بيان صادر عن القسم الثقافي في الحوزة العلمية الزينبية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل سلطان المؤلفين المرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي (قدس سره)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال الله تعالى: (ن، والقلم وما يسطرون).

مضى عام على فاجعة رحيل المرجع الديني الأعلى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف)، تلك الفاجعة التي تعد ـ بحق ـ خسارة كبرى للعالم الإسلامي، بل والمجتمع الإنساني بوجه عام.

 ذلك لأنه ( قدس سره) كان كوكباً زاهراً في سماء العلم والفضيلة، وسراجاً ينير دروب الأحرار في كل مكان من هذا العالم، في زمن طغت المادة على سائر الأشياء.

وفي الثاني من شوال نعيش الذكرى السنوية الأولى لرحيل هذا العالم المفكر والمؤلف البارع والفقيه المجاهد والزاهد العابد  والمصلح المجدد.. فقد قضى الإمام الراحل ( قدس سره) عمره الشريف الحافل بالجد والنشاط المتواصل يطلب الإصلاح ليس للمجتمعات الإسلامية فحسب، بل وللعالم بأسره، عبر تأسيسه لمنظومة فكرية حضارية عالمية محكمة المباني والمضامين، ولا تبلى على مر الزمان، تشكلت معالمها ومقوماتها من خلال تأليفه لما يربو على الألف ومائتي كتاب وكراس في شتى ميادين العلوم والمعارف، ولم يغرب عن باله قط أن يحث الطلائع المثقفة والمؤمنة من مختلف أقطار الدنيا، والتي آلت على نفسها أن تتصدى لمهمة التغيير والإصلاح في مجتمعاتها، ممن كانوا يحضرون عنده في مناسبة وغير مناسبة، رغبة في الإستزاده من معين علمه، وسلسال أفكاره السلسبيل بما يجعلهم على جمام من أمرهم في المضي بهذا السبيل القويم، أن يحثهم على الكتابة والتأليف ونشر الثقافة الحية والملتزمة بين مواطنيهم، إيماناً منه (أعلى الله درجاته) بأن أي بناء إنما يقوم على عنصري الثقافة والإيمان، وبأن الله عزوجل قد أودع في الإنسان ما يصلح به شأنه في الدنيا والآخرة.

وعلى ذلك فقد تميز التراث الفكري الهائل الذي خلّفهُ الإمام الراحل (طيب الله ثراه) بالشمولية والتنوع وسعة الأفق في الخطاب الفكري، والوعي بمتطلبات العصر والنظرة الواقعية في تعاطيه مع سائر ميادين الحياة، والإحاطة الواسعة بتجارب المجتمعات والأمم في أدق تفاصيل حياتها وسيرتها التاريخية، وهو ما نلمسه من خلال نظرياته المتجددة في الفقه والسياسة والاجتماع والإدارة والبيئة والصحة والأسرة والعولمة وإلى غير ذلك.

وقد كتب (رضوان الله عليه) للنخبة والعامة والناشئة، وكتب للطالب الحوزوي، كما كتب للطالب الجامعي، وبرز من جملة ما كتبه موسوعته الفقهية النادرة، والتي تقع في (160) مجلداً، في مختلف أبواب الفقه، كتبها سماحته ( قدس سره) للفقهاء والمجتهدين.

إلى ذلك، تميز السيد المرجع الديني الراحل (طيب الله ثراه)، بأن شدد على إعادة اللحمة وروح الاتحاد لصفوف المسلمين، بمختلف طوائفهم وقومياتهم، وصولاً إلى الأمة الواحدة التي نعتها القرآن الكريم بالأمة الوسط.. واهتماماته بقضايا ومشاكل المسلمين سواء في العراق، أو أفغانستان، أو فلسطين، أو لبنان، أو الشيشان، أو آذربيجان، أو الهند، أو الباكستان، أو في القارة الإفريقية أو غيرها تشهد على ذلك، منطلقاً سماحته من التوجيه القرآني :

1- وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربُّكم فاتقونِ  (المؤمنون:52) حيث حرص سماحته على توحيد الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط، وإزالة الحدود الجغرافية المصطنعة بين بلاد المسلمين.

2- إنما المؤمنون إخوة   (الحجرات:10) مؤكداً ضرورة إحياء الأخوة الإسلامية وتوثيق عرى التضامن بين سائر المسلمين.

3- يضع عنهم إصرَهم والأغلال التي كانت عليهم  (الأعراف: 157) حيث كان (رضوان الله عليه)،  يسعى جاهداً لتوعية الأمة بضرورة خلق مناخات الحرية، في حدود وضوابط الشرع المقدس، والتي تراعى فيها حريات الآخرين.

4- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (النحل: 125) كان ( قدس سره) يدعو إلى عقد الندوات والمؤتمرات الفكرية، لمداولة الرأي، وتلمس وجه الحق، مشدداً سماحته على أهمية احترام الرأي الآخر مهما كان.

5- وأمرُهُم شورى بينهم   (الشورى: 38 ) ..وشاورهم في الأمرِ.. (آل عمران: 159) وقد دعا إلى الإدارة الشوروية لشؤون الأمة، وقضاياها الكبرى والمصيرية، من قبل علمائها وحكمائها، غير متجاهل لشرط رضى الأمة، وإحرازه من طريق الانتخابات الحرة.

هذا، وكان الإمام الشيرازي الراحل ( قدس سره) يوصي بنشر وتوزيع ثلاثة مليارات من الكتب :

1- مليار كتاب لزيادة وعي المسلمين بحقيقة الإسلام الحنيف.

2- مليار كتاب لتعريف الغرب بالإسلام وسمو تعاليمه.

3- مليار كتاب لرد الشبهات والاعتداءات التي توجه ضد المسلمين.

وبهذه المناسبة المؤلمة ـ ذكرى رحيله ـ نرفع آيات العزاء والمواساة لولي الله الأعظم الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف) وإلى شقيق الإمام الراحل المرجع الديني الكبير الفقيه المحقق سماحة السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله الوارف)  وإلى أبناء الإمام وذويه، كما نعزي الحوزات العلمية، ومراجع الدين العظام والسادة العلماء الأعلام، وكافة المسلمين في العالم.

 إنا لله وإنا إليه راجعون 

                                                                   

                                                                            القسم الثقافي في الحوزة العلمية الزينبية

                                                                            2 / شوال / 1423هجرية