمة حديثا متداولاً بين الناس في كل مكان..

وهنا توجهنا بالسؤال حول هذا الموضوع الى الدكتورة (فدوى)، كيف ترون رضا الناس حول الخدمات الطبية المقدمة للمريض من قبلكم؟! فأجابت:

نحن نقوم بتقديم الخدمات الطبية الواجبة للمريض، ونحاول جاهدين ان نتمكن من مساعدته وإعادته الى الحياة، حتى ان كلفنا ذلك راحتنا، فنحن وجدنا من اجل هذا الهدف وواجبنا يتطلب ان نكون كذلك، وفي بعض الأحيان يستمر عملنا لساعات مستمرة دون اخذ أي قسط من الراحة.

الكادر الطبي يعمل ليلا ونهارا

أما الممرضة (آية) فقد أجابت من وجهة نظرها قائلة:

لا احد يستطيع إرضاء الناس فـ (إرضاء الناس مهمة لا تُدرَك)، مهما عملنا، فنحن في الحقيقة نعمل من اجل راحة المريض ليلاً ونهاراً، باعتبارنا المسؤولين عن المريض في المستشفى، فنكون في حالة تواصل دائم معه، ونعمل على توفير كافة احتياجاته، بالإضافة الى الخدمة التمريضية التي نقوم بها لأجل المريض، سواء كان فاقداً للوعي او بوعيه.. كما نتحمّل الآلام والمتاعب في العمل، أضف لذلك اننا معرضون الى الإصابة بكافة انواع الأمراض، ومنها الخطيرة والمعدية ولا يستطيع أهل المريض ان يروا كل ما نقوم به من اجل مريضهم، لذلك عندما يأتون أو يَرَوْن اننا نقوم بعمل ما بعيداً عن المريض، فإن ذلك سوف يخلق لديهم فكرة بأننا لا نبالي بالمريض ولا نهتم به ومشغولين بعيداً عنه، لكنهم في الحقيقة لا يستطيعون ادراك ما نقوم به.

المختبرية (إسراء) أجابت عن سؤالنا بالقول:

إن إرضاء الناس غاية لا تدرك، في ظل الظروف التي يعيشها البلاد وقرار التقشف الذي اثر بشكل واضح وكبير على طبيعة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى، حيث انعكس ذلك بصوره سلبيه على هذه الخدمات التي تقدم للمرضى، وذلك بسبب النقص في الأدوية والمستلزمات التي يحتاجها المريض، بالإضافة الى دفع بعض الرسوم داخل المستشفيات وفي المراكز الصحية، مما جعل الأهالي في حالة من الاستياء ظناً منهم ان المستشفى والعاملين بها هم أعداء لهم، وأنهم لا يريدون ان يساعدوا مريضهم، محاولين التخلص منه وذلك بسرقتهم العلاج المقدم للمريض في المستشفى، وطلبهم من الاهالي بجلب العلاج من خارج المستشفى كي يتسنى للعاملين فيها بيعه ولاستفادة من مبلغه؟! هكذا يتصور معظم المراجعين ولكن الدواء أصلا شحيح لدينا.

قلة الإخلاص في العمل

(ابو زينة 44 سنة) وهو احد المراجعين المتواجدين في المستشفى الحكومي.. يقول:

إن الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات الرسمية رديئة جدا، وان الأجهزة المتوفرة فيها لا تفي بالغرض، كما أنها قديمة ولا تؤدي الغرض المطلوب أحيانا، حيث اننا في بعض الأحيان نضطر الى إعادة الفحوصات والتحاليل والأشعة خارج المستشفى بأسعار مضاعفة تؤثر على دخلنا، ولكننا نفعل ذلك للاطمئنان على صحة مريضنا لان أكثر الأجهزة الموجودة في المستشفى لا تعمل بشكل جيد.

أما (أم زهراء 36 سنة) وهي احدى المراجعات للمستشفى فقالت:

لا احب الدخول الى المستشفيات ابدا، وذلك بسبب عدم وجود الاهتمام والاخلاص في العمل، فانا دائما افضل الذهاب الى العيادات الخارجية بسبب وجود الاهتمام الذي يحتاجه المريض، وكذلك وجود المعاملة الجيدة من قبل الطبيب وكادره المساعد، ففي المستشفى دائما يكون الطبيب في حالة عصبية، ولا يتكلم من المرضى بهدوء، أما عندما نراجعه في عيادته الخاصة فإن التعامل يكون مختلف تماما، حيث الهدوء والكلام الناعم، مع الابتسامة المرسومة دائما في وجه الطبيب، كل هذا مقابل ثمن الفحص الذي يحصل عليه الطبيب من المرضى، ولكن هناك مشكلة، فليس جميع الناس لديهم قدرة مالية تسمح لهم بمراجعة العيادات الخاصة، فيلجأ الفقراء الى المستشفى الحكومي، حينذاك تختلف معاملة بعض الأطباء مع الناس.

المحقق ف. س في قضايا الشرطة يعمل في المستشفى منذ سنوات، يقول في معرض إجابته عن سؤالنا نفسه: في الواقع ليست الخدمات هي سبب وفاة الأشخاص او تدهور صحتهم، فمن خلال عملي في المستشفى أرى الكادر الطبي يسعى جاهدا لإنقاذ آلاف الارواح ومساعدتهم، لكن تبقى هناك مشكلة أساسية ألا وهي نقص المستلزمات الطبية، وبعض انواع العلاج الضروري، بالإضافة الى أن أجهزة المستشفى اغلبها رديئة الصنع ولا تعمل بشكل جيد، فيضطر الكادر ان يعمل ما يمكن أن يعمله ويترك الباقي على ذمة (الحظ أو القدر)، لأنه شيء خارج عن إطار إرادتهم، وتبقى مشكلة الاهالي عند سماعهم خبر وفاة مريضهم يقومون بالاعتداء والضرب على الكادر الطبي دون علمهم بحالة مريضهم الصحية المتدهورة.

فعلى الرغم من التقدم والتحضر الذي وصلت اليه البلاد، إلا ان البعض ما زال يعيش في غياهب الجهل منتقدين ما تراه أعينهم فقط، دون الالتفات الى الحقيقة المخبأة خلف هذا التصرف.

اضف تعليق


التعليقات

ام فاطمه
العراق
احسنتم .الا انه بنظري ان اغلب الامراض التي نصاب بها يكون مسببها المريض نفسه لعدم الاعتناء بصحته او اهمال الوقايه وبالتالي نرمي نتائج اهمالنا على الطبيب وكادره .2016-06-16