مهرجان تأبيني كبير اقامته الحوزة العلمية الزينبية في السيدة زينب بدمشق بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل المرجع الديني الاعلى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره

راجع التقرير المصور لهذا البرنامج...

رغم الفراغ الكبير الذي تركه إلا أن الأمل يتجدد في كونه لم يرحل فكرا على الرغم من مغادرته عالمنا جسدا، ذلك الأمل الذي ألفيناه ماثلا أمامنا في تلك الشخصيات التي رباها فها هي اليوم وعلى الرغم مما تعبأ به من مهام ووظائف تتجشم عناء السفر للمشاركة في تأبينه.

إنه الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لالتحاق جسده بالرفيق الأعلى.

في هذه الذكرى أقامت الحوزة العلمية الزينبية في منطقة السيدة زينب عليها السلام ـ سوريا ـ مهرجانا أبنت فيه الإمام الراحل مساء يوم الأربعاء 7ـ شوال ـ 1423 هـ الموافق لـ 11ـ كانون الأول ـ 2002 م، وذلك في صالة الحوزة العلمية.

حضر المهرجان جمع عدد كبير من السادة العلماء والمفكرين والشخصيات السياسية من بلدان مختلفة، والوجهاء بالإضافة إلى جمع غفير من الناس غصت بهم صالة الإحتفال.

وكما هو المعتاد استهل الحفل وعطر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم ليعلن بعدها عن بدء الإحتفال الذي تصدر بيان المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي بحق شقيقه الإمام الراحل صاحب الذكرى حيث جاء في البيان التركيز على مجموعة من النقاط التي تميزت بها شخصية الإمام الراحل، ودوره في كل من الرعاق وفلسطين، وأفكاره المميزة التي طرحها في العالم الإسلامي والتي كان لها الأثر الكبير على مختلف الأصعدة. ثم توجه البيان بالشكر إلى كل الدموع التي فاضت لرحيل الإمام الشيرازي وشارك في تأبينه.

بعدها تقدم العلامة السيد جعفر الشيرازي ـ نجل الإمام الراحل ـ بإلقاء كلمة الأسرة حيث استهلها بالإشارة إلى أهمية الإصلاح في عمل الأنبياء والمصلحين، وأن الإصلاح إما أن ينصب على وضع فاسد، أو تغيير وضع إلى أصلح منه، ولأهمية الإصلاح تجد الإمام الشيرازي ـ والكلام لنجل السيد الراحل ـ ركز الإمام الشيرازي على عملية الإصلاح طيلة عمره الحافل بالعمل الدؤوب، حيث شملت إصلاحاته الجوانب العلمية فكان مجددا، والسياسية فكان لأفكاره دورا كبيرا في إصلاح الأوضاع السياسية في كثير من البلدان.

فقد طرح الإمام الشيرازي ـ قدس سره ـ نظرية شورى الفقهاء لضمان عدم الإستبداد والتفرد بالسلطة ولم يقبل لهذه النظرية بديلا على الرغم من الضغوطات الكبيرة التي مورست ضده ومحاولات جره إلى المساومة. ثم إن السيد جعفر أشار إلى مجموعة من الآيات والأحاديث التي استدل بها السيد الشيرازي الكبير على نظريته في شورى الفقهاء.

بعدها عرض المتحدث إلى الحوار الذي أسس له السيد المؤبن بين الديانات والمذاهب وذلك إيمانا منه رحمه الله تعالى في أهمية الحوار في تقريب وجهات نظر المتحاورين وتضييق الهوة بينهم خدمة لهف التعايش السلمي بين بني البشر على اختلاف مشاربهم والذي أشارت إليه الآية الكريمة

يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

إن تأبين الإمام الراحل ـ كما قال السيد جعفر الشيرازي ـ لم يكن الغرض منه المفاخرة، إنما هو لتجديد العهد منا له على المضي في المسيرة الإصلاحية التي بدأها رضوان الله عليه. ليختم السيد جعفر كلمته ولكمة الأسرة الشيرازية الكريمة بتوجيه شكره الجزيل لمن شارك في تأبين الإمام الراحل، ويجدد العهد لوالده على المضي في خطه الذي رسمه.

أما الفقرة التي تلت ما تقدم فقد كانت من نصيب شخصية سياسية كانت قد تجشمت عناء السفر من الكويت للمساهمة في تأبين الإمام الراحل الذي كان له ـ على ما يبدو ـ أكبر الأثر في وضع أسس تلك الشخصية وبناءها. صاحب تلك الشخصية هو الأستاذ الحاج صالح عاشور النائب النشط في مجلس الأمة الكويتي.

استهل الأستاذ صالح كلمته بالإشارة إلى مظلومية الإمام الراحل في حياته تلك المظلومية المنبثقة من مظلومية أجداده من أهل البيت عليهم السلام، ليتحدث بعد ذلك ـ بعد أن أبدى تحيره من نقطة الإنطلاق التي يتعين عليه أن ينطلق منها ـ بالحديث عن دور الإمام في تقريب المسافات واختزالها بيننا وبين محمد وآله من خلال تجسيده لأخلاقهم الكريمة قولا وعملا، ودوره في التقريب بيننا وبين السماء. ثم نعته بأنه أبو المجاهدين حين تحدث عن جهاده الذي بدأ من بلد النشأة المباركة ـ العراق ـ وبأن أخلاقه أخلاق الأنبياء حين تحدث عن أخلاقه وسجاياه، أما عن زهده وتقواه فقد وصفه الحاج صالح بالذروة في الزهد، حيث لم يكن هذا الزهد سوى ثمرة لميزة الزهد والتقوى اللتان تميزت بهما المرجعية الكربلائية بشكل واضح وجلي. ثم إنه ذكر قصة استدل بها على زهده ـ قدس سره ـ حين كان يقيم في الكويت.

فقد روى أن الأخوة في الكويت وهبوا السيد الراحل دارا للسكن فيها فلم يمض من الوقت الشيء الطويل حتى أوقف السيد أغلب الدار كمدرسة بإسم مدرسة الرسول الأعظم للعلوم الدينية في حين اكتفى هو وعائلته بغرفة أو اثنتين فقط للسكن فيها، ثم إنه وبعدج مدة قليلة أوقف كل الدار للمدرسة التي ما زالت قائمة إلى الآن.

بعدها انتقل عاشور إلى الإشارة عن المشروع الإسلامي الحضاري النهضوي الذي قدمه الإمام الراحل وكان قد حمله هما للنهوض بالأمة الإسلامية من خلاله وقد توقع الحاج صالح عاشور للمشروع الحضاري للإمام الشيرازي أن يحتل مكان الصدارة في العالم الإسلامي لما له من الأهمية والعناصر الحضارية.

ولم يكن صالح عاشور ليخف عبراته التي ضاق بها صدره وتقطع بها حديثه وهو يتكلم عن بعض مما شاهده من الإمام الراحل حيث قال: لقد زرته في أيام المحنة حيث كان أبناءه بين نزيل للسجون ومطارد ومشرد فوجدته وحيدا فقلت له سيدي: أراك وحيدا ألا توحشك هذه الوحدة فأجابني: من كان مع الله كان الله معه فكيف أستوحش وأنا مع الله؟

ثم أنه ذكر الكثير من صرفه الأموال في سبيل إقامة المشاريع الإسلامية وعدم صرفها في القضايا الشخصية.

وختم الحاج صالح عاشور كلمته بالقول: عزائنا فيه أنه خلف أناسا كل منهم يعد مشروع نهضة.

ولم يكن الأدب غائبا عن ذلك المهرجان كيف لا وهو اللسان الجميل الذي يلبس الأشياء أحلى الحلل وأجملها؟

فقد ألقى الشاعر مدين الموسوي الذي قدم من لبنان للمساهمة في التأبين قصيدة جميلة بحق الإمام الراحل بعدما بين عجز القوافي عن النطق حين يرحل من هو بحجم الإمام الراحل ـ قدس سره ـ فاستهل قصيدته بالقول:

لبيت للـــــــــه النداءا   ورحلت ترغبه لقاءا

تسعى إليظه فلا ترى   إلا مأوى أو رجـــاءا

وعزفت عن دنيا بهـا   يتوعد الكدر الصفاءا

ثم خاطبه بقوله:

يا موقظا جفن العقول   وساكبا فيها الضياءا

جيلا على جيل رعيت   ورحت ترفعه لواءا

بعد القصيدة تحدث سماحة الشيخ أكرم جزيني ممثل سماحة الإمام الراحل في منطقة جزين المحررة ـ جنوب لبنان ـ عن الدور العلمي والثقافي والإجتماعي الذي قام به الإمام الراحل ولم يكن قد تحدد ذلك الدور في منطقة دون أخرى فقد شمل العالم الإسلامي برمته.

ليأتي بعد ذلك دور الشعر الدارج في تأبين الأمام الاحل فقد ألقى شاعر أهل البيت السيد سعيد الصافي قصيدة جميلة بحق الإمام.

ليتحدث بعده الشيخ القادم من قلب الجزيرة العربية الشيخ مصطفى مرزوق الذي تحدث عن دور الإمام الراحل في كونه عبرة ومفتخرا معا ليستشهد بعدها بمقطوعات من قصائد لشعراء من السعوديوة للشاعر محمد أمين أبو المكارم الذي جاور الإمام الراحل فترة طويلة في الكويت حيث كان يقول فيه:

أفطر بكأس الموقنين شهيدا

وذلك إشارة منه إلى أن الإمام كان قد رحل ثاني يوم عيد الفطر المبارك لذا خاطبه في العجز فلقد حبتك السماء العيدا.

أما الشاعر الآخر الذي استشهد له الشيخ مرزوق فقد كان جاسم الصحيح من الإحساءالذي قال في الإمام:

موت بحجبك مارد جبـــــــــار      كيف استطاعت نسجه الأقدار

ما كان عمرك في يمين عطاءه      عمــرا فيزهق إنــه أعمـــــار

وختم المهرجان بقراءة مجلس عزاء حسيني ألقاه السيد جواد القزويني حيث أبكى بصوته الحضور ليدعى الحاضرون بعدها لتناول طعام العشاء على روح الفقيد الراحل ـ قدس سره ـ

يجدر بالذكر أن المهرجان كان محط أنظار العديد من وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة التي بعثت بمندوبيها لتغطية المهرجان.