يشكل رضا الجمهور مؤشرا مهما لمدى نجاح الدولة الحضارية الحديثة في توفير مستوى العيش اللائق بالانسان، ومدى نجاح الدولة الحضارية الحديثة في كسب رضا سكانها عليها، والجمهور المقصود هنا عامة الناس الذين قد يتمتعون بحياة من نوع مرضٍ في بلد، لكنه غير مرضٍ في بلد اخر...

يشكل رضا الجمهور مؤشرا مهما لمدى نجاح الدولة الحضارية الحديثة في توفير مستوى العيش اللائق بالانسان، ومدى نجاح الدولة الحضارية الحديثة في كسب رضا سكانها عليها، والجمهور المقصود هنا عامة الناس الذين قد يتمتعون بحياة من نوع مرضٍ في بلد، لكنه غير مرضٍ في بلد اخر، فالجمهور في نهاية المطاف هو الذي يحدد مستوى العيش وطبيعة الحياة المطلوبة وليس النخبة التي تتمتع حتما وبسبب نخبويتها بمستوى اعلى من الحياة.

وهنا اجد نصا للامام علي مناسبا تماما لما اريد توصيله حيث يقول:

"وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رضا الْعَامَّةِ، ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاءِ، وأَكْرَهَ لِلإِنْصَافِ ... مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ، وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، والْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ . فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، ومَيْلُكَ مَعَهُمْ ).

تظاهر في فرنسا حوالي ١٣٠ الف شخص مطالبين بتخفيض الضرائب. وسخط متظاهر في هولندا على مستوى العيش الدي يتمتع به لانه يستبدل سيارته مرة كل اربع سنوات فقط. ومثلهم تظاهر مواطنون في بلجيكا.

طبعا هذه الاعداد لا تمثل كل الشعب في فرنسا وهولندا وبلجيكا، لكنها توفر مؤشرا لا يمكن ان يهمله المراقب. والامر يحتاج الى عمليات استطلاع للرأي. صحيح ان الحكومة الفرنسية تعاملت بشيء من القسوة مع المتظاهرين، لكنها لم تقل حتى اللحظة ان بينهم مندسين، وصحيح ان الرئيس الاميركي ترامب حاول دس انفه في الاحداث الفرنسية، الا ان احدا لم يقل ان المتظاهرين يمثلون اجندات خارجية.

طبعا هذه الاحالات تحمل نَفَسا عراقيا، لكن الحالة العراقية تختلف عن الحالة في بلد كفرنسا لاسباب كثيرة، منها ان الدولة في العراق لم توفر الحد الادنى من الحياة اللائقة لمواطنيها من "الجمهور"، وان الاحزاب السياسية تنقل صراعاتها التي الشارع حين تعجز عن حلها في البرلمان. لكن الجوهر واحد، وهو رضا العامة.

وصلت الدولة الاوروبية الى درجات عالية في مؤشرات الدولة الحضارية، لكن الرغبة بالتحسين المتواصل لمستوى العيش تمثل اتجاها عاما في حركة التاريخ حيث تتطلع المجتمعات دائما الى تحسين مستوى حياتها والارتقاء بها مهما كان المستوى الذي حققته وتتمتع به، والا فان نوعية الحياة في بلدان مثل فرنسا وهولندا وغيرهما تشكل حلما بالنسبة للشعوب القاطنة في بلدان "العالم الثالث".

هذا ما نسعى اليه من خلال دعوتنا الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. مسؤولية الدولة الحضارية الحديثة وفير الحد الادنى من مستوى الحياة في العراق، كمنطلق، ثم تتواصل مسيرة الارتقاء والتقدم بدون ان تضع سقفا لها، لان لا سقف لتحسين الحياة. وكلما تم الارتقاء درجةً، كلما تطلعت النفس البشرية الى مستوى ارقى واعلى.

تدل التجارب البشرية التي سبقتنا في ولوج طريق الدولة الحضارية الحديثة على ان هذه الدولة تحقق مستوى من الرفاه والرخاء يحقق رضا في النفس، ذلك انها تقوم بتفعيل #المركب_الحضاري بصورة منتجة، وتنشيء #المواطن_الفعال، وتساعد على تنظيم المجتمع بصورة جيدة.

الدستور العراقي لم يكتب بذهنية شاملة منطلقة من اطروحة الدولة الحضارية الحديثة، لكنه تضمن فقرات في الباب الثاني تحقق بعضا من مقاصد الدولة الحضارية الحديثة، ولذا فان اقل ما يمكن ان تقوم به الحكومات العراقية هو وضع هذه الفقرات في مقدمة برامجها وفي راس اولوياتها وتبذل قصارى جهدها في تحقيق هذه الفقرات وتحويلها الى واقع ملموس في السكن والصحة والتربية و العمل والتنقل وسائر الخدمات الضرورية للانسان.

......................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق