كنَّا نضمِّدُ بالقُبابِ جروحا |
|
واليومَ أضحتْ جُرحَنا المفتوحا |
وبِها نُعلِّلُ جَفنَنا عن قرحِهِ |
|
واليومَ صارَتْ جَفنَنا المقروحا |
كُنَّا نكفكفُ سَيْلَ مدمَعِنا بها |
|
واليومَ أضحتْ دَمعَنا المسفوحا |
وبِها نزُجُّ الآهَ عاليَةً بنا |
|
ولقد غدت صوتَ الأسى المبحوحا |
اللهَ يا يومَ الرزيَّةِ ما جرى؟ |
|
ألـهَبتَ يا يومَ القُبابِ قروحا |
فكأنَّ أحمدَ قُطِّعَتْ أحشاؤهُ |
|
وكأنَّ حيدَرَ عادَ يُغصَبُ روحا |
وكأنَّ فاطِمَ كُسِّرَتْ أضلاعُها |
|
وكأنَّما خِدرُ البتولِ أُتيحا |
وكأنَّما هُتِكَتْ جنازةُ شُبَّرٍ |
|
وكأنَّما بُعِثَ الحُسينُ ذبيحا |
وكأنما طُحِنَتْ أضالِعُ صدرِهِ |
|
وكأنَّما سِتْرُ الخُدورِ أُزيحا |
فبَدَتْ بسامِرّا المُباحَةِ زينَبٌ |
|
تدعو وقد رأت الحُسينَ طريحا |
ليتَ السماءَ على الوِهادِ تحدَّرت |
|
والبدرَ من بُرجِ السَماءِ أُطيحا |
ليتَ الجبالَ على السهولِ تدكدكت |
|
ومُدَى الصواعِقِ ما طَعنَّ ضريحا |
ليتَ العَمى بين الجِنانِ أصابَنـي |
|
كي لا أرى عَمَدَ القُبابِ كسيحا |
جدَّاهُ قد هَتَكوا علِيَّاً وابنَهُ |
|
أترى ابنَكَ المهديَّ جاءَ جريحا
|
قد كنتُ أحسبُ في القبورِ أمانَنا |
|
لكِنَّما حَرَمُ القبورِ أُبيحا |
|
*** |
|
والآهِ لن تستأصِلوا إيمانَنا
|
|
والوجدِ لن تستعبِدوا أرواحَنا
|
قسماً براعفةِ الجراحِ وبَوْحِها
|
|
لن يقطعَ السيفُ الجبانُ حِبَالَنا
|
فلقد عِقَدْناها بِكَفِّ محمدٍّ
|
|
وبكفِّ من نال العُلى وأنالَنا
|
والقَدْرِ والمِحرابِ لن تذوي الرؤى
|
|
والطعنةُ الرعناءُ لن تغتالَنا
|
والدارِ والأضلاعِ لن نفنى وذي
|
|
صُحُفُ المودَّةِ دوَّنَتْ آجالَنا
|
والطِفلِ والمسمارِ لن تـبلى المُنى
|
|
أنّى وقد ساقى الهوى أشبالَنا
|
والخدِّ والأقراطِ لن ننـسى لكم
|
|
دَينَ الظُلامةِ حين نقدحُ نارَنا
|
والسُمِّ والأكبادِ إنَّ بقلبِنا
|
|
وَلَهَاً إلى نخلِ الوفاءِ أجاءَنا
|
والجسرِ والقيدِ المضمَّخِ بالإبا
|
|
أبت الجدودُ مذلّةً وأبَتْ لَنا
|
والتربةِ الحمرا وقلبِ قتيلِها
|
|
سهمُ الفؤادِ على الخطوبِ أعانَنا
|
والنحرِ والصدرِ المكَسَّرِ والظَما
|
|
عطشُ الحُسينِ على المَعِينِ أقامَنا
|
والنارِ والخُمُرِ السليبةِ والخِبا
|
|
قد جلبَبتْ خـُمُـرُ الثباتِ نساءَنا
|
والجودِ والكَفِّ القطيعةِ واللِوا
|
|
ورَدَتْ مواجِعُنا السَما وسَقَتْ لنا
|
قسَماً بيومِ العسكريـَّينِ الذي
|
|
شبَّتْ بهِ شُعَلُ العِدى وأشابَنا
|
إن تهدِموا للطاهِرينَ منارَةً
|
|
لن تُسكِتوا بين الصدورِ أذانَنا
|
اللهُ أكبرُ، يا محمّدُ، يا عليْ
|
|
لن يقطعَ القتلُ المُريعُ صَلاتَنا
|
|
*** |
|
ذُبنا وصبرُكَ كالجِبالِ الراسيةْ
|
|
لم تبقَ فيـنا للتجلُّدِ باقيَةْ
|
يا سيِّدي كلَّتْ ضروعُ دموعِنا
|
|
وبصدرِنا رسُلُ التَـزَفُّرِ ذاوِيَةْ
|
يا سيِّدي من عَتـْبِـنا ماتت متى
|
|
فبمن نلوذُ إذا دهتنا الداهيةْ
|
وبمن نلوذُ إذا انجلى صبحُ العِدى
|
|
إلاّ بنجمِكَ إن طوَتنا الداجِيَةْ
|
هذي أنامِلُنا تنِزُّ دِمائَها
|
|
لحِبالِكُمْ رغمَ الوحوشِ الضاريَةْ
|
ها نحنُ نهتِفُ والمخالِبُ في اللُهى
|
|
ونبُثُّ صرخَتَنا لدربِ الناحِيَةْ
|
خُذنا بحقِّكَ للمُغيَّبِ واتَّئِد
|
|
فالسيرُ وَعرٌ والقوافِلُ حافيَةْ
|
وإذا وَصَلتَ إلى حِماهُ فقُل لَهُ
|
|
هتكوا حِماكَ وذي الجموعُ ورائِيَةْ
|
تدعو وحقِّكَ ما بقت دارٌ لَنا
|
|
(إلاّ بها ناعٍ يُجاوبُ ناعيَةْ)
|