q
حدث أن أكون يوم الجمعة الماضي في طهران، وبودي نقل بعض المشاهدات لحضراتكم، ولا أكتمك سرا ان مع كل مشاهدة تبرز صورة بغداد بين عيني، لأعقد مقارنات مشوبة بالحزن والاحباط بين المدينتين، وعتب على بعض السياسيين الذين قضوا وطرا من أعمارهم في هذا البلد الجار...

قال: ان الصورة مختلفة تماما، لم نأخذ كلامه على محمل الجلد، وبررنا قوله بأن استرخاء السفرة مازال مفعوله ساريا، وكان تحدث لنا وهو الاستاذ الجامعي المتخصص في الاعلام عن الصورة الذهنية التي كانت راسخة في ذهنه عن ايران، والصورة التي وجدها على أرض الواقع، وخلص الى ان لوسائل الاعلام دورها الفاعل وربما أكثر من التي أشارت لها الدراسات الميدانية في تشكيل الصور الذهنية.

ومع ان هذا الكلام قد مضى عليه ما يقرب من العقد والنصف وبالتحديد عند زيارة الرئيس الايراني الاسبق نجادي، اذ طلبت السفارة الايرانية من الصحف التي ترغب بإيفاد من يمثلها الى ايران لمرافقة الرئيس أثناء زيارته الى بغداد، وبوصفي مديرا لتحرير أحدى الصحف الخاصة وانشغالاتي المتعددة، قررت تكليف أحد الزملاء الأكفاء بتغطية هذا الحدث المهم في حينها .

وبعد مرور هذه المدة الطويلة حدث أن أكون يوم الجمعة الماضي في طهران، وبودي نقل بعض المشاهدات لحضراتكم، ولا أكتمك سرا ان مع كل مشاهدة تبرز صورة بغداد بين عيني، لأعقد مقارنات مشوبة بالحزن والاحباط بين المدينتين، وعتب على بعض السياسيين الذين قضوا وطرا من أعمارهم في هذا البلد الجار .

وصلت طهران في ساعة مبكرة وأول ما لفت نظري تشجير جميع شوارع المدينة حتى اني صرت أبحث عن الشوارع غير المشجرة فلم أجدها، وندرة وجود مساحة قريبة او بعيدة عن الشوارع لم تشجر، وهذا ينم عن جهد كبير ومتواصل وعلى مدى عقود بذلته بلدية المدينة، لأن من الأشجار من تجاوز عمرها العقدين وربما أكثر من ذلك.

في هذه اللحظة شرد ذهني وعاد بي الى بغداد التي تكاد تخلو من الأشجار قياسا بما رأيت، وكيف ان المدينة لا تطاق، وبمجرد أن تهب ريح ترابية بسيطة تصل الى ساحة التحرير من دون أي مصد، أما الأحزمة الخضراء التي تحدثوا عنها فمجرد كلام، ومع ذلك يستغربون توتر الشخصية العراقية وانفعالها الشديد، او اكتظاظ مشافينا بالمرضى التي لم تعد تسعهم، فاكتظت بهم عيادات الأطباء .

لم أر طوال تجولي في المدينة راكبا او راجلا قنينة ماء فارغة او كيس بلاستيكي من تلك التي نتسوق بها، بل رأيت رجال البلدية يجمعون الأوراق المتساقطة من الأشجار فقط .

مدينة طهران بسعتها وعدد سكانها الذي يفوق سكان بغداد بكثير لا يمكن للبلدية وحدها القيام بهذا العمل الجبار الذي وصلت نظافته الى أزقة الأحياء الشعبية، وخلصت الى ان جزءا كبيرا من ذلك مرتبط بذوق المجتمع، وحرصه على نظافته مدينته، والحرص نابع بالتأكيد من حبهم لوطنهم، فبغير هذا الحب تجد من يرمي مخلفاته من نافذة السيارة او وسط الزقاق او في الصف الدراسي او ممرات الكلية، وهنا توقن ان التحصيل العلمي العالي لا جدوى منه، لأنه لم يجد تجسيدا له في السلوك، وبالتالي هو تحصيل فارغ لا قيمة له .

ومع ان حب الأوطان راسخ في الوجدان كما قلت سابقا، لكنه بحاجة الى تعزيز، وبغير التعزيز يتراجع وربما يتلاشى، لذا علينا أن نستثمر في اعمار الانسان ثقافيا، والا سنجني ما لا نتوقعه، وعندها لن ينفعنا عض الأصابع .

أرى في كل صباح عمال بلديتنا ينظفون الشوارع، وفرقهم تعمل في الأحياء، ومع ذلك مدننا قذرة وكأن عمال النظافة لا يعملون، بالتأكيد عندما لا يجد عامل النظافة جدوى من عمله سيتقاعس، وتقل كفاءة عمله، لا أظننا قادرين على الوصول الى نظافة طهران على مدى العقود القادمة، مالم نرسم برنامجا ثقافيا حقيقيا وجادا لتثقيف تلاميذنا وطلبتنا وليس زيادة سيارات البلدية او أعداد العمال.

واذا كان العراق من أوائل الدول تأثرا بتغيرات المناخ، فان الاعلاء من درجة الجهة المكلفة بهذه المهمة صار أمرا ضروريا، وان يرصد لها ما يكفي من الأموال لتشجير شوارع المدن وزراعة الغابات والأحزمة الخضراء ضمن سقف زمني محدد ومتابع .

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق