استمرار المخاوف من حرب اهلية في العراق

 (وكالات) – عادت الحركة الاثنين الى العاصمة العراقية وفتحت المحلات التجارية ابوابها بعد الازمة الطائفية التي اندلعت في البلاد في اعقاب تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء الاربعاء الا ان القلق لا يزال سيد الموقف.

واصبح بامكان سكان بغداد وضواحيها التنقل بحرية الاثنين بعد ان ظلت الحركة شبه منعدمة خلال الايام الثلاثة الماضية بسبب تقييد حركة السيارات فيها وحظر التجوال الذي فرضته الحكومة.

ونشر الجيش بضعا من دباباته المعدودة حول المدينة بعد أن قتل هجوم بقذائف المورتر أربعة أشخاص في ضاحية شيعية بمنطقة غرب بغداد السنية.

وعقب صلاة العشاء اسفر انفجار قنبلتين على جانب طريق عن مقتل أربعة أشخاص واصابة 15 قرب مسجد سني في ضاحية بغداد الجديدة بمنطقة شرق بغداد التي يغلب الشيعة على سكانها.

وقالت قوات الكوماندوس التابعة للشرطة انها قتلت خمسة تشتبه في انهم من المسلحين السنة واعتقلت 25 في معركة جرت خلال الليل جنوب غربي المدينة. وادى القتال أيضا إلى مقتل ثمانية من افراد الشرطة واصابة ستة.

وأقر السفير الامريكي المشارك في جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية بأن العراق كان على "شفا حرب أهلية" بعد تفجير مزار شيعي يوم الاربعاء لكنه قال "الامور تتحسن."

لكن أكبر تكتل سياسي سني ذكر أنه ليس مستعدا لانهاء مقاطعته لمحادثات تشكيل الحكومة الائتلافية التي اتخذت احتجاجا على الهجمات الانتقامية التي شملت مساجد سنية. وتشير احصاءات الشرطة إلى أن أكثر من 200 شخص لاقوا حتفهم في أعمال العنف التي استمرت خمسة أيام.

وقال حسين عباس (19 عاما) وهو عامل شيعي "الناس لا تزال عصبية ومتوترة." ووقف عباس في طابور حاملا فأسه في انتظار الحصول على عمل باليومية مع عودة الحياة إلى الاعمال بعد ثلاثة أيام من التوقف.

ومع استمرار الخوف من الأعمال الانتقامية الطائفية لجأت عائلات من الطائفتين أما للهروب من منازلهم بسبب احساسهم بالخطر من جيرانهم أو للتحصن داخل المنازل.

وقال سالم الحلبوسي وهو شيعي من أحد مراكز الشباب "كنا 25 عائلة نعمل في مصنع للطوب. هددونا وقالوا..لديكم مهلة ساعتين وبعد ذلك سنذبح كل من نعثر عليه هو وعائلته."

وأضاف "عشت هناك منذ عام 1976. قبل ذلك كنا نادرا ما نسمع عن شيء مثل هذا. لم يكن هناك سنة أو شيعة. كنا واحدا."

أما ابو مروان وهو سائق تاكسي سني فقال "بصراحة ظننت أن الحرب الاهلية اندلعت بعد رد الفعل الغاضب الذي رأيته عقب تفجير سامراء." وعاد أبو مروان إلى عمله لكنه عبأ مقتنيات عائلته الثمنية استعدادا للهرب إلى تكريت مسقط رأسه إلى الشمال اذا اقتضى الامر.

ويقول علي عدنان السامرائي وهو مهندس يعمل في وزارة الدفاع والذي تعرض والده للخطف على يد احدى الجماعات المسلحة قبل ان يطلق سراحه بعد نحو عشر ساعات ان "الخوف لا يزال سيد الموقف".

واضاف علي الذي ترك اسرته ومنزله ليستقر في منزل اخته المتزوجة "في الوقت الحاضر ما زلنا نخشى ان نتعرض للاذى فنحن لن نشعر بالامان والاطمئنان التام الا بعد انتهاء الازمة عبر القضاء على جذورها".

واضاف "لقد حدث شيء لم يحدث سابقا في العراق ما يعني ان تكرار الامر قد يكون واردا في المستقبل".

ويقول غسان محمد (35 عاما) وهو طبيب سني ان "الازمة كان من المكن ان تحرق البلاد باسرها لولا تدخل بعض الحكماء في البلد".

ويضيف محمد الذي كان في طريقه الى عيادته في شارع السعدون التجاري وسط العاصمة بغداد ان "الازمة لا تزال قائمة ولم تعالج بصورة كاملة".

وتابع "الخوف تملكنا على عائلاتنا خاصة خلال الايام الاربعة الماضية التي كانت صعبة جدا (...) حيث لم نسمح لاحد من عائلتنا بالخروج الى الشارع على الرغم من احتياجات المنزل".

واكد محمد ان "الامن كان معدوما وخاصة في اليوم الاول بعد الاعتداء على مرقد الامامين في سامراء حيث نشبت موجة غضب شديد كانت اسوأ بكثير من كل ايام الحروب التي عشناها وما اكثرها".

ومن جانبه عبر صلاح محسن (35 عاما-سني) عن تفاؤله في عودة الحياة الى طبيعتها في العاصمة مؤكدا ان "السياسيين الدينيين كمقتدى الصدر هم من قاموا باطفاء فتيل الازمة وليس السياسيين في الحكومة".

وابدى محسن الذي كان يستقل سيارته ومتوقفا في طابور في انتظار دوره للحصول على البنزين تفاؤلا في ان بوادر الانفراج هذه قادمة "سوف تقود هذه الازمة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية".

واكد محسن الذي يعمل في مجال استيراد الملابس من تركيا ان الازمة اثرت بصورة كبيرة على عمله حيث كان من المفترض ان يسافر اليوم الى تركيا لكنه لم يتمكن من ذلك.

ويضيف ان "مسالة الشيعة والسنة شيء لا اعترف به بتاتا الا ان هناك مستفيدين من هذه الازمة يعملون على توظيفها لصالحهم وهناك الطرف الثاني وهم المتخلفون والذين ليس لديهم ادراك ويندفعون خلف عواطفهم لا عقولهم".

واضاف "اريد القول انني مع انني لست من مؤيدي مقتدى الصدر الا انني ارى ان الازمة قد انتهت بجهوده ووقفته المشرفة".

وقال عدنان علي (40 عاما) وهو مدرس في مدرسة ثانوية في حي الطالبية ذي الغالبية الشيعية ويضم في اكنافه اقلية سنية ان "اقل من ربع عدد الطلبة حضروا اليوم الى المدرسة".

وعزا عدنان وهو كردي كان في طريق عودته من المدرسة "السبب الى خوف عائلاتهم على ابنائهم من اعمال عنف ربما تندلع في اي وقت خاصة وان المواطنين ليسوا على يقين بصورة كاملة فيما اذا كان الوضع هادئا او لا يزال متوترا".

ويقول عدنان ان "الخوف لا يزال موجودا ولا نعرف ما الذي يمكن ان يحصل في الغد خاصة واني رأيت بأم عيني كيف ان الوضع في الحي الذي اسكنه قد خرج من سيطرة الدولة ورأيت العشرات من المسلحين يستقلون سيارات ويحملون السلاح ويعتقلون الناس ويطلقون النار في الهواء لقد كان امرا مرعبا جدا".

ويقول ابو طيبة (50 عاما) وهو شيعي صاحب محل في منطقة سوق الشورجة وسط العاصمة بغداد "لقد عشت مع جاري السني لاكثر من 30 عاما جنبا على جنب يشاركني احزاني وافراحي ولم اسأل يوما ان كان سنيا او شيعيا".

ويضيف "تربط السنة بالشيعة وشائج اجتماعية وعلاقات اخوة ومحبة وتزاوج وجيرة لذلك من الصعب ان نقبل ان يأتي اليوم احد لكي يفرقنا".

لكن قادة العراق والكثير من العراقيين يصرون على أنهم يثقون في حسن نوايا بعضهم البعض. واظهرت لقطات بثها تلفزيون الدولة سنة وشيعة وهم يصلون جنبا إلى جنب في بغداد.

وقالت وزارة الدفاع العراقية ان القوات الامنية قتلت 35 "ارهابيا" واحتجزت 487 منذ دمر مفجرون يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة المسجد الذهبي وهو مزار شيعي في سامراء يوم الاربعاء. وذكر التلفزيون الحكومي في وقت لاحق ان قوات وزارة الداخلية العراقية اعتقلت مساعدا بارزا يعتقد انه سوري لزعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو مصعب الزرقاوي. ولم تتوفر تفاصيل.

وذكرت الوزارة أنها رفعت الحظر للسماح للناس بالعودة لاعمالهم. ولا يزال حظر التجول خلال الليل ساريا في أنحاء العراق.

وقال اللواء عبد العزيز محمد المتحدث باسم الوزارة خلال مؤتمر صحفي ان فرض الحظر خلال النهار كان قرارا شجاعا ورفع هذا الحظر كان قرار أكثر شجاعة مضيفا أن قوات الامن مارست ضبط النفس لتجنب اذكاء المشاعر.

وأضاف دون الخوض في تفاصيل أنه يجري نشر دبابات في المدينة. وشاهد سكان الدبابات السوفيتية التابعة للجيش التي اشتراها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في غرب بغداد. ونشرت ايضا مركبات مدرعة امريكية في الشوارع. وقال متحدث باسم القوات الامريكية ان نشر المركبات يهدف لدعم الوحدات العراقية.

وتضغط واشنطن على القادة الشيعة لقبول انضمام شخصيات من الاقلية السنية الى حكومة وحدة وطنية منذ أن اقبل السنة للمرة الاولى على المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في ديسمبر كانون الاول الماضي برعاية الولايات المتحدة. وتأمل واشنطن في استقرار الاوضاع في العراق كي تتمكن من اعادة جنودها هناك والبالغ عددهم نحو 136 الف جندي الى موطنهم.

لكن متحدثا باسم جبهة التوافق العراقية انه أرسل للرئيس العراقي قائمة بأربعة وعشرين مطلبا تريد الجبهة تلبيتها قبل العودة الى المحادثات.

ومن بين تلك المطالب أن تمول الدولة عملية ترميم المساجد التي لحقت بها أضرار.

وقال المتحدث ظافر العاني انه مع تدهور الوضع الامني فان الجبهة لا ترى أنه من المناسب الاستمرار في محادثات بشأن تشكيل حكومة مضيفا أن الشيعة يدفعون السنة نحو حرب اهلية يحاول السنة تفاديها.

ودفعت التوترات بين الاغلبية الشيعية والاقلية العربية السنية القادة العراقيين للحديث بشكل أوضح من ذي قبل عن خطر نشوب حرب أهلية ستشكل أكبر تهديد لبقاء العراق كدولة متحدة منذ الغزو الامريكي في عام 2003 وستثير توترات جديدة في انحاء منطقة الشرق الاوسط.

وقالت مجموعة ادارة الازمات الدولية في تقرير جديد ان العنف "هو فقط احدث واكثر المؤشرات دموية على أن العراق يتأرجح على شفا كارثة شاملة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء  28  /شباط /2006 -29 /محرم الحرام/1427