إسلاميات - عقائد

الفطرة تهدي الى الله

تعتبر الفطرة البشرية من اقوى ما يقود الانسان ـ كل انسان ـ الى الاذعان بوجود قوة عليا وراء هذا الكون، ونظامه. فالإنسان قد جبل على الانجذاب الى الله وعلى الميل الى الايمان به بنحو فطري وذاتي قبل أن يقوده الى ذلك أي شيء آخر كالعقل وما شاكله...
بقلم: الشيخ جعفر الهادي-مقتبس من كتاب الله خالق الكون

تعتبر الفطرة البشرية من اقوى ما يقود الانسان ـ كل انسان ـ الى الاذعان بوجود قوة عليا وراء هذا الكون، ونظامه.

فالإنسان قد جبل على الانجذاب الى الله وعلى الميل الى الايمان به بنحو فطري وذاتي قبل أن يقوده الى ذلك أي شيء آخر كالعقل وما شاكله.

وهذا يعني أن معرفة الله والايمان به امر فطري قبل ان يكون امراً عقلياً.

ولكي يتضح كل هذا لابد من البحث في مسائل ثلاث أولا، وهذه المسائل هي:

(أولا) ما هو معنى الامر الفطري، وبماذا يفترق عن غيره من الأمور غير الفطرية «العادية»؟

(ثانياً) هل تنطبق مواصفات الامر الفطري على التدين والاعتقاد بوجود الله؟

(ثالثاً) ما هي النصوص القرآنية والحديثية التي تصدق هذا المدعي وتدعمه؟

هذه هي الأمور التي يجب أن نبحث فيها هنا لتتضح لنا فطرية الايمان بالله واليك تفصيل القول فيها:

الأمور الفطرية والأمور العادية:

أن النظرة الفاحصة تقودنا إلى أن القضايا والأشياء التي تسود في حياة الانسان أو يأخذ بها تتنوع الى نوعين:

(النوع الاول) ما يكون أخذ الانسان بها، وتعامله معها وانسياقه اليها بدافع الطبيعة البشرية المحضة، وبدعوة الجبلة والخلقة من دون تأثير العوامل الخارجية من اقتصادية أو جغرافية أو سياسية أو غيرها، وتسببها في ذلك.

وبعبارة أخرى: أن هذا النوع هو تلك الأمور التي يندفع اليها الأنسان في كل زمان ومكان، وفي كل عصر ومصر، لا تحت الظروف الطارئة المختلفة والمتغيرة بل بطلب من طبيعته وخلقته، بحيث ان طبيعته تقتضي ذلك، وتتطلبه وتلازمه ملازمة الزوجية للأربعة بغض النظر عن اختلاف الزمان والمكان.

فكما أن الاربعة تقتضي بطبيعتها ولذاتها الزوجية دون دخالة الظروف والأحوال، وبغض النظر عن العاد والمعدود، كذلك تقتضي خلقة الانسان هذه الامور وتطلبها بذاتها لا لخصوصية الزمان والمكان أو غيرها من العوامل الخارجية الاخرى.

وهذا القسم هو ما يطلق عليه وصف «الامر الفطري».

(النوع الثاني) ما يكون أخذ الانسان بها، وجريه وراءها تحت ضغط الظروف والاحوال الخارجة عن خلقة الانسان وجبلته، بحيث لو تغيرت هذه الظروف، أو انتفت عدل الانسان عنها ولم يجر وراءها، فهي مفروضة عليه من خارج لا من داخل الذات، وهي تتغير بتغير العوامل الخارجية وتتبدل بتبدلها على العكس من الامور الفطرية التي تنبع من داخل النفس، وتقتضيه الطبيعة البشرية بما هي وتلازمه وهذا النوع يسمى بالأمور العادية.

وتوضيحاً لهذين النوعين من الامور تمثل بالأمثلة التالية لا على سبيل الحصر.

1): ان الحنان الذي تبديه الام تجاه ولدها هو أحد الأمور الفطرية لدى الام بدليل ان هذه الخصيصة تلازم جميع الأمهات في جميع الأمصار والاعصار، وهذا يكشف عن ان هذه الحالة مغروسة في ذات الانثى وان هذا الانجاب الامومي نحو الطفل والوليد نابع من طبيعتها ومعجون بجبلتها لا انه شيء مفروض عليها من الخارج بفعل الظروف، والمؤثرات الخارجية.

ولهذا تعمد كل انثى ـ في صغرها ـ الى اتخاذ تماثيل الأطفال، وتمثل كل ما تقوم به الامهات من حضانة ورعاية وارضاع وما شابه من مظاهر الحنان الأمومي وهذه الحالة تظهر في أجلى مظاهرها حينما تغدو أماً حقيقية وذات طفل حقيقي.

وتقابل هذا الأمر مسألة اختيار الناس لكيفية الملبس والزينة، وهندسة البيوت والمنازل، ونوعية الأشربة والأطعمة، فان اشكالها وكيفياتها تتبع الظروف والاحوال المحيطية والخارجية، وليست هذه الأشكال والكيفيات بخصوصها مما تحتمه الطبيعة الانسانية أو تفرضها جبلة البشر بحيث لا يمكنه أن يحيد عنها.

ولهذا لا يتفق فيها الناس بل تتعدد مسالكهم واختياراتهم فيها، تبعا للتقاليد، والظروف الجغرافية أو الثقافية أو السياسية أو غيرها، وان كان أصل الميل الى المأكل والمسكن، والحاجة اليهما حاجة فطرية، وأصل الرغبة في الزينة والتجميل أمرا طبيعيا مغروسا في ذات البشر، وانجذاباً جبلياً لا يسع الانسان التخلي عنه، أو تجاهله وتغافله.

2) الناس جميعا يميلون بطبعهم الى العدل والقسط، ويكرهون الحيف والظلم وينفرون منهما اذا تجردوا عن سائر العوامل التي تقهرهم على تجاهل ما تقتضيه الفطرة.

وتلك رغبة شاملة ودائمة يتساوى فيها جميع أبناء الانسان ولا تنحصر بزمن دون زمان، أو مكان دون مكان، ويشهد بذلك سعي البشرية في جميع أدوار التاريخ الى اقامة العدل، واجراء القسط.

كما ويدل على ذلك أيضا اتفاق الناس جميعا في ذلك حتى اننا نجد قطاع الطرق يتواصون بالتزام العدل، والقسمة العادلة اذا سرقوا متاعا أو ابتزوا مالا!!

وما هذا الا لان الرغبة في اجراء القسط، والميل الى العدل أمور مغروسة في جبلة البشر وفطرتهم، بلا استثناء.

ويقابل ذلك ما نجده من التنوع والاختلاف في انماط الحكم فان سيادة انظمة حكم مختلفة في حياة الناس نمطا بعد نمط ولونا بعد لون دون البقاء على نمط واحد يكشف عن ان هذه الاشكال بخصوصها لم تكن بحكم الطبيعة البشرية، ولا أنها مقتضى جبلة الانسان والا لما تغيرت من نمط الى نمط، ولما تبدلت من لون الى لون، بل هي وليدة الظروف والعوامل الخارجية وان كان أصل الرغبة في اقامة النظام، واجراء العدل على يد حاكم أمرا فطريا.

وبهذا يتضح ان الامور التي يندفع اليها الانسان لا تخرج عن نوعين:

اما ان تكون أموراً فطرية تدفع اليها طبيعة البشر وجبلتهم، واما ان تكون أموراً عادية يندفع اليها تحت تأثير العوامل الخارجة عن طبيعته وخلفته.

علائم الامر الفطري:

وتتلخص علائم الامر الفطري في أربعة:

1 ـ حيث ان الامور الفطرية ذات جذور غريزية في باطن الانسان وطبيعته البشرية لذلك فهي تتصف بالشمولية والعمومية، فليس هناك أحد من أبناء البشر من يفقدها ويخلو منها.

2 ـ الامور الفطرية تتحقق وتنوجد في كيان الانسان بوحي الفطرة وندائها ولا تحتاج الى تعليم معلم وان كان نموها ورشدها يحتاج الى ذلك.

3 ـ كل فكرة أو عمل تكون ذات جذور فطرية لا تخضع لتأثير العوامل السياسية والجغرافية والاقتصادية بل هي تعمل وتتحقق بعيدة عن نطاق وضغط هذه العوامل.

4 ـ الدعايات المكثفة والمستمرة ضد الأمور الفطرية يمكن أن تضعفها وتحد من نموها، ولكنها لا تتمكن من استئصالها والقضاء عليها بالمرة.

هذه هي علائم فطرية شيء وأما الأمور العادية غير الفطرية فهي:

أ ـ محلية، خاصة بمكان دون مكان.

ب ـ تختفي تحت تأثير للعوامل المحيطية.

ج ـ تنشأ وتخضع لتعليم معلم.

د ـ تزول نهائيا بسبب الدعايات المضادة.

هل تنطبق صفات الأمر الفطري على التدين؟

بعد أن عرفنا علائم الأمر الفطري يتعين علينا الان أن نرى هل تنطبق هذه العلائم والمواصفات على التدين، لنعرف ما اذا كان الايمان بالله والاعتقاد بوجوده أمر فطرياً أم لا؟

أن النظر الدقيق يقودنا إلى أن جميع هذه العلائم تنطبق على مسألة التدين والايمان بوجود الله وتجري عليه، واليك اثبات ذلك فيما يلي:

1 ـ التدين ظاهرة تاريخية عريقة:

من خلال النظر في حياة الشعوب وسلوكهم تجد أن التدين حالة عامة، وان الانجذاب الى ما وراء الطبيعة، والايمان باله قضية عالمية لا تختص بقوم دون قوم ولا تقتصر على عصر دون عصر.

فلو تعمقنا في التاريخ البشري، وجدنا لدى البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ما يدل على أنهم كانوا يعتقدون بوجود اله لهذا الكون يرتبط بحياتهم وسائر شؤونهم، ويظهرون هذا الاعتقاد في صور مختلفة، وممارسات متنوعة تجلت في آدابهم وفنونهم وتقاليدهم، كما تشهد بذلك آثارهم وبقايا حضاراتهم وما عثر عليه في الحفريات من مخلفاتهم.

وهم وان كانوا يختلفون في تصوير الاله الذي يجمعون على الاعتقاد به الا أن نفس اتفاقهم على أصل هذا الأمر واجماعهم في هذا الاعتقاد ينبئ عن ان هذا الميل الى الاعتقاد، بل وهذا الاعتقاد بوجود الله كان متفقاً عليه بين أبناء البشر، وموجوداً بينهم منذ أن شعروا بأنفسهم، وقدروا على ضبط تفكيراتهم وهو بدوره يدل على أصالة الاعتقاد بالله وفطرية الايمان به، وان كان هذا الاعتقاد ممزوجاً في بعض الأحيان بعض الأوهام والخرافات والتصورات الباطلة.

وقد أيد العلماء والمهتمون بدراسة الحضارات وأحوال الشعوب هذه الحقيقة الساطعة، وأعلنوا عن تجذر التدين، وفطرية الايمان الديني لدى الانسان بكلمات وعبارات مختلفة، واضحة، صريحة، وها نحن نكتفي هنا بذكر بعض النماذج منها على سبيل المثال لا الحصر:

يقول جان ـ رـ ایورث (الاستاذ في جامعة كلمبیا): «لا يمكن (أو يستحيل) العثور على ثقافة أو حضارة لدى قوم من الأقوام الا وهو مصبوغ باحدى الصور الدينية... ان جذور الدين والتدين ضاربة في اعماق التاريخ... هناك في الاعماق البعيدة جداً وغير المعروفة من التاريخ» (1).

ويقول أيضاً: «اذا كان التاريخ أحد الادلة لنا، أمكن أن نقول مستنبطين من الماضي ومن تاريخ البشرية: بأن البشر كان يحس في نفسه ـ دائماً ـ بضرورة ولزوم التواضع والخضوع أمام قوة عليا، يعني تلك القوة التي هي منشأ كل الحقائق» (2).

ويقول شوبنهاور: «الانسان حیوان ميتافيزيقي» (3).

ويقول الكسیس كاریل: «الحقيقة انه يبدو أن الاحساس العرفاني حركة نابعة من أعماق فطرتنا وهي غريزة أصلية» (4).

ويقول العالم النفساني زيجموند فروید: «الدين قوة عظمى تمتلك أقوى المشاعر البشرية» (5).

ويقول يونج: «الرجال والنساء في وقتنا الحاضر متدينون فطريا بقدر ما كانوا في السابق» (6).

ويقول ویل دورانت: «الايمان أمر طبيعي، وهي وليدة حاجاتنا الغريزية ومشاعرنا» (7).

ويقول باسكال الفيلسوف والرياضي الفرنسي: «القلب هو الذي يشهد وجود الله لا العقل، والايمان يحصل من هذا الطريق» (8).

ويقول الفيلسوف والاقتصادي الفرنسي پردون: «قبل أن تكتشف عقولنا وجود الله تشهد قلوبنا بوجوده» (9).

ويقول اشبلنجر: «ان الجذور الإلهية قوة غريزية خلاقة في وجودنا» (10).

ويقول ارنست رنان الكاتب والمؤرخ الفرنسي المعروف: «يمكن أن يذهب ويمنحي كل ما نحبه من اللذائذ والنعم الحياتية ولكن من المستحيل ان يذهب الدين ويمنحي من بين البشر» (11).

ولا بد من التنبيه الى أن هذه الكلمات التي نقلناها لك عن علماء وفلاسفة أجانب تشير الى حقيقتين:

الأولى: أن ظاهرة التدين ظاهرة عالمية.

الثانية: ان لمعرفة الله جذوراً فطرية في طبيعة الانسان وكيانه.

والثانية مستفادة من الأولى لان وجود مسألة التدين في جميع أدوار التاريخ وفي جميع نقاط العالم دليل على كونها أمرا جبلياً فطرياً.

ان هذا الاجماع يدل على أن الإيمان بالله متفق عليه، وهو بدوره آية قوية على انه موجود، اذ لا يمكن ان يكون هذا الاتفاق والتوجه مسألة اعتباطية، وبلا معنی، وبلا مبرر واقعي ومنطقي، وبدون أن تكون هناك حقيقة واقعة هي التي تجذب كل هذه النفوس نحو نفسها.

٢ ـ التدين لا يوجد بسبب التعليم:

ان دراسة الانسان وحالاته تفيد بأن التدين يظهر لديه ظهوراً تلقائياً من دون تعليم معلم أو تلقين أحد، وتبرز هذه الحالة في أقوى مظاهرها في فترة البلوغ خاصة، فالشاب في هذه الفترة يفكر في خالق الكون، ويفتش عنه، ويكثر من الأسئلة حول ما وراء الطبيعة بوحي من فطرته وذاته لا بدافع من تعليم معلم أو تلقين ملقن.

وهذه الحقيقة توصل الى اكتشافها علماء النفس والاجماع مؤخراً، ونذكر على سبيل المثال ما كتبه «استانلي هال» بناء على ما جاء في كتاب البلوغ لـ: «موریس دبس» اذ يقول: كأن جميع علماء النفس اتفقوا على هذه النقطة وهي ان بين ظاهرة البلوغ، والقفزة الفجائية في المشاعر الدينية ارتباطاً وصلة».

ففي هذا الحين بالذات يظهر لدى الانسان نوع من النهضة الدينية حتى عند اولئك الذين كانوا قبل ذلك من غير المكترثين بقضايا الدين والايمان ويعودون ـ بعد فترة الكمال والنضج هذه ـ الى نفس الحالة السابقة من اللامبالاة بالنسبة الى قضايا الدين أيضاً.

وحسب نظرية «استانلي هال» فان أكبر قدر من هذه المشاعر الدينيّة تظهر في حدود السنة السادسة عشرة، وهذا التحول يمكن اعتباره صورة مختصرة عن اتساع الشخصية لدى الشباب، وتكاملها.

ثم يقول: «وأما الذين مروا في طفولتهم بتربية دينية فلا تظهر عندهم هذه النهضة والوثبة الدينية بصورة فجائية، بل تشتد محبة الله لديهم في هذه الفترة ـ وحسبما يقول «پ بووه» ـ تختلف هذه الرابطة والعلاقة عن العلاقة التي كانوا يحسون بها في دنيا الابوة والبنوة عندما كانوا صغاراً.

وهذا العشق والحب يتخذ صورة نوع من أنواع التعاون، وخصوصاً بين الفتيات مقروناً بالقفزات العرفانية، وبالتالي فان في هذه الفترة بالضبط تظهر التوجهات والأحاسيس الدينية في صورة دقيقة (12).

نعم إن هذه الظاهرة وان كانت لا تحتاج في نشوئها الى تعليم أو تلقين، ولكنها تفتقر في نموها وتكاملها إلى المعلم، فتتكامل اذا توفر التعليم الصحيح، والتوجيه الصالح، حتى تتخذ صورة الايمان الواضح والعقيدة اليقينية.

3 ـ التدين ليس وليد العوامل المحيطية:

ان وجود التديّن في جميع البلاد والمناطق، على اختلاف مناخاتها، وطقوسها الجوية، واختلاف أحوالها الطبيعية خير دليل على فطرية هذه الظاهرة، والا لزم أن يكون التدين موجوداً في بلد دون آخر تبعاً للجو والطقس وغيره من العوامل المحيطية والبيئية كما هو الحال بالنسبة الى أشكال الألبسة، وكيفيات المطاعم والمآكل، وهندسة البيوت والأبنية التي تختلف من قطر الى قطر ومنطقة إلى منطقة تبعاً للظروف المحيطية المتنوعة.

فأنى ضربت في ارجاء هذه المعمورة وجدت المساجد والمعابد، والكنائس والأديرة، والهياكل والاماكن المخصصة للعبادة، وسمعت أصوات الأذان، ودقات النواقيس تخترق الفضاء وصيحات الذكر والدعاء، والضراعة والابتهال تتعالى في الأجواء، ورأيت قرابين تقدم، ووجدت بخوراً ونشيداً وطقوساً والتماسات من غير فرق بین قارة وأخرى، ومنطقة وثانية، وشعب وآخر.

فالتدين ظاهرة عالمية شاملة وليست تابعة للعوامل المحيطية أو الجغرافية.

4 ـ التدين لا یزول بفعل الدعاية المضادة:

ان بقاء ظاهرة التدين في البلاد التي تكثر فيها الدعاية المركزة ضد العقيدة الدينية والايمان بالله كالاتحاد السوفياتي وغيرها من البلاد الاشتراكية والشيوعية رغم تقادم الزمن، وتوالي سنين طويلة وعديدة على مبدأ هذه الدعاية، خير شاهد على أنّ هذه الظاهرة نابعة من فطرة الناس ومن أعماق جبلتهم وطبيعتهم التي لا يمكن أن تنالها أيدي الازالة والمحو، ولا تجدى في استئصالها محاولات القمع والابادة.

واليك فيما يلي نماذج من الاعترافات المنشورة في صحف روسية تشهد بهذه الحقيقة أي بقاء واستمرار التدين والاعتقاد بالله في أعماق الناس رغم شدة الدعايات المضادة.

١ ـ تجتذب البقاع والمزارات المقدسة باستمرار اعداد كبيرة من المسلمين ومن جملة هذه الأماكن المقدسة جبل سليمان في «قرقيزيا» ورغم أن حرس «كمسمل» المنتشرين حول هذا الجبل يمنعون الناس من ارتياده فان الناس لا يكترثون بهذا المنع، وقد قررت اللجنة المركزية للحزب في هذه المنطقة هدم المزار الموجود في هذا الجبل ولكن العمال المسلمين الذين كلفوا بهدمه امتنعوا عن ذلك. (13)

2 ـ شكت جريدة قرقيزية من انه لا تزال هناك الى الان بقایا ورواسب دينية مستمرة بقوة لدى جماعات من الشباب. (14)

3 ـ يجتمع في مسجد لینینگراد الأن في أيام العطل الدينية ما يقرب من (12) ألف شخص (15) وفي الاعياد الاسلامية الكبرى تمتلئ الأزقة المجاورة لمسجد موسكو ودهاليزه وساحاته بجموع المصلين الذين يفيضون ایمانا. (16)

التدين ونظرية البعد الرابع:

وربما عبر عن هذه الفطرة الدينية، أو التدين الفطري بالبعد الرابع للروح الانسانية وذلك عندما استطاع (في حدود عام 1920 م) أحد الفلاسفة الالمان باسم «رودلف ات» أن يثبت بأن هناك إلى جانب العناصر العقلية والأخلاقية في كيان الانسان عناصر فطرية وراء العقل هي منشأ الحس الديني.

ففي مقال تحت عنوان «البعد الرابع للروح الانسانية» نشر في مجلة باريسية في اكتوبر 1958م جاء:

«يتميز هذا العصر بأنه اكتشف فيه مقولة رابعة الى جانب المفاهيم الثلاثة: الجمال والخير والحق وهي مقولة قدسية أو إلهية وتشكل في الحقيقة البعد الرابع للروح الانسانية».

وهذا يعني انه كما يوجد في الانسان انجذاب طبيعي وفطري نحو الحق والخير والجمال، فان لديه ايضا انجذاباً طبيعياً أو فطرياً، نحو «قوة عليا» وراء الكون ونظامه: وهذا هو معنى قولنا التدين قضية فطرية.

..............................
(1) و (2) الدين في تجارب الحياة البشرية وحوادثها.
(3) الميتافيزيقيا لفليسين شاله.
(4) كتاب: الدعاء لا الكسیس كاریل.
(5) فرويد والقرويدية لفليسين شاله.
(6) علم النفس لدى يونج لفريد افورد هام.
(7) لذات الفلسفة.
(8) سير حكمت در اروپا لفروغى بالفارسية.
(9) قصص القرآن للبلاغي.
(10) فلسفة التاريخ لامرى أنف.
(11) سير حكمت در اروپا.
(12) ـ كتاب «البلوغ» لموريس دبس ـ الاستاذ في جامعة استراسبورغ ـ مترجما.
(13) ـ كمسمل قيرقیزي ـ اول مارس 1964 م.
(14) ـ كمسمل قيرقيزي ابريل 1۹65 م.
(15) ـ برافدا لينينغراد 1۹65.
(16) ـ كمسمل مسكو 29 / اكتوبر / 1۹64 م.

اضف تعليق