مازال العراق يقع في قعر مؤشر النزاهة العالمي. فقد جاء ترتيب العراق ١٦٨ من اصل ١٨٠ دولة بعد ان حقق ١٨ درجة من اصل ١٠٠ مقارنة ب ٨٨ احرزتها الدولة الاقل فسادا في العالم وهي الدانمارك، ومقارنة بالدولة الاكثر فسادا...

مازال العراق يقع في قعر مؤشر النزاهة العالمي. فقد جاء ترتيب العراق ١٦٨ من اصل ١٨٠ دولة بعد ان حقق ١٨ درجة من اصل ١٠٠ مقارنة ب ٨٨ احرزتها الدولة الاقل فسادا في العالم وهي الدانمارك، ومقارنة بالدولة الاكثر فسادا وهي الصومال والتي حصلت على ١٠ درجات من ١٠٠.

الفساد بالمعنى الذي تقصده منظمة الشفافية متعلق بشكل اساسي بالموظفين الحكوميين. ويشمل النقاط التالية فقط: الرشوة، اختلاس المال العام، استغلال المنصب الحكومي لتحقيق مكاسب شخصية في ظل الإفلات من العقاب، قدرة الحكومات على الحد من الفساد وفرض آليات فعالة لتكريس مبدأ النزاهة في القطاع العام، الإجراءات الروتينية والبيروقراطية المبالغ فيه الذي من شأنه أن يزيد من فرص ظهور الفساد، المحاباة في التعيين في الوظائف الحكومية، الملاحقات القضائية الجنائية الحقيقية لمسؤولين فاسدين، قوانين كافية تتعلقُ بالتصريح بالممتلكات والذمة المالية ومنع تضارب المصالح في صفوف الموظفين العموميين، توفير الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد والصحفيين والمحققين لدى تبليغهم عن حالات الرشوة والفساد، السيطرة على الدولة من قبل أصحاب المصالح الشخصية الضيقة، قدرة المجتمع المدني على النفاذ إلى المعلومة فيما يتعلق بالشؤون العامة.

ويمكن ان نضيف اليها اداء الموظف الحكومي من خلال حرصه على الزمن والمال العام والالتزام بالقوانين الوظيفية، والمخالفات الادارية والقانونية والدستورية.

وردا على حالة الفساد هذه اعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الفساد برئاسته، وكلفه من بين امور اخرى، باعداد ستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد.

مبدئيا، فان اي اجراء يستهدف مكافحة الفساد امر يستحق الدعم، لانه لا يمكن لهذه الدولة ان تنهض وتسير في الطريق المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة وهي مثقلة بفسادها المالي والاداري والسياسي.

لكن هذا لا يمنع من ابداء الملاحظات التالية على قرار رئيس الوزراء:

اولا، هناك شبهة دستورية او قانونية على تشكيل المجلس، ولابد من معالجتها، واذا تعذر ذلك فلابد من التخلي عن فكرة المجلس لان المخالفات الادارية والقانونية والدستورية هي من ضمن مظاهر الفساد.

ثانيا، تولي رئيس الوزراء رئاسة المجلس ينطوي على تضارب مصالح ويجعل الحكومة قاضيا ومتهما في نفس الوقت. الفساد، كما ذكرت قبل قليل، هو من فعل الحكومة وموظفيها، من اعلى منصب في الدولة الى اصغر موظف في ادنى السلم الوظيفي. وينبغي ان يكون المجلس، بعد الفراغ من الاشكال القانوني، من خارج التشكيلة الحكومية. وينبغي ان يتخلى رئيس الوزراء عن فكرة ترؤوسه للمجلس.

ثالثا، فيما يتعلق باعداد الستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، فاقول انها موجودة منذ عام ٢٠٠٦، ويمكن البناء عليها بدلا من البدء من نقطة الصفر من جديد.

رابعا، منظومة اجراءات رئيس الوزراء غير متطابقة مع مؤشرات منظمة الشفافية، وبالتالي فهي علاجات جانبية ولا تشمل ظواهر الفساد بشكل مباشر.

خامسا، اجراءات رئيس الوزراء تغفل الجانب التربوي والثقافي والاعلامي. وهذه النقطة هي الغائب الاكبر في خطة رئيس الوزراء.

ان مكافحة الفساد تتطلب نوعين من المعالجات: المعالجات السريعة والاجرائية، والمعالجات التربوية طويلة الامد. والنوع الثاني تقوم به وزارة التربية بشكل الاساسي من خلال النظام التربوي الحضاري الحديث الذي يتكفل تنشئة مواطنين فعالين صالحين وترسيخ منظومة القيم الاخلاقية في المجتمع ويعينها في ذلك الاعلام والثقافة والمؤسسة الدينية ومنظمات المجتمع المدني.. ونحن نعرف اليوم حجم الانهيار القيمي في مدارس العراق، وهو امر مازال خارج الاهتمام الرسمي والشعبي، للاسف. وغاب بشكل خاص عن خارطة طريق رئيس الوزراء الى مكافحة الفساد.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق