وفي هذا يتبنى فوكوياما فلسفة هيجل، الذي عرّف التاريخ على أنه موكب خطّي من حقب العصور، الذي انفتح على التقدم التكنولوجي، والحلول التراكمية للنزاعات الناجمة عن التطور من المجتمع القبلي إلى الإقطاعي ثم إلى المجتمع الصناعي، بينما يعتبر ان الماركسية ختمت تجربتها بفشل المشروع الشيوعي...
كتبَ فرانسيس فوكوياما عن “نهاية التاريخ؟” العام 1992، مبشّرا بانتصار الديمقراطية الليبرالية، ونهاية عصر الايديولوجيا، وبزوغ عصر ما بعد العقائد السياسية والدينية، مثّبتا شكوكه في نهاية فكرة اليوتوبيا والمجتمعات المثالية كما رسمتها العقائد، ومتيقنّا من انتصار الحضارة الغربية.
يتحدث الكاتب إليان جلاسر عن أنّ مجلة National Interest الأميركية كانت قد نشرت في العام 1989 اعلانا للعالم السياسي فرانسيس فوكوياما، عن نهاية المعارك الأيديولوجية الكبرى بين الشرق والغرب، وأن الديمقراطية الليبرالية الغربية تعزز انتصاراتها كل يوم، وما زاد من مصداقية الاستنتاج، الاحتجاجات المناهضة للشيوعية التي اجتاحت الاتحاد السوفيتي السابق، ليصبح فوكوياما بسبب ذلك قطبا مفكرا مهما في العلوم السياسية، وأطلقت عليه الأدبيات لقب “فيلسوف البلاط في الرأسمالية العالمية».
لكن ذلك، لم يصمد طويلا أمام ظهور دول دينية، وعقائد متطرفة مثل داعش، ودعوات الى استنهاض المشروع الشيوعي هنا، وهناك، لكن ظهور هذه الفقاعات، لم ينسف توقعات فوكوياما بشكل جذري، لكنه يضع علامات الاستفهام عليها والتي تزاحمت كثيرا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر العام 2000 كمثال مضاد رئيسي، فضلا عن صعود الأصولية الإسلامية وثورات الربيع العربي، في دليل يدمغ نبوءات فوكوياما في ضمور الأيديولوجيات القومية والدينية، وتطور الخلافات بينها الى حروب.
بيْد أنّ هناك من ينصِف فوكوياما الذي حرص على القول بان توقعاته الستراتيجية لم تتضمن الجزم بنهاية جذرية للأيديولوجيات، كما لم يتحدث عن شمولية مطلقة للنموذج الديمقراطي لكل الشعوب، كما لم يقل شيئا عن حتمية تحول كل المجتمعات الى الديمقراطية، لكنه رأى ان الادعاءات الأيديولوجية سوف تتهافت إذا استمر مسار التاريخ والتطور، على هذا النحو.
يركّز فوكوياما على الأفكار وليس الأحداث، التي هي نتاج الاعتقادات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، ولأن
الديمقراطية الغربية، تتميّز بتوازنها الاعتقادي الأنيق بين الحرية والمساواة، فإنها سوف تكسب الصراع، وان ما نشهده ليس مجرد نهاية الحرب الباردة، أو مرور فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، ولكنها نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعزيز كونية الديمقراطية الغربية، باعتبارها الشكل النهائي للحكومات البشرية.
وفي هذا يتبنى فوكوياما فلسفة هيجل، الذي عرّف التاريخ على أنه موكب خطّي من حقب العصور، الذي انفتح على التقدم التكنولوجي، والحلول التراكمية للنزاعات الناجمة عن التطور من المجتمع القبلي إلى الإقطاعي ثم إلى المجتمع الصناعي، بينما يعتبر ان الماركسية ختمت تجربتها بفشل المشروع الشيوعي.
لكن هناك ما يصدع نظرية فوكوياما، التي بدت كما لو انها متضعضعة أمام بعض إخفاقات الرأسمالية، ومحدودية قدراتها في المواجهة مع تحديات اليسار.
يقول إليان جلاسر: لقد كانت النيوليبرالية مهيمنة إلى حد كبير، لكن على مدى السنوات القريبة الماضية، بدأت الشقوق في الظهور على شكل احتجاجات ضد الازمات الاقتصادية والهجرة، وبرز ذلك بشكل واضح في الاحتجاجات الفرنسية، وفشل الولايات المتحدة في “دمقرطة” العراق وأفغانستان، والانهيار المالي وازدهار الاشتراكية في أميركا اللاتينية، ما يدعو إلى التساؤل، فيما إذا كان التاريخ يسير على عكس توقعات فوكوياما.
يبقى السؤال المفتوح فيما إذا كان اليسار المتنامي سيشكّل تحديًا أيديولوجيًا متماسكًا لليمين، أم انه مجرد مناوشات محدودة؟ وهل سينتهي الصراع عند هذا؟.
اضف تعليق