عودة إلى صفحة رأي وآخر

إتصلوا بنا

أنت تسأل ونحن نجيب

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

حوار الحضارات هل هو موضةاستهلاكية جديدة..!

يعيش العالم منذ أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر ـ وإلى اليوم تحت وطأة حمَّى يمكن أن نطلق عليها حمَّى حوار الحضارت، فأنَّى استدرت تقرأ إعلانا هنا، وخبرا هناك، وتقريرا عن تلك الحمَّى التي لم تعد تستثني حتى مناماتنا التي غدت مسرحا لعرض فصولها.

إن الأمر المؤسف هنا هو أن العالم يدور دوما في فلك الخطوات الناقصة، فلم يكد يتم مفاصل خطوة ما، كان قد أقدم عليها، حتى يقفز إلى خطوة أخرى فلا هو أتم الأولى، ولا ينوي إتمام التالية التي تنبيء بأخرى، وهكذا دواليك.

لا شك إن كل مجموعة من المجموعات العالمية لا زالت أسيرة متطلبات حوار الحضارة التي تنتمي إليها، لكن ومع ذلك تجد هذه المجموعة تنطلق لحوار مع مجموعات أخرى مخلِّفة الحوار مع أعضاء نفس المجموعة إلى الصدفة.

فالمجموعة الغربية ـ على سبيل المثال ـ لا زالت تعيش فيما بينها تناقضا في وجهات النظر إزاء قضايا معينة، وكذلك المجموعة الإسلامية وغيرها، فعوضا عن أن ينبري أعضاء كل مجموعة لإزالة وجهات النظر المتناقضة فيما بينهم، يتهافتون إلى محاورة الأعضاء من الجماعات الأخرى، فهل هذا من المنطق في شيء؟

من خلال قرائتي لغالبية ما ورد في تلك المؤتمرات والندوات التي عقدت للغرض موضوع البحث لم أجد منها ما وضع النقاط على الحروف في هذا الحقل، أو من خرج بنتيجة ذات أهمية تذكر، وهذا يعود إلى أن من لم يقدر على حل العالق من القضايا مع إخوته، لهو أعجز عن حل ذلك مع غيرهم.

ولكن للإنصاف أقول أن هناك واحدا من تلك الملتقيات ما تمكن من وضع النقاط على الحروف فيما يخص موضوع حوار الحضارات.

ذلك الملتقى هو الذي نظمه مركز أبحاث العالم العربي و دول حوض البحر الأبيض المتوسط (cermam)، في جنيف، السادس عشر من شهر مايو الجاري.

المشاركون في هذا الملتقى طرحوا أسئلة جريئة، وصريحة في ذات الوقت.

فالأستاذ شارل زور غبيب من السوربون ـ مثلا ـ تسائل عن المباديء التي ينطلق منها أي حوار وما إذا كانت تعتمد على احترام الآخر، إقصاءه، أم الإندماج فيه.

وأصرح من ذلك كان ما تقدم به محمد الميلي الوزير الجرائري والمدير السابق للمنظمة العربية للتربية، والعلوم، والثقافة  "بأن حوار الحضارات لا زالت تعترضه عراقيل عملية كثيرة". في مقدمتهاالانفراد باتخاذ القرار. وهذه الظاهرة في تعاظم منذ استفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بدون منازع.

ومن العراقيل التي تقف في وجه حوار الحضارات العملي والناجع، تعذر تنظيم هذا الحوار داخل المجتمع الواحد لتجاوز المحرمات والعراقيل السياسية والاجتماعية والثقافية. ومن أجل خوض الحوار داخل مجتمع بعينه تطغى عليه الثقافة الواحدة، يتطلب الأمر توفر مناخ حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان والرأي والرأي الآخر.

أنا لست من الذين يقفون في وجه هذا النوع من المشاريع، بل على العكس من ذلك فأنا من العاملين في هذا الميدان، وأشد الداعين إليه. إنما الذي لا أؤيده هو القفز فوق الواقع، والعيش في دوامة الخطوات الناقصة، ذلك الذي يعيشه العالم يلا استثناء.

 فمن باب الأهم والمهم يفترض في الجماعات أن تبدأ أولا بالحوار داخل الحضارة الواحدة، حتى إذا تمت فصول ذلك الحوار كان الإنتقال إلى حوار الحضارات أجدى.

فالعاجز عن إتمام فصول حوار الحضارة الواحدة، هو أعجز ـ كما تقدم ـ عن خوض ميدان الحوار مع الآخرين.

ولكن يبدو أن هذه موجه، وموضة يتسابق الجميع لركوبها بدوافع شتى، قد يكون أهونها إثبات حسن النوايا أمام القوى المتسلطة التي تتحكم بإدارة العالم.

                                                             حيدر البصري