يبدو أن السياسيين الليبيين المعاصرين أكثر حنكة وحكمة وتجربة من السياسيين العراقيين، الذين لا زالوا بالرغم من مرور أكثر من أحد عشر عاما على التغيير يتخبطون في قراراتهم المتسرعة غير المدروسة؛ التي توقعهم في مشاكل وإشكالات، لا يخرجون من إحداها حتى يقعوا في الثانية.

ويبدو أن تطبيق منهج المحاصصة في العراق مع كل تلك الخلافات القائمة بين الأطراف السياسية، كان أحد أهم أسباب فشل وتلكؤ السياسيين العراقيين، فضلا عن تدني المستويين العلمي والثقافي والإداري لدى بعضهم، وجهل البعض الآخر بمهارات فن التفاوض، وإدارة الأزمات، والتعاطي مع الأحداث، فضلا عن عدم الإلمام بتجارب الشعوب الأخرى التي مرت بمراحل تجريب أوصلتها إلى مرحلة الاستقرار، للإفادة منها.

وربما لهذا السبب ولأسباب أخرى لم يرغب المفاوضون الليبيون في الوقوع بنفس المطب الخطير الذي وقع به العراقيون، فاتفقوا على تشكيل حكومة تكنوقراطية تتولى قيادة البلاد، واشترطوا أن يكون رئيس الوزراء ونائبيه من المستقلين المحايدين غير المنتمين إلى أحد أطراف النزاع، باعتبار أن هذا الطريق هو أسلم الطرق التي ممكن أن تعيد بناء ما خربه الربيع الأجرب الذي مر على ليبيا وأسقط جميع أوراق تمدنها، حالها حال البلدان العربية الأخرى التي أوغل الربيع المشئوم فيها تخريبا ودمارا وتفريقا وتحزبا.

فهل سينجح السياسيون الليبيون بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة، من حيث فشل العراقيون، ويفيدون من سلبيات التجربة العراقية التي أثبتت فشلها الذريع منذ بداية تشكيل أول حكومة عراقية جديدة ولغاية هذه الساعة؟

وهل تسمح الظروف الصعبة التي يعيشها هذا البلد العربي بما في ذلك حالة الصراع العسكري الدائر فيها، ووجود ميليشيات مسلحة غير منضبطة ومدعومة من قبل أطراف داخلية وخارجية تتقاتل فيما بينها، وتقاتل الحكومة؟

وهل يقبل جيران ليبيا وبعض الأطراف التي ترى نفسها على علاقة بما يجري فيها؛ بحكومة بعيدة عن دعم الأحزاب والميليشيات والقوى التي تخدمهم، وتأتمر بأوامرهم؟

وهل تسمح القوى التي تدعوا إلى أقلمة البلد وتقسيمه إلى فيدراليات لحكومة متخصصة أن تنجح في إدارة بلد مثل ليبيا والحفاظ على تماسكه؟

والذي اعتقده أن الزمن القريب القادم وحده القادر على الإجابة عن هذه الأسئلة؛ من خلال ما ستتمخض عنه المفاوضات بين الأطراف الليبية المتصارعة، ومدى تجاوبهم مع الحكومة المزمع تشكيلها.

لكن السؤال الأصعب والأهم والأخطر في هذه المعادلة، هو: بعد الفشل الكبير والمخزي، والضرر الأكبر والأقسى؛ الذي تسببت به المحاصصة في العراق على مدى السنين المنصرمة، هل نجد بين سياسيينا الذين خاضوا تجربتها الفاشلة من يملك الشجاعة الكافية ليطالب بإلغائها، والعمل الجاد لبناء حكومة تكنوقراط تأخذ على عاتقها إعادة إعمار نفوس العراقيين التي خربها الصراع، في المقام الأول، ثم إعادة ببناء ما خربته الصراعات والنزاعات الطائفية، أو تلك التي وقعت بين القوات الأمنية وداعش الإرهابية، أم أن الأغلبية المطلقة من سياسيينا لا يحملون مؤهلا علميا أو سياسيا أو اجتماعيا يرشحهم لنيل منصب سيادي بعيدا عن المحاصصة، ولذا يريدون ضمان المكسب الشخصي عن طريق العمل بها، حتى لو تسبب ذلك في خراب البلد، وتدميره، وتشريد أهله؟

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق