النائب الكويتي صالح عاشور في المهرجان التأبيني للحوزة العلمية الزينبية:الإمام الشيرازي لم يكن مجرد مرجع ديني وان كان من أبرز مراجع الدين بل كان صاحب مشروع إصلاحي متكامل لنهضة الأمة

تحدث النائب الكويتي في مجلس الامة الكويتي الاستاذ صالح عاشور في كلمة له في المهرجان التأبيني للذكرى السنوية الاولى لرحيل الامام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره، فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).

قال رسول الله (ص): (إذا مات العالمِ مات العَالمَ).

أعزيكم أيها الأخوة الأعزاء وأعزي المؤمنين في الذكرى السنوية الأولى لرحيل عالم رباني زاهد، ومجاهد من العاملين المخلصين لله سبحانه، فقدناه ولم نعرف قدره ومكانته فكان بذلك أحد المظلومين في هذا الزمن على خطى آبائه وأجداده سلام الله عليهم أجمعين.

الحديث عن الإمام الراحل حديث ذو شجون لأنه حديث عن الجهاد والتضحية والتقوى والزهد والفضيلة فقد عاش مجاهداً ومات مقهوراً ودفن مظلوماً.

والحديث عن الإمام الراحل حديث عن مدرسة بل عن جامعة إسلامية وعن تاريخ طويل بالعمل والعلم والجهاد قضاها (قدس الله سره) في خدمة المبادئ والأفكار والأهداف التي سعى لتحقيقها.

كان (رحمه الله) نوراً وسفيراً بين ظهرانينا ولكن لم نلاحظ ذلك النور، جاء ليختصر المسافات الزمنية بيننا وبين السماء، بيننا وبين القيم والأخلاق والفضيلة، لأنه (رضوان الله عليه) جسدهم في جهاده ليلاً ونهاراً وجسد حياتهم في زهده وتقواه وصبره.

ويحتار الواحد عندما يريد التحدث عن هذه الكارزمية الفذة، من أين نبدأ..

من العراق حيث الولادة والنشأة والجهاد..

أو الكويت حيث البناء والتأسيس والانطلاقة..

أم إيران حيث العلم والتضحية والتحدي والصمود..

أيها الأخوة الأعزاء..

وهناك محطات كثيرة في حياة فقيدنا (رحمه الله)، يحتار الواحد يتكلم فيه عن جهاده أم علمه ومؤلفاته أو أخلاقه أو مؤسساته ومشاريعه أو أفكاره الرسالية، حيث كل مفردة من هذه المفردات تحتاج الى محاضرة للحديث عنها.

ومن محطات إمامنا الكبير (رحمه الله) "المرجعية".

مرجعية السيد (رحمه الله) هي"مرجعية كربلاء" وهي مرجعية فريدة لها خصوصيتها وهويتها تختلف عن المرجعيات الأخرى، حيث تمتاز هذه المرجعية:

أولاً: بالزهد والتقوى

عرفت هذه المدرسة المرجعية بالزهد والتقوى، والباحث لحياة المجدد الشيرازي الكبير والسيد عبد الهادي الشيرازي والميرزا مهدي الشيرازي يتلمس ذلك بوضوح وينقل عن الميرزا مهدي (رحمه الله) في أحواله انه كان يحفر لنفسه حفيرة وينام فيها ويقرأ الآية القرآنية: (ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت).

وكان الإمام الشيرازي (رحمه الله) من نفس هذه المدرسة زاهداً ورعاً وتقياً ولقد لاحظ الناس والجماهير ذلك عندما قامت أسرته الكريمة بفتح منزله أمام الناس ليروا غرفته وحاجياته الشخصية ومكان تأليفه، ولقد رأيت ذهول الناس بعد ذلك.

زرناه بالعراق وجاورته 10 سنوات بالكويت وترددت عليه بإيران، فلم ألاحظ أي تغير في ملبسه أو مأكله أو حياته المعيشية، فجسد بذلك حياة الأئمة (عليهم والصلاة والسلام).

فكان كجده علي بن أبي طالب يقول للدنيا إلي تعرضت هيهات.. هيهات فزادك قصير وحسابك طويل يا دنيا غري غيري (1).

ثانياً: الأخلاق العالية

وتمتاز هذه المدرسة وهذا واضح في هذه المدرسة العلمية والرسالية التي امتدت علاقته مع كل طبقات المجتمع (الشباب – المرأة – الفقير – الغني – رجل الدين). ما زاره أحد إلا وأحبه ولا عمل احد معه إلا وصادقه ولا عرفه أحد إلا وأكبر منه الأخلاق العظيمة لذلك افتقده الكل.. حتى قيل..

ظلموك يا سيدي.. فاستغفرت لهم

ووجموا في وجهك... فابتسمت لهم

وأعرضوا عنك.. فحنوت عليهم

وافتروا عليك.. فدعوت لهم

وقاطعوك.. فوصلتهم

تمتاز هذه المرجعية بانها مرجعية ناهضة تفكر بكيفية إنقاذ الأمة من تخلفها.

مشروع نهضة للأمة:

الإمام الشيرازي لم يكن مجرد مرجع ديني وان كان من أبرز مراجع الدين في هذا العصر بل كان صاحب مشروع إصلاحي متكامل لنهضة الأمة التي تعيش تخلفاً عاماً في كل مجالات الحياة سياسية واقتصادية واجتماعية وصناعية لذلك بنى المؤسسات وربى العلماء والشباب وألف الكتب وهذا الجانب من حياته أكبر بكثير من المرجعية العادية بل هو جسد المرجعية العظيمة المتحركة من أجل إنقاذ الأمة.

لذلك تمتاز مدرسة كربلاء وجامعة الشيرازي بمفردات وأفكار تدفع في روح الأمة الحيوية والنشاط وتدعوهم إلى التجديد وإلى الطموح والمثابرة.

مفردات الوحدة، التعددية، اللاعنف، الشورى، نعم للمشاكل لا لليأس، التنظيم، التجديد والتكامل بالعمل، وجمع الكل.

هذه المفردات لا تجدها في المدارس الأخرى بل ربما تكون غريبة عليهم، لذلك فهي قدوة للمرجعيات، وللعمل الإسلامي، لذلك ليس غريباً أن يواجه معارضه من بعض المتدينين الذين لا يرغبون بانطلاق حركة تغييرية تجديدية من المجتمع.

وإذا كانت أفكاره في حياته تحارب إما حسداً أو منافسة أو لسوء فهم فبعد انتقاله إلى جوار ربه يفتح الباب لمرحلة جديدة لهذا الفكر وسيأخذ طريقه في الساحة الإسلامية لأن هذا الفكر ملك لجميع الناس حيث أصبح اليوم مدرسة.

وتمتاز هذه المرجعية:

بالجهاد والصمود والتحدي

وبالتالي تفاعلها مع قضايا الأمة

تاريخ هذه المرجعية دائماً تاريخ جهادي نهضوي ضد قوى الاستكبار والتخلف ابتدأ من ثورة العشرين ومروراً بالعمل ضد الشيوعيين والقوميين ونظام شاه إيران وكل القوى الرجعية وكل أشكال العنف والظلم والاضطهاد.

تمتاز هذه المرجعية بالعمل الجاد والمتواصل:

ويظهر ذلك بوضوح ويتلمسه المراقب من خلال المشاريع المختلفة والمراكز المتعددة والأفكار المتجددة.

ولذلك ارتبطت هذه المرجعية بكل شرائح المجتمع " بالشباب" علاقة مميزة مع "المرأة" ويظهر ذلك من لقاء فقيدنا الأخير والذي كان مع مجموعة من النساء يحثهم على التقوى، الأخلاق، التأليف، الخطابة، حضور صلاة الجماعة، الزواج، الحث على العمل اليدوي، المجالس الحسينية.. وآخر صفحة كتبها (رضوان الله عليه) كانت عن جدته فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ودور المرأة في الإسلام.

لذلك هذه الجامعة الإسلامية وهذه المدرسة المرجعية يجب أن لا تتوقف وأن لا تتراجع بل عليها أن تستمر لأن استمرارها استمرار لنهج الأنبياء والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

كان فقيدنا الراحل (رضوان الله عليه) نموذج عملي للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في حياته وجهاده لقد كان (رحمه الله) حسينياً وكان الحسين (ع) يمثل كل تفكيره وكيف لا وهو الذي نشأ وترعرع في كربلاء وكان يدعم ويشجع المجالس الحسينية والخطباء الحسينيين.

وأقام الحسينيات في كل مكان من بيروت ولندن وأمريكا..

ولذلك حمل جنازته الحسينيون وهم يصيحون واحسين واحسين في ضجة وبكاء.

انه لم يمت ولن يموت فهو حي مع كل حسينية انشأها ومجلس أقامه وخطيب رباه

وكتاب نشره ومدرسة أقامها وسيبقى خالداً في وجدان كل حسيني ومحب للحسين

فكانت حياته وعلمه وأقواله وأخلاقه وصفاته تجسد حياة الأئمة (عليهم السلام) (ولكم في رسول الله أسوة حسنة)، دخل رجل مسجد الكوفة ورأى الإمام علي (ع) يؤم المصلين فقال: "ان صلاة هذا الرجل تذكرني بصلاة رسول الله (ص)، وكان كذلك فقيدنا الراحل حياته وسلوكه ومشيه تذكرنا بهؤلاء القادة العظام..

مات رسول الله (ص) وهو رئيس أول حكومة إسلامية وهو مدين ليهودي.. من أجل صاع أو صاعين من الطحين والحنطة.

ومات أمير المؤمنين ودرعه مرهون عند أحد الأشخاص لشراء شيء من الشعير وهو رئيس أكبر دولة إسلامية تعادل 7 دول من خارطة اليوم.

ومات الإمام الشيرازي (رحمه الله) وهو الذي يأتيه الأموال من كل مكان وهو مدين.. من أجل ماذا؟! من أجل منزل أم حديقة أم قصر؟! لا بل من أجل إنهاض هذه الأمة ونفخ روح التحدي والإباء والتغير فيها.

وأخيراً:

قال الإمام علي (ع): (أن يكونوا عبرة خيراً من أن يكونوا مفتخراً).

والعبرة والدرس من حياة فقيدنا الراحل: (ولكم في رسول الله أسوة حسنة).

أولاً:

الاخلاص في العمل لله تعالى، ويظهر ذلك في حياته من خلال انه ليس هناك ولا مؤسسة واحدة من عشرات بل مئات من المؤسسات التي أنشأها أو ساهم في إنشائها أو شجع في تشييدها فهذه مكتبة الرسول الأعظم (ص) وتلك مدرسة الرسول الأعظم (ص) والحوزة الزينبية ومركز أهل البيت (ع) ومستوصف ووو.. إلى آخر القائمة، وهذا إخلاص ما بعده إخلاص، وآخر كلمة كتبها كان: "والله المستعان".

دفعني واجبي الشرعي أن أزوره في قم المقدسة في تلك الفترة العصيبة التي مر فيها حيث هجره القريبون والمخلصون من أهله وجماعته وحينما كان أبناؤه بين سجين وطريد ومهجر ومهاجر.

ذهبت إليه لعلي أرد بعض الدين إليه.

فقلت أراك وحيداً.. غريباً في هذه الظروف.

فرفع رأسه ونظر إلى السماء وقال لي: كن مع الله ولا تبالي.. من كان مع الله كان الله معه.

فقلت: أشهد أنك ابن رسول الله محمد.

العمل الدءوب الدائم المستمر

كان رحمه الله مثل الماكينة يعمل ليل نهار بدون كلل أو تعب، فالحياة قصيرة في نظره لا تساوي أن ننشغل فيها، يكتب، يخطب، يرشد، لم يشتكي.

وليلة وفاته كان برنامجه حافلاً الى آخر لحظة من حياته، حيث كتب كتاباً عن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

وعزاؤنا إنه (رضوان الله عليه) رحل عن هذه الدنيا وودعته العيون الساكبة والقلوب المنكسرة والعقول المتحيرة ولكنه خلف في صفوف الأمة جيلاً من الرساليين العاملين الماضين على العهد حيث أصبح رموز مدرسته كل واحد منهم مشروع نهضة وتغييراتخذوا من الراحل قدوة في الحياة من بين كاتب وخطيب وصحفي وإداري وصاحب مشروع ومؤسسة.

وكذلك ترك فقيدنا ثروة علمية وفكرية لا مثيل لها ناهزت الألف كتاب وهي تشكل برامج عمل لتحقيق هدف إحياء هذه الأمة.

فإنا لله وإنا إليه راجعون.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته