الفصل السابع هو الخيار الأكثر قسراً المتاح في التعامل مع التهديدات للسلام وأعمال العدوان، ويمنح مجلس الأمن عددا من الإمكانات التي تتراوح من فرض العقوبات إلى استخدام القوة، اما البلدان الخاضعة لتدابير الفصل السابع تشمل: ليبيا، إيران، الصومال، إريتريا، ليبيريا وساحل العاج وكوريا الشمالية والسودان...

بدأت اجراءات وضع العراق تحت طائلة عقوبات الفصل السابع منذ غزوه للكويت في 2 اب 1990 اذ أصدر مجلس الأمن قراره ذو العدد 661 بعد اربعة ايام من الغزو، الذي تم استكماله لاحقا بالقرار 687 في نيسان 1991، وفرضت سلسلة من العقوبات على العراق تضمنت فرض قيود على التجارة الخارجية، والمعاملات المالية، ومبيعات الأسلحة، والرحلات الجوية، والواردات المختلفة.

كما تضمنت نظام تفتيش مصمم لمنع العراق من الحصول على صواريخ بالستية وأسلحة نووية وكيمياوية وبيولوجية واي قدرات عسكرية تسليحية اخرى. تم رفع معظم هذه العقوبات بعد عام 2003، ولكن لم يتم إلغاؤها كلها بسبب عدد من النزاعات العالقة بين العراق والكويت، استبدل قرار مجلس الأمن عدد 1483 الإجراءات العقابية بتجميد الأصول وحظر الأسلحة المحدود الذي ما زال يسمح للعراق بإعادة بناء أجهزته الأمنية بالأسلحة التقليدية.

لسوء الحظ، لم يكن من الممكن تسوية الخلاف بين العراق والكويت بسرعة لأنه شمل عدداً من الملفات المالية والسياسية التي ظلت لعقود دون حل، وشمل ذلك ترسيم الحدود المتنازع عليه بين الدولتين، وبالتالي تم استغلال ذلك في تاريخ تكوين الدولة العراقية والكويتية في ظل الاحتلال البريطاني.

مقدمات الخلاف العراقي الكويتي بدأت في سياق طعن العراق في وضع الحدود مع الكويت في عام 1932 بعد استقلاله، وقدم مطالبات بضم الحدود مع الكويت، بل الكويت بأكملها اليه بمرور الانظمة المتعاقبة باعتبارها في أعوام 1938 و1961 و1990.

شكلت عملية تحديد او ترسيم الحدود بين الطرفين تحديات كبيرة تفاقمت بسبب عدم وجود علامات جغرافية واضحة وتوحيد المساحات الصحراوية او فصلها مع غموض وتعقيد في الخط الواقع جنوب خط عرض صفوان، كما ان الحدود البحرية رغم انها أقل إرباكا ولكنها لا تزال غير واضحة، اضافة الى ان لها القدرة على تقييد وصول العراق إلى الخليج إلى حد كبير.

على الرغم من توقيع الكويت والعراق على وثيقة في عام 1963 تعترف فعلياً باستقلال الكويت والحدود على النحو المنصوص عليه في عام 1932، وثيقة أعلن عنها نظام صدام حسين لاحقاً أنها غير صالحة، وحصل ما حصل في اب 1990.

بعد ذلك توصلت احدى بعثات الأمم المتحدة الى ترسيم الحدود في عام 1993، وعلى الرغم من أن العراق أعرب عن اعتراضه، إلا أنه قبل القرار قانونيا. ومنذ ذلك الحين، أدلى السياسيون العراقيون بتعليقات تحريضية مرارا وتكرارا حول الحدود، وفي عام 2010، أثار السفير العراقي لدى جامعة الدول العربية الموضوع مرة اخرى عندما ألقى شكوكا جدية حول التزام العراق باحترام ترسيم الأمم المتحدة، وفي ضوء هذه التصريحات طالبت الكويت بقبول رسمي قاطع لحدودها من قبل العراق، والذي صدر أخيرا في أبريل 2013.

قضايا أخرى بقت معلقة بناء على قرار مجلس الأمن/ عدد 687، وهي مسؤولية العراق ليس فقط عن الأضرار التي لحقت به أثناء غزوه للكويت، ولكن أيضا عن الديون المستحقة للكويت قبل عام 1990، وطلب التعويض على سبيل المثال لحجز 10 طائرات عائدة للخطوط الجوية الكويتية، وسرقة شركة كويتية وإلحاق أضرار بيئية. قررت لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة أنه يجب على العراق دفع مبلغ إجمالي قدره 54.4 مليار دولار (تم تسويتها قبل ايام)، تذهب معظم التعويضات إلى الحكومة الكويتية وقطاع النفط، وتُدفع من صندوق تديره الأمم المتحدة يدفع فيه العراق 5% من عائداته النفطية.

على مدى العقد الماضي، أدى بعض صناع القرار العراقيين إلى تفاقم التوترات مع الكويت من خلال السعي لإلغاء الديون على أساس أن نظام ما بعد صدام حسين لا ينبغي أن يكون مسؤولاً عن أفعال النظام الديكتاتوري وفي تصعيد للنزاع، كلفت الكويت شركة محاماة بريطانية بمصادرة طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية لدى وصولها لأول مرة إلى لندن منذ عقود، مما أثار غضبا شعبيا في العراق. ومع ذلك تم التوصل إلى اتفاق بين الشركتين الوطنيتين، أدى تدشين إلى أول رحلة للخطوط الجوية العراقية إلى مدينة الكويت.

مع القرار 2621 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي الاسبوع الماضي، طوى العراق صفحة مهمة في تاريخه السياسي المضطرب، بعد ٣٢ عام من الإجراءات العقابية التي وُضعته تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويمهد هذا القرار البلاد الآن الطريق لإنهاء تقييد وضعه السيادي في النظام الدولي وفقا لهذا الفصل. ويغلق تقريبا قرار مجلس الأمن، بالمعنى الحرفي والمجازي، فصلا مؤلما من تاريخ العراق. وقد تحقق مبدئيا ذلك من خلال التوصل إلى تفاهم مع الكويت حول كيفية تسوية جميع القضايا العالقة التي لا تزال تضعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اذ كان العراق يخضع لعدد من العقوبات، بما في ذلك حظر الأسلحة وتجميد الأصول على الأفراد والكيانات.

ورغم تصريحات كثيرة من الساسة ومنهم وزير الخارجية فؤاد حسين عن خروج العراق من طائلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة بعد ان اوفى بكل التزاماته المالية، فإن الحقيقة لها جانب مختلف، فالمطلعين على أعمال لجنة التعويضات والقرار الدولي يرون أن القرار يتعلق حصراً بملف التعويضات العراقية للكويت وليس بخروج العراق من البند السابع بالكامل بالنظر لوجود قضايا أخرى غير ملف التعويضات، مثل ملف الأسرى والمفقودين والأرشيف الكويتي، حتى رئيسيّ الجمهورية والوزراء غردا بعبارات الترحيب (انهاء واغلاق ملف التعويضات)، ولم يشيرا الى خروج العراق من الفصل السابع، لكن غلق ملف التعويضات سيمهد لاحقاً الطريق أمام خروج العراق من طائلة الفصل السابع بشكل كامل، خاصة اذ ان التعامل مع القضايا العالقة ستكون بموجب الفصل السادس، أي بالوسائل السلمية.

اذ ان الفصل السابع هو الخيار الأكثر قسراً المتاح في التعامل مع التهديدات للسلام وأعمال العدوان، ويمنح مجلس الأمن عددا من الإمكانات التي تتراوح من فرض العقوبات إلى استخدام القوة، اما البلدان الخاضعة لتدابير الفصل السابع تشمل: ليبيا، إيران، الصومال، إريتريا، ليبيريا وساحل العاج وكوريا الشمالية والسودان. لا يُنظر إلى دول مثل هذه رسمياً على أنها تشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين فحسب؛ بل أيضا سيادتها مقيدة بشكل كبير.

إن نقل العراق من الفصل السابع إلى الفصل السادس يعني أنه سيحل القضايا القليلة المتبقية مع الكويت من خلال الوساطة وليس الإكراه. بعد ذلك، سيتم الإفراج عن الأصول المملوكة للدولة التي تم إنشاؤها نتيجة لقرار مجلس الأمن/ عدد 1483. اذ استهدف هذا القرار مجموعات تخص 89 فرداً على صلة بالنظام السابق، والأهم من ذلك، الأصول الأجنبية لـ208 كيان مثل العديد من البنوك العراقية بما في ذلك البنك المركزي العراقي، وبعض الوزارات، والخطوط الجوية العراقية، وسلسلة من الشركات النشطة في قطاع الزراعة والتصنيع والصناعة والإعلام والبتروكيماويات والبناء. ومن الصعب تقدير المبلغ الإجمالي للأصول المجمدة لأنها موزعة عبر 20 دولة مختلفة، وتحتوي الحسابات على مبالغ تتراوح إلى اكثر من 45 مليار دولار. تأتي معظم هذه الأموال من برنامج (النفط مقابل الغذاء) الذي سمح للعراق ببيع النفط على الرغم من العقوبات مقابل الأدوية والغذاء والإمدادات الإنسانية الأخرى، التي تمكن النظام السابق من التحايل على قيود البرنامج من خلال الفساد والرشاوى، والتي غالباً ما يتم تحويلها إلى حسابات مصرفية في الخارج.

بالإضافة إلى ذلك، كان العراق خاضعاً لحظر تصنيع وشراء الأسلحة المتطورة، ومن غير المحتمل أن يؤدي خروج العراق من البند السابع أي تعليق للحظر او تغيير الوضع العسكري في العراق بالنظر الى مخاوف اقليمية ودولية من عدم الاستقرار السياسي في للعراق، مع أن شراء الأسلحة ليس الهدف الرئيسي للعراق، فالحكومة العراقية مدفوعة بشكل أساسي بالمخاوف المالية والاعتبارات الرمزية والمعنوية لإخراج العراق من الفصل السابع.

صحيح انه لم يتم حل كل المسائل العالقة بين الحكومتين لكن المهم انه ستتم معالجة القضايا المتبقية - مثل مكان وجود الأرشيف الوطني الكويتي، ومصير حوالي 270 شخصا فقدوا خلال حرب عام 1990، وعودة الممتلكات المسروقة (مثل المعدات العسكرية والمصنوعات اليدوية) وفقا لمقتضيات الفصل السادس.

جوانب مختلفة ساعدت على تسريع وتيرة انهاء ملف التعويضات، منها القنوات الدبلوماسية العراقية الفاعلة التي أدت إلى بوادر ترطيب العلاقات بين البلدين وترتب عليها هذا الانجاز، بانتظار أن يرفع اسم العراق من طائلة البند السابع لميثاق الأمم المتحدة بشكل كامل قريبا وما يترتب على ذلك من مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001–2022 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق