هذا ما يحاول الحاكم المستبد تسويقه، في محاولة منه لإضافة القداسة والحصانة لنظامه تحت ذريعة الحكم الإسلامي الذي يستمد تعاليمه وفق الشريعة وتطبيق حكم الله) وقوانينه في الارض، وبالتالي منع اي اعتراض او احتجاج ضد حكمه، واعتبار الرفض او التظاهر ليس ضده وانما ضد الإسلام والشريعة، لأنه يطبق احكام الإسلام...

الحرية حق اصيل يمتلكه الانسان الحر ولا يمكن التفريط به او التنازل عنه، وهي ليست منه او فضل حتى يمنحها الحاكم او النظام لرعاياه، فهي ولدت مع الانسان، ومتى ما سلبت منه يفقد كل شيء معها، ويتحول الى فرد مسير مسلوب الإرادة والكرامة، لا يقوى على فعل شيء او تغيير الواقع او السعي نحو الإصلاح والحياة الكريمة، لذلك هذا ما سعت اليه الأنظمة المستبدة منذ نشأتها وسيطرتها على مقاليد الحكم، سلب الحرية من المجتمع وتحويلهم الى افراد لا حول لهم ولا قوة.

هذا هو الاستبداد والاستئثار في الحكم، والحاكم الظالم يسعى في أولى خطواته نحو تثبيت اركان حكمه المستبد الى سلب الحقوق الطبيعية للفرد وفي مقدمتها الحرية، لما تشكله من خطر المعارضة وضغط طلب التغيير والإصلاح الدائم على استمرار حكمه، والرفض للظلم والعدوان والاستبداد لدى الحاكم واعوانه، وبالتالي خلق صراع دائم بين الحاكم المستبد ورعاياه التواقين نحو الحرية والحكم العادل.

الحرية هبة الله (عزوجل) للإنسان، ومن دونها لا يمكن ان يسمى الانسان بهذا الاسم، او يعيش حياة الانسان، ومحاولة سلبها تحت أي ذريعة او مسمى هو امر مرفوض ولا يمكن التساهل معه او قبوله في جميع الأحوال، والأخطر من ذلك كله، عندما يسلب الانسان الحرية والكرامة بدعوى الحفاظ على بقاء الأنظمة الإسلامية الحاكمة او الحاكم لأنه يمثل حكما اسلاميا، وبالتالي الاعتراض عليه او محاولة الخروج ضده قد يعرضك الى الاعتقال والتعذيب والسجون والقتل، لأنك خالفت النظام والحكم الاسلامي، وهذا يمثل الخروج على الإسلام.

هذا ما حاول ويحاول الحاكم المستبد تسويقه، في محاولة منه لإضافة القداسة والحصانة لنظامه تحت ذريعة الحكم الإسلامي الذي يستمد تعاليمه وفق الشريعة وتطبيق حكم الله (عزوجل) وقوانينه في الارض، وبالتالي منع اي اعتراض او احتجاج ضد حكمه، واعتبار الرفض او التظاهر ليس ضده وانما ضد الإسلام والشريعة، لأنه يطبق احكام الإسلام.

الجميع يعلم، بما فيهم الحاكم المستبد نفسه وزمرته واعوانه، ان هذه الطريقة في إدارة الحكم والدولة هي طريقة فاشلة، بل وتقود الدولة الى الانضمام الى قائمة الدول الفاشلة أيضا، وان الدين الإسلامي الحنيف بعيد كل البعد عن استبداد هؤلاء الطغمة الفاسدة وقسوتهم، وانما جاء (الإسلام) لإيقافهم وكسر الاغلال، ومنح الانسان كامل حقوقه في الحرية والكرامة والسعادة والامن والعيش بسلام ورفاهيه.

والحقيقة ان الإسلام جاء من اجل رقي الانسان ورفعته، ورفع القيود التي تثقله او تعيق طريقة وتمنعه من التطور والتقدم نحو الامام، وهو عكس ما يسعى اليه المستبدون من ظلم وعدوان، وهو ما عبر عنه المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بقوله: "الاستبداد واكتناف المسلمين بالقيود، أي انعدام الحرية تنعدم فرص الارتقاء، فالأغلال هي العقبة الكؤود التي تحول دون تقدم الشعوب ورقيها، وكما تتنوع الاغلال والاصار المثقلة لكاهل الانسان"، كما ان الإسلام يرفض الاكراه الذي يمارس تحت ذريعة الإسلام: "الإسلام يهدي ويرسم الطريق، وبعده لا اكراه في الدين، وكل أنواع الاكراه مرفوضة فيه، والحريات الموجودة في الإسلام لا نظير لها في التاريخ".

ان الإسلام يدعوا الى كسب ود الناس وعدم التصادم او اللجوء الى القسوة والعنف في الحياة اليومية، فما بالك عندما يتولى الانسان مسؤولية إدارة الحكم ويصبح مسؤولا عن رعاية وحفظ حقوق وكرامة الملايين من البشر: بقول المرجع الشيرازي: "إذا استطاع الانسان كسب ود الناس والفتهم وعدم تنفيرهم عن نفسه، أصبح أكثر توفيقا في اموره واعماله"، وبالتالي أي دعوة يطلقها الحاكم او المسؤول باسم الإسلام الى اللجوء الى العنف او التصادم او استخدام القسوة او الاستبداد في الحكم او سلب حقوق الافراد مهما كانت صغيرة او غير مؤثرة في نظر هذا الحاكم ونظامه، فهي دعوى باطلة وظالمة ولا تمت للإسلام وتعاليمه السمحاء باي صلة، وهي دعوى صادرة من حاكم مستبد ونظام ديكتاتوري، مهما وضع من شعارات ورفع اللافتات.

"من الحق الشرعي والقانوني أيضا حرية التعبير عن الرأي واستخدام أي وسيلة إعلامية من وسائل الاتصال، كما ان من مصاديق حرية التعبير، تأسيس الجمعيات والتنظيمات والأحزاب المخلصة وإقامة المؤتمرات والندوات وغيرها، ومتى صودر هذا الحق معناه الانزلاق الى هاوية الدكتاتورية والاستبداد، وامتلاء السجون بالأبرياء"

الخلاصة

الإسلام، وبخلاف ما يروج له المستبدون وحكوماتهم الاستبدادية، يعتبر الحرية المفتاح نحو كل خير وسعادة، والاستبداد وسلب الحرية المفتاح لكل شر، وبالتالي التمسك بالحرية وعدم التنازل عنها ورفض الاستبداد تحت أي عنوان، هو الخطوة الأولى نحو التقدم والإصلاح، ولا يمكن تحقيق ذلك الا بفهم هذه الحقوق فهما حقيقيا وعدم التنازل عنها مقابل وعود او شعارات لا قيمة لها امام عظمة هذه الحقوق التي منحها الله (عزوجل) لكل انسان عاقل، وعنها يقول الامام الراحل السيد الشيرازي: "لكي نبدأ بحركة تغيير وإصلاح واقعنا المأزوم وصولا الى واقع صحي وواعد، ومن النقطة الصحيحة، ينبغي تحقيق واحد من اهم أسس الحياة وديمومة التحرك نحو الأفضل وهي الحرية التي هي أساس البقاء ثم التقدم، فإن الانسان إذا لم يكن حرا فلن يظل حيا فكيف يمكنه ان يتقدم؟

وان العمل للحياة لا يكون الا بالحرية، فاذا لم تكن حرية لم يكن عمل للحياة، ان الانسان حتى لأجل اكله وشربه ولبسه ومسكنه ومركبه ومنكحه يحتاج الى ان يكون حرا، فاذا لم تكن له حرية فهل يتمكن من العمل للحصول على كل ذلك؟

مع ذلك، إعادة الحرية تحتاج الى ملء النفوس بها والتواصي فيها حتى يطلبها الكل، وحينذاك نتمكن من ان نبدأ السير نحو التقدم، قال سبحانه: (ولقد كرمنا بني ادم) الاسراء:70، ولكن الانسان في الحال الحاضر في بلاد الإسلام اقل حرية حتى من الطير والوحش والبهيمة، فإنها تفعل كل ما تشاء، لكن الانسان في بلاد المسلمين لا يتمكن من ان يفعل حتى عشر ما يشاء".

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2022
http://shrsc.com

اضف تعليق