اتصلوا بنا

سجل الزوار

المراسلات

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

في رحيل الإمام الشيرازي(قدس سره).. خاطرة ووقفة

سمير الجراح

إنها بداية الصمت بعد نهاية العزلة عن هذا الواقع المهتريء، صمت لم يكن إلا تلبيةً للنداء الإلهي ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)

لم يكن رحيلك أيها السيد الشيرازي أمراً غريباً علينا (فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) لكن رحيلك كشف غطاءً ثقيلاً عن المتنكرين للحقيقة؛ لماذا بعد الرحيل اعترفوا لك بالفضل والفضائل؟! اليوم قالوا عنك مرجعاً.. مفكراً.. كاتباً.. مجاهداً.. متسامحاً.. سخياً.. ولائياً.. علوياً.. حسينياً..

وبالأمس.. جهلوك.. وحاربوك.. وحاصروك.. فكنت كما هي الشمس ساطعة بنورها وبدفئها.. ساطعاً بفكرك وبفيض نبعك ومدادك النابض قوة.. شاء الله أن تنطلق الكلمات وإن تأخرت.. وصُودرت، فهي اليوم تتجسد فيما نطقت بها الألسن التي كان ملاك بعضها كل هذا الجحود والقسوة حيال العظماء في حياتهم.. وبعد رحيلهم عنّا يكون التعريف!! أيها السيد الصدر الأول ويا صدرنا الثاني.. أيها الراحل الجديد.. يا شيرازي المواقف الخالدة.. أسماوءكم في الأسماء التي أعطت بشارة السماء.. رحيلكم ثلمة لا يسدها شيء.. ولكم شفاعة يوم القيامة حين يؤذن لكم بهذا التكريم.. ولأني أعرف نبع سخائكم.. وسماحتكم فأنتم ستكونون فوق مواقف من حاربوكم وحمّلوكم أعباء التاريخ.. رغم أنهم هم المأساة.. وهم العبء الثقيل على هذه الأمة المتعبة، ولأني قرأت فيكم نسلكم المبارك، فكل الذين أوقدوا النيران.. وأضرموا جحيم الأحقاد.. سيعودون متوسلين متوسمين فيكم العفو والسماحة. هل ستقولونها كما قالها جدكم المصطفى (ص): (اذهبوا فأنتم الطلقاء).. لكننا ممن يشهد الجريمة والمأساة، ونطالب اليوم بمحاكمة لتلك الضمائر الصامتة التي ترى وتسمع غير أنها ميتة.

أيها السيد الشيرازي! كن كما عرفناك فرعاً أصيلاً من شجرة مباركة، راقداً في مثواك الأخير.. فالرحلة ستنطلق اليوم من كل مكان قرأ لك موقفاً أو فكرة مضيئة ولدت في النجف.. وتربّت في كربلاء.. في النجف العلوي كانت الولادة.. وفي كربلاء الحسين كانت النشأة.. ومن قم المقدسة قرأنا لك هذا الفكر المتألق. والآن أيها الرفاق.. والأخوة.. اسمحوا لي بعد هذه المناجاة الخجولة أن أشاكس الذاكرة في زحمة الحياة الأمريكية وما فيها من أوهام وأكاذيب يعيشها أولئك البعيدون عنها، فنحن اليوم في عزلة عن اللغة الشعرية.. وعن اللغة الأدبية بعد أن ابتعدنا عن لغة الأخلاق، ولغة المنطق، في تفكيرنا.. وعلاقاتنا، ماذا نعرف عن آية الله العظمى سماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي (طيب الله ثراه)؟ أقول لكم إن رجلاً ربّانياً بمعنى هذه الصورة، رجلاً كبيراً في السن ومعمماً، فكره وعقيدته موضع رفض ومحاربة.. ممن يحسبون على ديننا الإسلامي الحنيف ومدرسة أهل البيت (ع)؟! رجلاً كهذا قدّم لنا علماً غزيراً وثقافة غنية، من خلال كم هائل من الكتب والمؤلفات القيّمة والمتنوعة، التي شملت شتى فروع المعرفة، في علوم الدين، والثقافة، والإعلام، والطب والبيئة... إلخ فهو رجل الثقافة والإعلام، مثلما هو العالم أو رجل الدين المعمّم؛ لأنه يؤمن بحرية التعبير عن الرأي، ويؤمن بأهمية إبراز الفكر والمدرسة الإسلامية من خلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة. هو المجدد في هذا العصر المريض، هو الداعي إلى شورى الفقهاء؛ فعلينا تقع هذه المسؤولية التاريخية أن نتبنى ما دعى إليه سماحة السيد الشيرازي الراحل، ونجسده في عملنا، من خلال تبني حرية التعبير عن الرأي، ونبحث عن قنوات إعلامية قادرة على استيعاب طاقاتنا المتنوعة، كإنتاج برامج تلفزيونية خاصة بعقيدتنا وأئمتنا الأطهار (ع) ومراجعنا العظام، أو برامج تحاكي واقعنا الثقافي والاجتماعي والمشاكل التي نعاني منها، في مختلف الأصعدة والمجالات، وإقامة مؤتمرات وندوات فكرية أو ثقافية لكلا الجنسين من الرجال والنساء، وعلى اختلاف مراحلهم العمرية؛ أي أن نتفاعل مع الحياة سواء كنا في بلادنا الإسلامية أو في بلاد المهجر؛ كي نوجد حصانة فكرية وأخلاقية في زحمة وسائل الإعلام المتعددة التي تستهدف بشكل أو بآخر عقيدتنا.. وأخلاقنا المهددة والمحاصرة إلى درجة يخشى معها الاستسلام والتنازلات المخيفة. من هنا ندرك عظمة هذه الشخصية المرجعية لسماحة آية الله العظمى الإمام الشيرازي (طيب الله ثراه).. فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا..