عاش العالم مؤخرا صدمة كبيرة خلفها اجتياح حركة طالبان الارهابية لأفغانستان، بعد ان انسحاب القوات الاميركية من هناك، وقد شاهدنا صورا موجعة للرعب الذي اجتاح الكثيرين في هذا البلد المبتلى، ولا نريد ان نذكّر بما حصل في فيتنام وهيروشيما والعراق والفظائع الكثيرة التي قام بها أكبر بلد ليبرالي في العالم...

في العام 1936 فاز الاشتراكيون الأسبان في الانتخابات، فقرروا الغاء الملكية واقامة (جمهورية اشتراكية) في اسبانيا، تحاكي النموذج السوفييتي.. أثار هذا حفيظة القوى الأخرى، لتندلع الحرب الاهلية.. في العام 1937 تحديدا قصفت طائرات (المانية ايطالية)، حيث الحلف المعروف بين (فرانكو وهتلر وموسوليني)، وقتذاك، مدينة غورنيكا الأسبانية، وحصلت فاجعة..  طلب الاشتراكيون (الجمهوريون) من الفنان الكبير بيكاسو عمل لوحة فنية تجسد تلك المأساة وتخلدها، فكانت اللوحة الشهيرة التي تذكّر بـ (جرائم الفاشية)، وبات هذا المصطلح مرادفا للّوحة وحكايتها، لأن مصطلح (الفاشية) وسم حقبة فرانكو، بعد ان حمّله الإعلام اليساري، وحده، مسؤولية اندلاع الحرب وفظائعها كلها! وقد تعززت هذه القراءة بعد ان تمددت (الشيوعية) في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وباتت لها مؤسسات اعلامية مؤثرة على مستوى العالم.

بعد انهيار الانظمة الشيوعية مطلع تسعينيات القرن الماضي، أخذت الرأسمالية تصفي حسابها معها، فصارت وسائل اعلامها لاتذكر أي نظام منها من دون ان تردفه بالديكتاتوري أو الإستبدادي، وصرنا نسمع بعبارات مثل (فظائع الحقبة الشيوعية) او ( جرائم النظام الشمولي)! بل ان الحقبة كلها صارت توصم بالاستبداد، وكإن الحياة خلالها كانت متوقفة تماما! وقد اسهم في الترويج لذلك مرتدون شيوعيون او انتهازيون تسللوا الى المعسكر الآخر تحت غطاء الدعوة الى الديمقراطية، كما يقول ادوارد سعيد في كتابه (خيانة المثقفين)!

 لم تنج الانظمة الملكية من حرب المصطلحات هذه، فقبل ثلاثة عقود، كانت كلمة (الرجعي) تكمل عبارة (النظام الملكي)، وهو منبوذ عند (التقدميين) بشكل عام، لانهم يرون انفسهم يتطلعون الى المستقبل باستمرار، بينما تقف الملكية عائقا ويجب ان يزال!

 المصطلح الذي مازال محافظا على (مكانته)! هو (الليبرالية) التي تردف عادة بالديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة والخاصة وغيرها، مع ان اغلب الدول التي تبنتها شنت اشرس واقسى الحروب في التاريخ البشري ضد بعضها، وارتكبت باسمها فظائع يصعب تخيّلها، سواء في أوربا او في بقاع العالم الاخرى لتأمين مصالح ومطالح لها هناك، ومع ذلك  لم يسمّ أحد تلك الجرائم بـ (جرائم الليبرالية)!

اين المشكلة اذن؟ .. هل هي في المصطلحات ام في من يتبناها، ام انها في الانسان نفسه قبل كل عقيدة او فكرة او مشروع؟

لقد اكتشف كثيرون ان الفاشية الاسبانية تتحمل جزءا من المسؤولية التي يقاسمها فيها خصومها، لأن الصراع وقتذاك كانت فيه المعادلة صفرية، وان الجمهوريين (الاشتراكيين) هم من فرض هذه المعادلة أصلا بإعلانهم تغيير شكل الدولة وقوانينها وتحويلها الى (شيوعية شمولية)..  لكن في المقابل لولا فشل الليبرالية نفسها في حل مشاكل الناس لما ظهرت المشاريع الراديكالية التي يجب ان نقرأها في سياق الجدل السياسي والثقافي الذي رافق رحلة الانسان والتجارب الضرورية التي تحتاج الى مثل هذه الشهقات الكبيرة ليستعيد الانسان من خلالها نقاء ضميره وعقله معا!

عاش العالم مؤخرا صدمة كبيرة خلفها اجتياح حركة طالبان الارهابية لأفغانستان، بعد ان انسحاب القوات الاميركية من هناك.. وقد شاهدنا صورا موجعة للرعب الذي اجتاح الكثيرين في هذا البلد المبتلى.. ولا نريد ان نذكّر بما حصل في فيتنام وهيروشيما والعراق والفظائع الكثيرة التي قام بها اكبر بلد ليبرالي في العالم.. لكن متى يأتي اليوم الذي نسمع فيه مصطلح.. (جرائم الليبرالية)؟!!

نعتقد ان الوقت سيطول كثيرا، فالتوصيف لاعلاقة له بالجانب الاخلاقي، وانما يخضع لمعادلة القوة التي تفرض قوانينها وقيمها ايضا!

.............................................................................................

* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق