شرعية الإنجاز هذه ترتبط ارتباطاً عضوياً باستمرار عائدات صادرات النفط الخام بـ "إرضاع" بنية الحكم والسلطة في العراق، وخلاف ذلك فلا شرعية "حقيقية" لأيّة سلطة و"بُنية" حكم في العراق، غير أن "الفئات" السياسية الحاكمة في العراق، تفهم، وتتعامل مع هذه الشرعية بشكل كارثي، وعلى جمع المستويات...

تعمل القوى السياسية الحاكمة والمتحكمة في العراق، وبشكل محموم، على تعزيز شرعيتها الدستورية، وإعادة إنتاج نفسها، من خلال الإنتخابات والآليات والأطر المرتبطة بها، ولا شيء غير الإنتخابات، فالإنتخابات هي الشكل والمحتوى الرئيس للديموقراطية بنسختها العراقيّة.

كانت القوى الحاكمة قبل عام 2003، تحكم، وتتحكّم بهذا البلد، من خلال الدكتاتورية الفرديّة "الغاشمة"، و"الفاشية"، أمّا القوى الحاكمة الآن، فهي تتحكّم بهذا البلد، وبمصادر السلطة والثروة فيه من خلال الإنتخابات، وهذه الإنتخابات قد تمنح هذه "القوى" الشرعية الدستورية فقط.. غير أن هذه الشرعية ليست "شعبية" بدليل مقاطعة الكثيرين لها في الإنتخابات الأخيرة.

ولأن الشرعية "الثورية" باتت من الماضي، ولم تعُد فاعلة في حشد تأييدٍ شعبيّ واسعٍ وكافٍ، وبما يسمح بتعزيز الإمساك بالسلطة إلى أمدٍ طويل، فإنّ الشرعية الوحيدة المتبقية والفاعلة في دولة ريعية كالعراق، هي شرعية "الإنجاز" فقط، ولا شيء غير الإنجاز.

والإنجاز هنا هو إنجاز اقتصادي، ينعكس بشكل ايجابي على المجتمع، الذي سيميل تلقائياً (وبالضرورة) إلى دعم الفريقي السياسي القائم به.

شرعية الإنجاز هذه ترتبط ارتباطاً عضوياً باستمرار عائدات صادرات النفط الخام بـ "إرضاع" بنية الحكم والسلطة في العراق، وخلاف ذلك فلا شرعية "حقيقية" لأيّة سلطة و"بُنية" حكم في العراق، غير أن "الفئات" السياسية الحاكمة في العراق، تفهم، وتتعامل مع هذه الشرعية بشكل كارثي، وعلى جمع المستويات.

إنّ الشكل والمحتوى الرئيس لشرعية الإنجاز في العراق، هو التوظيف العشوائي، والمُنفلِت لجزء صغير من جيش العاطلين الهائل، في قطاع حكومي مترهّل أصلاً، وعديم الإنتاجية، والشكل الآخر من هذه "الشرعية" هو تنفيذ (أو الوعد بتنفيذ) مشاريع شكلية – مظهرية، لم يكن لمعظمها وجود على أرض الواقع أصلاً، ولم يكتمل جزءها الآخر، بعد مرور عشرين عاماً على إقرارها، أو الإعلان عنها، أو الشروع بها، ولهذا لا تهتم الفئات الحاكمة في العراق بغير قانون الإنتخابات، وقانون الموازنة العامة، وتعمل على انجازهما بأسرع وقت ممكن.

القانون الأول يُتيح تعزيز قبضتها على السلطة والحكم، والقانون الثاني يسمح لها بأن تدعم سلطتها بـ"انجازٍ" ما، يقوم أساساً على توزيع عائدات الريع النفطي على شكل حصص يتم الإتّفاق عليها من خلال آليات رصد التخصيصات في الموازنة العامة للدولة.

بهذه الطريقة الساذجة في التعامل مع الركائز الرئيسة للحكم الرشيد، فإنّ الفئات الحاكمة في العراق تتجاهل الإقتصاد، والتنويع الإقتصادي، والتأسيس لبيئة اقتصادية ملائمة ومُستقرّة ومُستدامة، ولا تُدرِك أن الإدارة الكفوءة والسليمة للموارد، هي أهم بكثير من الريع النفطي، وما يرتبط به، وبآليات توزيعه، من سلطة ونفوذ.

إنّ دور النفط في الإقتصاد العالمي يتراجع باستمرار، وقد يزول.. ولكن سلطة ونفوذ وقوة الإقتصادات المُنتِجة، لا تزول، 99% من دول العالم لا تمتلكُ برميلاً واحداً من النفط، ولكنها تعيشُ أوضاعاً أفضل من أوضاعنا بكثير، وفي جميع المجالات، سعر خام برنت هو 71 دولار للبرميل، أي أن سعر برميل نفطنا هذا اليوم هو في حدود 63-65 دولار للبرميل.. بينما يتقاتل "الساسة" لدينا بضراوة الآن، من أجل إقرار قانون الإنتخابات، وقانون الموازنة العامة للدولة، بهدف "تقاسم" ما تبقّى لهذه الدولة من سلطة ومال ونفوذ.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق