آراء وافكار - مقالات الكتاب

شيطان يُمَنِّي ويعمي

فيُملي عند ساعة الحسم \"السياسي

‏للثورات في التأريخ الشيعي مُشرعون ومُخالفون.. التشريع والمخالفة يحصلان بناء على اجتهاد في النصّ وقراءة في السيرة.. ومثالها: ثورتا المختار وزيد.. فقائلٌ فيهما يقول بعدم الشرعية، وقائلٌ مُشرّع لما للإمام مِن صِلة تَحدّها "التقية"أو تقرير ظاهر!

أحدث الخلاف التأريخي بين المشرعين والمخالفين للثورات الشيعية اتجاهين لا يخلو عصر منهما.. خلاف بطبعه أدى إلى حال من التنافس الشديد في مجالات التغيير الإجتماعي بين الفئة العُمْرِية الشبابية على وجه خاص.

الفئة الشبابية تمثل أداة التغيير في المجتمعات الشيعية والأكثر تأثرا بمنافسات اتجاهي تشريع الثورات ومخالفتها، وكان لها النصيب الأكبر في صناعة الثورات المعاصرة أو اعتزالها.. يهمنا في هذا التنافس مستوى التحول في المفاهيم الإجتماعية لأنه عامل استقرار الفئات الإجتماعية.

نعلم أن قرنا من الإرشاد الدؤوب بين الفئة الشبابية السُنِّية بزعامة منظمات اتجاهي السلفية والمذاهب الأربعة، اسْتُلِكت في عقدين من الزمن بين حروب وأعمال إرهابية طاحنة لصالح أنظمة فاسدة وقوى دولية مهيمنة.. ما نخشىاه أن تُستَهلك فئة الشباب الشيعي على ذات الطريقة والمنهج!

‏ فئة الشباب السُنّي المعاصر تعاني من هزيمة راهنة ستغير من مفاهيم الإنتماء. لذلك يتوقع أن تزيد حصة اتجاه "التصوف" بين هذه الفئة.. في الوسط الشيعي المعاصر حدث توازن بزعامة اتجاه "الأصالة" العقدي في مقابل "الثوري" المُشرّع للثورات التأريخية، أدى إلى منع تكرار التجربة السنِّية شيعيا.

بدأ التوازن الحاصل في الوسط الشيعي بين اتجاهي "الثورية" و"الأصالة" العقدية مانعا من تكرار التجربة السُنّية على الرغم من غلبة اتجاه "الثورية" قدرة ومكنة وانتشارا، لكن معاطيات الواقع تنبئ عن صعود نجم اتجاه "الأصالة" الذي يمتنع عن تشريع الثورات الشيعية وتعديل رجالها.

على مستوى التحول الإجتماعي الناشئ عن الثورات المعاصرة، فلنقرأ السلوك العام في الفئة الشبابية الشيعية!.. تيار ثوري يدعو إلى "الديمقراطية" أو "المشاركة في إدارة شؤون الدولة"، ماذا كان وقع ثورته أو نضاله من أجل قيام الدولة على مفاهيم الفئة الشبابية التي مالت إليه، وهل صلح حالها واعتدل أم فسد وبار؟!

أبسط المفاهيم المتوقع تحولها إلى الأفضل كان مفهوم "النقد والنقد الذاتي" المثالي والرائج في النضال.. فالثورة دماء وآلام وشتات وعوز تكفي لإثارة العقول وتصحيح المفاهيم إلى ما يقرب المثالية.. وبمجرد أن تنجلي الغبرة في ميدان الصراع الثوري؛ يستعد الجميع لجرد الحصص السياسية المستحقة!

وقبل انجلاء غبرة الصراع الثوري وتتضح الرؤية؛ يمر الثوريون بمرحلة التوجس من عدالة الحصص السياسية المستحقة، فيعمدون إلى الأمر بتمرير خديعة كبرى حتى ينالوا بها حصة الأسد. وفي ذلك يستنزفون ما تبقى من الطاقة الشبابية في إشاعة الإفتراء والكذب وقلب الحقائق رأسا على عقب في منافسيهم.

فيتحول الشاب الذي نذر نفسه وضحى في سبيل التغيير الثوري إلى آلة تشويه للقيم وتدمير للقواعد الخلقية في مجتمعه، استجابة لمتطلبات مرحلة "كسب الحصص"، لأنها بمثابة استكمال للثورة وتأمين سلامة قاماتها وأهدافها وحفظ وصيانة دمائها وآلامها وشتاتها وعوزها!

‏في مرحلة "الكسب" تتحول القيم الثورية إلى أنياب حادة للحد من فرص مشاركة الغير في الحصة السياسية.. لذلك نقرأ في التأريخ عن قادة الثورات الشيعية تصريحهم بشرعية قيامهم، فإن تفوقوا ونجحوا بثوراتهم؛ امتنعوا عن تسليم مقاليد السلطة للأئمة صلوات الله عليهم، وانفردوا بها وزهد الأئمة فيها.

من مصلحة الإتجاه الثوري نمو اتجاه "الأصالة" العقدية وسرعة انتشاره بين الشيعة إن قلنا أن تقدير "الثوري" قائم على معادلة "سياسية" ترأسها المصالح.. وجود اتجاه "الأصالة" يحفظ للشيعة توازنهم، فإن أخفق "الثوري" أو ضعف في جهة من جهاته؛ شغر "الأصيل" الفراغ وساد فيه!.. لكن السياسة كما نعلم "عماء أعلاه هواء وأسفله هواء"!

الغرور عند حيازة السلطنة والقدرة والمكنة لا يبقي لأحد قيما مستقرة.. والسياسة شيطان فاعل يُمَنِّي ويعمي فيُملي. لذلك يرجح بقاء اتجاه "الأصالة" العقدية ضحية كل التفاعلات الشيعية. ومن يظن أن إمكان تحقق مصالحة بين الاتجاهين محتمل فليتوسط عند الشيطان يدعوه إلى "الحوار" بلا مقابل!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق