من محاضرات المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله الوارف)

 شقاء العالم سببه ترك العمل بأحكام القرآن الكريم

في ختام برامج المسابقة القرآنية السنوية العشرين التي نظمتها (هيئة القرآن الحكيم) في شهر شعبان الماضي من هذا العام 1423هـ بمدينة قم المقدسة، ألقى المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، كلمة مهمة تناول فيها منزلة القرآن الكريم ودوره في حياة الإنسان والمجتمع، وفيما يأتي نورد مختصراً منها:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين..

في الحديث الشريف أن القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، الناس يدخلون عرصات المحشر في يوم القيامة وكل مشغول بنفسه، إلا من استثناه الله تعالى، في هذه الأثناء - كما في الحديث الشريف - يدخل شخص إلى المحشر وله سيماء جميل جذاب يلفت الأنظار جميعاً يشغل القلوب، الأبصار كلها تتوجه إلى هذا الشخص فيمر في عرصات القيامة على مختلف الناس وشتى الأقوام، يمر على العلماء فأحدهم يقول للآخر: من هذا؟ أنا رأيته أنا أعرف من هذا، والثاني يقول أنا كذلك رأيته، بعضهم يريه لبعض، يمر على التجار يمر على الشباب يمر على النساء يمر على الطلاب... على كل مجموعة من الناس يمر هذا الشخص الجميل النوارني حتى يقف بين يدي الله تعالى.. في عرصات القيامة، هنالك موقف، يقف ذلك الموقف كل من يكلم الله تعالى، ومعنى كل من يكلمه الله تعالى؛ يعني ان يخلق الله تعالى الصوت للكلام معه من دون واسطة من ملك أو غيره. هؤلاء يقفون هناك، يمر هذا الشخص الجميل ذو الهيبة والبهاء حتى يقف على تلك العرصة وعلى تلك الأرض فيخاطب الله تعالى يقول: إلهي - مضمون الحديث - أنا القرآن! فلان بن فلان في الدنيا قرأني واحترمني وعمل بي ودعا إلي إلهي ارحمه إلهي اغفر له إلهي اجعله من المقربين عندك، وإن فلاناً بن فلان تركني ولم يقرأني، لم يحترمني، لم يعمل بي، لم يدعو إلي إلهي اقطعه من رحمتك، لا تقربه إليك، لا تقضي حاجاته..

وإذا قرأ الشاب آيات وفي ضمنها آية الحرية، يعزم على أن لا يضغط على أحد، على أن لا يستبد فيما يقدر من مال أو قدرة أو سيطرة، حتى على ابنه، أو بنته، أو زوجته، أو تلميذه أو من هو قادر على إعمال القدرة عليه...

  الإمام (ع) يقول (شافعاً)؛ الشفع يعني الواحد يطبق مع الثاني فيصير شفعاً؛ الأنبياء يشفعون يوم القيامة، الصلحاء يشفعون يوم القيامة، العلماء يشفعون يوم القيامة، حتى إن الطفل الصغير إذا مات يشفع يوم القيامة، يشفع لوالديه...

يوم القيامة مقام الشفاعة، يكون على وفق اختلاف المراتب، من الأنبياء إلى الأفراد الآخرين، ولكن الله تعالىيطلب بينة يطلب وشهوداً حتى من أنبيائه ، أما القرآن فهو شافع مشفع بلا شهود، يطلب من الله الخير للشخص، يدعو لشخص، فيقبل الله شفاعته، مشفع وماحل يعني يطلب العذاب لشخص، يطلب البعد عن رحمة الله لشخص، يدعو على شخص، وهو مصدق أي يصدقه الله ولا يطلب منه شهوداً.. هذا القرآن ما ثمنه؟ لو أن كل جبال الدنيا تصير ذهباً، والعمر يصير بقدر عمر الدنيا، وتكون عند الإنسان عافية دائمة من جميع الوجوه، والنتيجة ان هذا ليس ثمن القرآن.

 ثمن القرآن شيئان: واحد في الدنيا وواحد في الآخرة.. ثمن القرآن الحكيم في الدنيا قمة السعادة للإنسان ولسائر أصناف الخلق من الحيوان والنبات والجماد.. القرآن الحكيم أنزله الله تعالى ليكون سبب سعادة في الدنيا للكل، ليس عندنا بعد رسول الله (ص) أفضل وأعلى من العترة الطاهرة (ع)، رسول الله (ص) قال – ما معناه -: أنا أذهب عنكم وأخلّف فيكم ثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ثم قال أحدهما أكبر من الآخر وهو القرآن، القرآن أعظم من العترة الطاهرة، القرآن أكبر من العترة الطاهرة، العترة الطاهرة دعاة إلى القرآن الحكيم، العترة الطاهرة تضحيات من أجل القرآن الحكيم. ثمن القرآن الحكيم في الدنيا السعادة الكاملة للجميع، هذا ثمن القرآن الحكيم في الدنيا، إذا رأينا الدنيا تعيش الشقاء فالسبب هو انزاوء القرآن عن الحياة، إذا رأينا الحياة الدنيا تعيش الفقر، تعيش المظالم تعيش المشكلات، فالسبب هو الفصل بين القرآن الحكيم والحياة الدنيا وإذا سمعنا أن في الأحاديث الشريفة أن سيدنا ومولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عندما يظهر ينعم الجميع بالسعادة حتى الوحوش في الفلوات، فالسبب – بحسب الحديث الشريف – أن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعطف الرأي على القرآن، يعني يميل ويجعل القرآن هو الأصل. والرأي هو الذي يميل إلى القرآن، الآراء تصير آراءً قرآنية، الأفكار تصير أفكاراً قرآنية.

عدد درجات الجنة بحسب عدد آيات القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنة قيل له اقرأ وارق، لكل آية درجة. ثم قال الإمام: فلا يكون فوق حافظ القرآن درجة.. هذا هو ثمن القرآن الحكيم في الآخرة

  الإمام الحجة يطبق القرآن، والناس نتيجة لذلك يرفلون بشتى أنواع السعادة، إذا حدثت بين زوج وزوجة مشكلات، فالسبب أن القرآن ليس بينهما، إذا البائع والمشتري بينهما مشكلات فالسبب أن القرآن ليس بينهما... إذا العائلة متفككة فالسبب أن القرآن ليس بينها..

 عندما يظهر صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)  يعطف الرأي على القرآن، والرأي لا يكون على قاعدة أنا أرى الصالح والأصلح؛ إذ الأصلح والصالح هو القرآن، الأصلح هو القرآن، الناس في الدنيا بالقرآن الحكيم ينعمون بكل أنواع السعادة.

 هذا هو ثمن القرآن الحكيم في الدنيا، وثمن القرآن الحكيم في الآخرة ما سمعت الآن من الحديث الشريف الذي قرأه المرحوم السيد الأخ الأكبر - أعلى الله درجاته -: عدد درجات الجنة بحسب عدد آيات القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنة قيل له اقرأ وارق، لكل آية درجة. ثم قال الإمام: فلا يكون فوق حافظ القرآن درجة.. هذا هو ثمن القرآن الحكيم في الآخرة وما دمنا نحن في هذه الحياة الدنيا فباستطاعتنا أن نجني هذين الثمنين، أن نستفيد من القرآن الحكيم بهذين الثمنين. ذكروا في التاريخ أن ملكاً من الملوك مات، ابنه جعل على قبره شخصاً يقرأ له القرآن، بعد فترة رأى الابن أباه الملك في المنام يقول له: يا ابني نحِ هذا الذي يقرأ القرآن عني قال: ولماذا، قال: الله تعالى وكل لي ماحلاً مصدقاً وكل لي ملكا كلما قُريء من القرآن على قبري آية الملك يقول لي سمعت هذا في الدنيا، لماذا لم تعمل به، لماذا لم تطبقه؟ ويضربني ويعذبني، فنح القاريء عني لعل هذا العذاب يرتفع عني، طبعاً هذا حلم أما الحديث الشريف فيقول إن العذاب ما يرتفع، الماحل المصدق أي القرآن الكريم يخبر الله تعالى بالضد من هذا الشخص فيصدقه الله بلا بينة وبلا شهود.. فما دمنا نحن في الحياة الدنيا، فبإمكاننا أن نستفيد من هاتين السعادتين، هذين الثمنين، من القرآن الحكيم.. كل شيء يمكن أن يبدأ الإنسان فيه من الصفر. أنتم بحمد الله القائمون على هذه الهيئة هيئة القرآن الحكيم المحترمة، في هذه المسابقة العشرين، وقبل ذلك كانت الهيئة كما ذكروا موجودة في مدينة الإمام الحسين (ع) في كربلاء المقدسة أكثر من ثلاثين سنة  كما نقل لي، وفي الوقت الذي أبارك لكم كهيئة وأبارك فيكم فرداً فرداً هذا التوفيق العظيم لقراءة القرآن وتجويد القرآن وحفظ القرآن، غير أن هذا كله مقدمات لتطبيق القرآن على أنفسنا وعلى غيرنا، بالدعوة إلى القرآن الكريم بكل وسيلة وفي كل مناسبة.. إنني في هذا المكان أقترح على الأخوة خصوصاً أخواني الشباب وأخواني العلماء، أن يبدأوا من غدهم، باستهلال كل يوم من حياتهم بآيات من القرآن الحكيم ولو بقراءة خمس آيات، فلا يدعوا يومهم يمر بلا قراءة آيات من القرآن الحكيم، ثم هذه الآيات التي يتلونها يعزمون على العمل بواحدة منها في كل يوم، حتى ينضموا شيئاً فشيئاً إلى المجموعة التي يشفع القرآن لها، فاقتراحي بالخصوص لأخواني الشباب وبواسطتهم لكل الشباب الآخرين أن يفتتحوا كل صباح بقراءة آيات من القرآن الحكيم، وأن يعزموا على العمل على الأقل ولو بواحدة من تلك الآيات، إذا قرأوا آيات الأخلاق الفاضلة يعزموا أن يجعلوا من أخلاقهم أخلاقاً قرآنية، وإذا قرأ الشاب آيات وفي ضمنها آية الحرية، يعزم على أن لا يضغط على أحد، على أن لا يستبد فيما يقدر من مال أو قدرة أو سيطرة، حتى على ابنه، أو بنته، أو زوجته، أو تلميذه أو من هو قادر على إعمال القدرة عليه.

إذا رأينا الدنيا تعيش الشقاء فالسبب هو انزاوء القرآن عن الحياة، إذا رأينا الحياة الدنيا تعيش الفقر، تعيش المظالم تعيش المشكلات، فالسبب هو الفصل بين القرآن الحكيم والحياة الدنيا

وإذا قرأ آيات من ضمنها آية الصلاة (أقم الصلاة لذكري) يعزم على أن لا تفوته الصلاة، لا يتهاون في الصلاة، وإذا قرأ آيات وفي ضمنها آية الصوم (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) يعزم على أن يكون صومه باعثاًَ للتقوى في نفسه.

 وهكذا وهكذا كما ذكر المرحوم السيد الأخ - أعلى الله درجاته - إذا قرأ آية الأخوة، آية الاتحاد الإسلامي، يحاول من جانبه بمقدار ما يمكنه أن يعامل المؤمنين معاملة الأخوة وهكذا... هذا يجعل الإنسان في ضمن المجموعة التي يشفع القرآن لها والله لا يطلب من القرآن بينة في ذلك...

 أسال الله تعالى أن يوفقكم جميعاً..

 وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

 إتصلــوا بنـــا

مجـــلة النـبــأ

 سجــل الــزوار

  أنت تسأل ونحن نجيب

 التاريخ يصنعه العظماء

 الصفحـة الرئيسيـة

© جميع الحقوق محفوظة لشبكة النبأ المعلوماتية 1423هـ / 2002م