عودة إلى صفحة رأي وآخر

إتصلوا بنا

أنت تسأل ونحن نجيب

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

يحيون ذكرياتهم ونملُّ الحديث عن واقعنا..!

أثارت دهشتي تلك الأخبار التي أنَّى استدرت أقرأها عن إحياء أهالي بلدة ساوثمبتون البريطانية الذكرى التسعين لغرق السفينة تايتانيك، وذلك في مرفأ البلدة حيث أبحرت منه إلى مصيرها المأساوي.

لم تثر دهشتي مسألة إحياء تلك الذكرى الأليمة، بل على العكس من ذلك يعد هذا الأمر مما يثير إعجابي، ولكن الذي أثارني هو مقدار الفارق الذي بيننا وبين الأمم الأخرى فيما يخص وقائعنا، سواء التاريخية منها، والمعاصرة.

فشريحة كبيرة منا تعيب الأخرى لكونها تحيي ذكريات وقائع، من الألم بحيث تعد وصمة عار على جبين مرتكبيها، منادية - بصورة غير مباشرة - بقطع الصلة عن التاريخ الذي ما انقطعت عنه أمة حتى لاقت الذل والهوان، وإلا ألا تعد الدعوة إلى ترك إحياء تلك الذكريات دعوة غير مباشرة إلى قطع الصلة بالتاريخ ؟

لقد وصل بنا الأمر إلى عدم الوقوف عند حدود نقد إحياء الحوادث التاريخية الهامة التي تشكل منعطفات في تاريخنا، إنما تجاوزنا ذلك إلى الدرجة التي يدعو البعض فيها إلى ترك الحديث اليومي عن الأحداث التي نتعرض لها يوميا، مبدياً السأم والملل، تحت ذريعة صيرورة مثل هذه الأمور من البديهيات التي لا تحتاج إلى كثير كلام.

فمشهد القتل اليومي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغيرها صار مملا، في حين لم يملّ الصهاينة الحديث عن واقعة يشكك الكثير من المؤرخين بصحتها، وإذا كان لها نصيب من الصحة فهو أهون بكثير جدا من الحجم الذي صورت عليه من قبلهم.

هذه الحادثة هي محرقة الهولوكوست التي صار اليهود يكسبون تعاطف الغرب والشرق بالطرق المتواصل وترها، الذي أجادوا العزف عليه بما جر عليهم من المنافع المادية، والسياسية التي تفوق الخيال.

 فلا زالت ألمانيا والغرب يغدقان الأموال تكفيرا عن تلك الغلطة التي قد تكون من نسج الخيال.

أما نحن فعلى ما نحن عليه من الحق لم نعد نخفي تبرمنا من الحديث اليومي، ليس بالحوادث التاريخية، بل من حوادث القتل المتجددة التي تعاني منها شعوبنا هنا وهناك، تحت ذرائع البداهة والضرورة، فهل هذا من المنطق في شيء.

ترى ماذا صنعت لنا تلك البداهة المزعومة ؟

ألم تجرعلينا الويلات تلو الويلات، فصرنا ننحدر من سيء إلى أسوأ، بناءا على سكوت الكثير منا، وسياسة التكميم التي مورست ، وتمارس بحق شعوبنا ؟

أخيرا وليس آخرا أقول: إن كثرة الطرق تفك الحديد، وإن القضية التي لم يلهج بها أصحابها ليس لها مصير سوى النسيان.

 وقضايانا ما لم نقم بإحيائها والحديث عنها بأنفسنا، لا شغل للآخرين بها.

حيدر البصري