الوعي السياسي، يعني قراءة اللحظة، وفقا لمعطياتها الآنية واملاءها بما تستحق، وليس بالضرورة ان تكون الثقافة السياسية والمرجعية العقائدية والفكرية مهما كانت نبيلة وعميقة، مسعفا لصاحبها، إن خانته القدرة على قراءة التوازنات والتعاطي معها بمسؤولية لتحقيق هدف معين، لا سيما في اللحظات المفصلية...

من يتصارع مع الوحوش عليه ان يحذر من ان يتحول هو الآخر الى وحش!. نعم، فالإنسان بتكراره استعمال ادوات الصراع العنيفة، تصبح هذه جزءا من تفكيره ثم يعتز بها، كونها تمنحه القوة التي تغيّب عقله ويغدو شبيها بالوحوش!

كثيرون من المثقفين والمتعلمين، ممن لهم مواقف معلنة من بعض الممارسات السياسية وغير السياسية التي عشناها بعد العام 2003، لم يعملوا على مواجهتها بعلمية وببرامج ثقافية وسياسية، بل ظلوا في رفضهم لها كما لو انهم في مواجهة دونكيشوتية، ادواتها العنف اللفظي والممارسات ذات الطابع الاستفزازي، ويعلنون رفضهم لها بالشتائم بينما اصحابها يكرسونها في الواقع من خلال اتصالهم المباشر بالجماهير والتفاعل معها.

بعد إقرار الدستور الذي رفضته، عند التصويت عليه وثقفت ضده في حينه، واجهت موجة من انتقادات عنيفة من قبل بعض هؤلاء، لأنهم كانوا مع الدستور ومتحمسون اليه، لا سيما الفقرات المتعلقة بالفيدرالية، التي حذرنا من خطورتها على وحدة البلاد وما تضمره من تقسيم حتمي إن طبقت.

المنتقدون لموقفنا هذا، كانوا يرون ابقاء مركز الدولة قويا من مخلفات الماضي وانظمته التي عفا عليها الزمن! معتقدين ان الديمقراطية تحققت! قبل ان يكتشفوا بعد سنين ان الطريق لتحقيقها يحتاج الى دستور غير هذا وقوانين غير هذه واشياء اخرى كثيرة، كان علينا أن نعمل على معالجتها في حينه.

أغلب هؤلاء اليوم هم من دعاة الحلول الراديكالية لمشاكل البلاد، فهم يريدون دولة مدنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية ودستورا جديدا وقانون انتخابات جديدا وغيرها، ويجب ان تكون هذه المطالب متحققة قبل اي انتخابات، والاّ فلن يشاركوا، بل راحوا يثقفون على المقاطعة لحين تحقيقها!

الوعي السياسي، يعني قراءة اللحظة، وفقا لمعطياتها الآنية واملاءها بما تستحق، وليس بالضرورة ان تكون الثقافة السياسية والمرجعية العقائدية والفكرية مهما كانت نبيلة وعميقة، مسعفا لصاحبها، إن خانته القدرة على قراءة التوازنات والتعاطي معها بمسؤولية لتحقيق هدف معين، لا سيما في اللحظات المفصلية التي تمر بها الشعوب والدول، عن تداعيات المقاطعة لهذه الانتخابات، بعدم وجود قانون يبطل الانتخابات عند نسبة متدنية معينة، وعدم وجود بديل واقعي للتغيير!

السياسة تحتاج دائما الى عقول واقعية غير طوباوية، وان خطوة نجاح فيها قد تفتح الطريق لآلاف الخطوات الناجحة الاخرى، والعكس صحيح، فقرار خاطئ قد يجر الى كوارث متلاحقة، والتجربة التي عشناها يجب ان تعلمنا الكثير!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق