بيان صادر عن سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بمناسبة زوال حكم الطاغية في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الرسل أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين.

يا ابناء العراق الغيارى في كل مكان، في داخل العراق الممتحن وخارجه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الآن وقد زال النظام المستبد النظام الذي بدأ عهده المظلم بإراقة الدماء، وإزهاق الأنفس البريئة، واستمر كذلك بالإرعاب والقتل وهتك الأعراض والاستهتار بالقيم والاستهانة بالمقدسات، وانتهى بهذه النهاية الدموية التي شهدها العالم من أقصاه إلى أقصاه.

الآن وقد أذن الله تعالى باجتثاث ذلك الكابوس الذي استنزف العراق مادياً ومعنوياً طيلة عقود سوداء حالكة، فقد آن الأوان لاغتنام الفرصة، اليوم قبل الغد، لبناء العراق من جديد في شتى الأبعاد والمجالات، واستعادة المجد التليد، والتاريخ الحافل والمشرف.

وفي هذا المقام، أجد من المناسب أن أذكّر بالنقاط التالية:

1- إخواني العلماء الأعلام في الحوزات العلمية وفي سائر المدن (أعلى الله كلمتهم) الذين جعلهم الله تعالى ورثة الأنبياء وامتداداً للأئمة الطاهرين عليهم السلام، والمرابطين بالثغور التي يليها ابليس وعفاريته : أن يتصدوا – أكثر من ذي قبل – لهداية الناس إلى سبل الحق، وبث الهدوء في المجتمع ، وإحياء روح الأمل والعمل فيهم، واستنهاضهم من وهاد اليأس والقنوط، وشحذ هممهم لتحمل المشاق وتجاوز الصعاب وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال للحارث بن المغيرة : (لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم) ]الكافي / ج 8 / ص 162[.

2- السادة الخطباء الكرام والوعّاظ الأجلاء والكتّاب والصحفيون المؤمنون الذين هم لسان الامّة، في داخل الوطن وفي المهجر، أن يؤدوا – كما هم أهله – رسالتهم في توجيه الأمة، على جميع الصعد، وإرشادهم، وتذكيرهم بمسؤولياتهم الجسام في هذه المرحلة الحساسة، عبر الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات والمنابر والندوات وغيرها..

3- تعقد آمال كبيرة على الجامعات، بأساتذتها الأكارم وطلبتها الأماجد، أن يقوموا بمهمتهم الأساسية بإغناء الأمة بخيرة الخبراء والمثقفين الملتزمين في جميع التخصصات، لكي لا يحتاج هذا الشعب الأبي إلى غيرهم، بل يصبح هو في مقام إسعاف الآخرين بالخبرة والتقنية والاختصاص وما شاكل ذلك ويقدموا الامة الى الامام، وفي الحديث الشريف (استغن عمن شئت تكن نظيره).

4- العشائر العراقية التي كانت ولمّا تزل درعاً حصينة للعراق ولأبناء العراق.. أن تعود لبناء نفسها ـ بعد ما زال المانع الذي كان يمنعهم من تأدية ادوارهم المهمة  ـ  بما يضفي المزيد من التماسك والانسجام على البنية العامة للمجتمع العراقي ويساهموا في خدمة الامة على الإيمان والتقوى والتآزر في جميع الابعاد.

5- على التجار الذين تفضل الله تعالى عليهم بالوفرة والغنى، ليختبرهم في الأزمات – وأية أزمة أشد مما يعانيه العراقيون في الظروف الحالية – أن يسعوا لتحقيق الكفاية لعامة الشعب في سائر احتياجاتهم، سواءٌ عبر إقامة المؤسسات، وتشغيل المؤسسات الانتاجية، لاستيعاب العاطلين عن العمل، أو إعطائهم مما جعلهم الله تعالى مستخلفين فيه، قال الله تعالى : (وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وقال سبحانه : (وما انفقتم من شيء فهو يخلفه) بل وفوق ذلك : ان يساهموا في رفع مستوى الأمّة الى الحد الاعلى ويساهموا في اعمار العراق الجريح الذي دمّره النظام الجائر والحروب المتتالية عشرات السنوات.

6- الشباب في العراق اليوم، الذين هم رجال الغد، وأمل المستقبل، سواء في الحوزات والجامعات، أو في سوح العمل.. أن يتخذوا من شباب الإمام الحسين، علي الأكبر، والقاسم بن الحسن – عليهم السلام – واصحابه الاوفياء أسوة وقدوة في خوض غمار الحياة، مع التحلي بالإيمان والصبر والتقوى والتضحية ونكران الذات.

7- النساء في العراق اليوم، اللائي يربين أجيال المستقبل، أن يقتدين بنساء الإمام الحسين (عليه السلام)، زينب الكبرى وأم كلثوم والرباب وسكينة (عليهن السلام)، في العفاف والتضحية، والتحلّي بالاخلاق الفاضلة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومواصلة الخدمات مدى الحياة.

8- على الأحزاب والمنظمات الاصيلة التي تتصدى لمشاريع وبرامج تهم العراق حاضراً ومستقبلاً، أن تعمل – كما هو متوقع منها – على لملمة أطراف هذا الشعب الذي قاسى من الآلام والمآسي ما قاسى، عبر التركيز على الإيجابيات ونبذ السلبيات، تحت أي اسم أو شعار وأن ينهوا الصراعات الشخصية فان العراق في عصر جديد واية سلبية اليوم لا يتناسب وتطلعات هذا الشعب الصابر الأبي.

9- على عامة أبناء الشعب العراقي – رجالاً ونساءً وشيباً وشباباً، وطلبة وكسبة، موظفين وعمالاً، وفلاحين وغيرهم – أن يدركوا، وهم يدركون جيداً والحمد لله، أن العراق منهم، وإليهم، وينبغي أن يكونوا هم بناته من جديد؛ فأي مكسب يكون للجميع، وأية مشكلة تكون على الجميع، وأي ضيم يقع على الجميع أيضاً؛ فليؤدوا مسؤولياتهم، كلٌ من موقعه، ويتصدوا لحقن الدماء، وحماية الأعراض، وحفظ الأموال والممتلكات، ويشكّلوا في كل قرية ومدينة ومحلة، بل في كل أسرة وعشيرة، وجامعة ومدرسة ومسجد وحسينية... لجان إغاثة للمحتاجين؛ فإن خدمة عباد الله لهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام.

10- جلّ المآسي والمعاناة التي تواترت على الشعب العراقي، طيلة العقود الماضية، وعمدتها مردّها غياب النظام الإداري (الحكومة) الصالح؛ فالحكومة الجديدة التي ستتولى إدارة شؤون العراق، ينبغي أن تستلهم مبادئها من النظام العلوي ، والطريقة الحسينية حتى تكون حكومة عادلة، تقوم على الشورى والحرية والتعددية؛ ومبنية على أساس الاخوة الإسلامية والأمّة الواحدة ، وتكون منتخبة من قبل الأكثرية ، وتحفظ فيها الحقوق المشروعة للاقليّات كاملة غير منقوصة فإذا ما صلحت الحكومة، صلحت البلاد والعباد فقد قال الله تعالى في القرآن الحكيم : (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) وقال عز من قائل : (ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى) وقال تعالى : (وإنّ هذه امّتكم امّة واحدة) وقال سبحانه : (انما المؤمنون اخوة). وقد كان المرحوم السيد الاخ (اعلى الله درجاته) يؤكّد كثيراً على العمل بهذه الآيات الكريمات.

وإن تتّخذ الحكومة ـ بكلّ تأكيد ـ من منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في إدارة الحكم في المدينة المنوّرة وفي الكوفة اسوة وقدوة فإنّهما (عليهما وآلهما الصلاة والسلام) ارتحلا عن الدنيا وكانا مديونين ، ولم يدّخرا ديناراً واحداً ، ولا درهماً واحداً وان امير المؤمنين (عليه السلام) اوّل من سمح بالمظاهرات ضدّه وأعطى مطلبهم ـ وكان المطلب باطلاً في نفسه ـ كما في موثق عمار عن الامام الصادق عليه السلام ]جواهر الكلام / ج 3 / ص 141[ وإنّه عليه السلام خلال اقلّ من خمس سنين من حكمه أوصل البلاد إلى حدّ لم يعلم وجود فقير واحد حتّى في اطرافها النائية عن العاصمة ، حتّى انّ وجود مستعط غير مسلم كان غريباً وشاذّاً ]الوسائل / ج 15 / ص 66[ وان تعتبر الحكومة نفسها اباً رؤوفاً لكلّ فرد من ابناء هذه الامة المفجوعة فقد كتب الامام امير المؤمنين عليه السلام الى مالك الاشتر حين ولاّه : (وأشعر قلبك الرحمة والمحبّة لهم واللطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً) ]نهج البلاغة / ج 3 / ص 84[ وأن تحفظ للحوزات العلمية حريّتها الكاملة واستقلالها التام.

وفي هذا المجال ينبغي لجميع المؤمنين في ارجاء المعمورة كلّه أن يهبّوا ويعبّئوا الطاقات لاسعاف العراق المظلوم بكلّ الحاجات الانسانية ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسّهر والحمّى) ]البحار / ج 58 / ص 150[ ولا يدعوا غيرهم يسبقهم الى ذلك ، فإنّ المؤمنين ـ اين كانوا وفي أي مستوى ـ اجدر وأجدر بذلك من غيرهم.

11 ـ أمّا الشعائر الحسينية التي هي من شعائر الله ، فقد حرمت هذه الامة المظلومة عن ممارستها عشرات السنوات ـ والعراق وكربلاء المقدّسة بالذّات هي المحور والاساس لها ـ فمن اللازم على الحكومة والامة جميعاً التعاون من اجل اقامتها بما يناسب ومقام الامام الحسين (عليه السلام)، لتتّخذ اسوة في باقي نقاط العالم ، وبالأخص اربعين الامام الحسين عليه السلام ونحن نستقبله في هذه الأيّام.

12 ـ قال الله تعالى : (قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعائكم) وقال عزّ من قائل : (وابتغوا اليه الوسيلة) وقال سبحانه : (وأن ليس للانسان إلاّ ما سعى) هذا المثلث ـ الدعاء ، والتوسّل الى الله تعالى بالمعصومين عليهم السلام ، والسّعي ـ الذي اكّد عليه القرآن الحكيم يجب ان يكون ديدن هذه الأمة دائماً وأبداً كي تجري الامور في مجاريها بيسر وسهولة وبعيدة عن المآسي والمشكلات.

(اللهم إنّا نرغب اليك في دولة كريمة تعزّ بها الاسلام وأهله ، وتذلّ بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك ، والقادة الى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).

 

التاسع من شهر صفر عام 1424 للهجرة

               

شبكة النبأ المعلوماتية - االسبت 12/4/2003 - 10/ صفر/1424

 إتصلــوا بنـــا

مجـــلة النـبــأ

المرجــعية الدينــية

 التاريخ يصنعه العظماء

 الصفحـة الرئيسيـة

© جميع الحقوق محفوظة لشبكة النبأ المعلوماتية 1424هـ / 2003م