لا شك في ان الانتخابات هي من أبرز سمات التداول السلمي للسلطة كما وإنها تعد ركيزة هذا التداول والتي بواسطتها تنتقل السلطة او الحكم من شخص او حزب الى اخر وبحسب نوعية النظام بطبيعة الحال، اي انها الالية التي يتمكن من خلالها الشعب في اختيار الاشخاص الذين يراهم مناسبين لمسك السلطة.

والأمر ينطبق على مختلف الانظمة السياسية لا سيما الديمقراطية منها باعتبار ان الانظمة الدكتاتورية ايضاً تلجأ للانتخابات في كثيرا من الاحيان لكنها تهدف لإضفاء نوع من الشرعية العلنية سواء كانت امام الجماهير او حتى على مستوى الاعتراف الدولي عبر استخدامها لطرق عدة لتزوير الانتخابات او ترهيب الشعب وإجباره على اختيار حزب او شخص معين او تقديم الرئيس باعتباره مرشحاً وحيداً للبلاد! اما في الانظمة الديمقراطية فالأمر أكثر ايضاحاً عبر اتاحة كامل الحرية للشعب في التصويت واختيار من يمثله.

وبالانتقال لموضوع العراق فانه قد خاض التجربتين فقبل 2003 وبالتحديد ابان حقبة حزب البعث كان التصويت للحزب الواحد والشخص الواحد اما بعد 2003، فالأمر تغير جذرياً عبر الدخول بمرحلة الانتقال والتحول الديمقراطي فيما كانت ابرز ملامح هذا التحول هو العملية الانتخابية اذ شهد العراق قرابة الخمسة ممارسات انتخابية خاضها حتى اليوم بالرغم من حداثة التجربة وقلة الوعي والثقافة الانتخابية مع المشاكل المرافقة لعملية التصويت او حتى قانون الانتخابات او ما يتعلق بالترهيب والترغيب غير القانوني لإجبار الناخب بالتوجه نحو اختيار ما، كما ان الفوضى السياسية وكثرة الاحزاب والكتل السياسية ناهيك عن الاساليب الطائفية والقومية في استمالة الناخب ولا ننسى العامل الديني في التأثير على خيارات الناخب.

لذلك ليس من السهل ان تتبلور ثقافة انتخابية واعية لدى الناخب مع وجود كل هذه المؤثرات خصوصاً اذا ما عرفنا ان المرشحين يلجئون الى طرق ملتوية في استمالة الناخب نحوهم واستغلال نقاط الضعف لديه كما حصل في اطلاق الوعود بتحسين مستوى الخدمات وتبليط الشوارع وتعيين الشباب وإطلاق وعود غالبيتها تتلاشى حال وصول النائب لقبة مجلس النواب وربما يكون ليس من صلاحياته اصلاً وهي محاولة واضحة لكسب الأصوات، ايضاً يعتبر النظام البرلماني والى حدٍ ما جديداً على الواقع العراقي بدليل ان الكثير لا يعلم حقيقة دور النائب وعلى المستويين الشعبي والرسمي فعلى المستوى الرسمي الكثير من النواب غير واعي لدوره فتراه يسعى بكل ما يستطيع للحصول على منصب تنفيذي ناسياً ان دوره يكمن في مراقبة ومحاسبة من هو في المستوى التنفيذي ومن اعلى الى ادنى مسؤول في الحكومة.

وحتى على المستوى الشعبي لم تتبلور لدى كثير من فئات الشعب المعرفة التامة بالدور الحقيقي الذي يقع على عاتق البرلماني فتراه يصدق او يسير خلف الوعود التي يطلقها ذلك المرشح والتي هي اصلاً ليس من تخصصه، ايضاً الاصطفاف الطائفي والقومي له الاثر الاكبر في اختيار الاشخاص وهذا يعود لطبيعة الاجواء الطائفية المشحونة فكثيراً من المواطنين تراهم يخرجون للتصويت لصالح شخص لمجرد انه قد دافع او نادى بحقوق طائفتهم ومن على وسائل الاعلام، كما وان استعمال المال السياسي واضحاً للعيان عبر الصرف غير المحدود على حملات الدعاية الانتخابية لا سيما من هم اصلاً في السلطة حتى تصل الامور ببعض الاحيان لشراء ذمم انتخابية او تقديم رشا او حتى استخدام هذه الاموال لتحسين بعض الخدمات قبيل موعد الانتخابات في محاولة لإيهام الناخب.

وبعد قرابة اقل العام على انتخابات مجالس المحافظات واقل العامين على انتخابات مجلس النواب بدأت بعض ملامح الدعاية الانتخابية المبكرة وعلى مختلف المستويات وعلى سبيل المثال: تعج في هذه الايام ومن على مواقع التواصل الاجتماعي اطلاق صفحات تحمل عناوين غير مباشرة وهي في حقيقتها تابعة لحزب معين او مرشح ما مثلاً تحمل عنوان انصار المرشح كذا او محبين الحزب ص او جماهير وانصار الجبهة س، ومن الملاحظ اول ما تقوم بنشره تلك الحملات هي عبارة " هذه الصفحة لا تمثل الحاج او الشيخ او السيد فلان بل نحن مجموعة من المحبين" فيما تقوم بنشر كل تحركاته ونشاطه وكل ما يقوم به حتى لقائه مع المواطنين، النوع الاخر والذي ايضاً بدأ يلوح في الافق ذهاب المسؤولين لجبهات القتال وهنا لا نقصد بعض المسؤولين الذين تشهد لهم الميادين بالتحاقهم منذ الايام الاولى للمعارك بل نشير هنا الى بعض المسؤولين والنواب الذين ربما عرفوا تواً ان هناك معارك وقتال مع الجماعات الارهابية فتراهم ذهبوا للسواتر الامامية يرتدون البزة العسكرية ويلتقطون صوراً تذكارية ويعودون مسرعين لأماكنهم الامنة، ايضاً البعض التجأ الى الورقة الطائفية او القومية والعنصرية فتراه يتنقل عبر وسائل الاعلام ويكرر ما قاله مسبقاً لعله يحظى بعواطف بعض الناس.

فيما رفع البعض شعار مكافحة الفساد في هذه الايام متناسي ان الفساد في العراق اصبح ثقافة سياسية يتمتع بها بعض المسؤولين في مرحلة ما بعد 2003 وبطبيعة الحال ان مكافحة الفساد من الامور الواجبة شريطة ان يكون شيئاً واقعياً يهدف من ورائه لمحاسبة اولئك الفاسدون وليس ان يتخذ من الامر شيئاً اعلامياً ودعائياً، كذلك ان البعض قد شعر بوجود دائرة انتخابية ومواطنين قد منحوه اصواتهم لذلك سارع بفتح ابواب مكتبه على مصراعيها لاستقبال المواطنين والاستماع لمطالبهم وشكواهم والذهاب لدور الفقراء واليتامى وتقديم لهم المساعدات برفقة كاميرات التصوير طبعاً.

في مقابل ذلك ان جزءاً من المسؤولية يتحملها الناخب فعليه ان يميز ويعي ويدقق في من يختار وإلا سيكون جزءا من المشكلة وليس عذراً ما يذهب اليه البعض في تعليل الاختيار غير الصحيح بحداثة التجربة فهذه سادس عملية انتخابية كان من المفروض ان تتراكم خبرة لدى المواطن وان لا يكرر اخطائه وإلا البقاء في نفس الدوامة، كما ان العزوف عن المشاركة في الانتخابات ليس صحيحاً وليس حلاً كما يروج البعض بالدعوة لعدم المشاركة معناه التخلي عن حقك في التعبير عن طموحك وصوتك وبنفس الوقت قد فسحت المجال لصعود من هم ليسوا مؤهلين لتولي المسؤولية وذلك ان انخفاض نسبة المشاركة تؤثر بشكل كبير على القاسم الانتخابي وبالتالي فأن هؤلاء المرشحين غير الكفوئين لديهم اشخاص محددين ويخرجون للتصويت لهم بأسوأ الظروف في المقابل قلة المشاركة معناه صعود هؤلاء.

لذلك القاعدة تقول "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" ونحن بسادس حملة انتخابية وتعاد الكرة من جديد وتعاد نفس الاخطاء فالحل اولاً واخيراً بيد المواطن عبر ابداء رأيه لمن هو معروف بالنزاهة والكفاءة والعمل ومن هم مجربون في الاخلاص وإلا فالتصويت للفاسدين معناه خيانة لأمانة الصوت وبقاء الاوضاع كما هي دون تغيير.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق