
وكالات - شهدت شوارع العراق هدوءا نسبيا يوم الجمعة مع توقفت
الهجمات على المساجد بعد ان استمرت حالة الغضب العارمة لمدة 48 ساعة
وتراجع اعمال القتل الطائفية.
ويبدو ان حظر التجول الذي فرضته الحكومة العراقية بهدف تفادي اندلاع
اعمال عنف بين السنة والشيعة اثناء صلاة الجمعة قد نزع فتيل التوترات
الطائفية هذه المرة لكن محللين قالوا ان خطر حرب اهلية لم يتلاشى بشكل
نهائي.
وقال مصطفى العاني وهو محلل عراقي بمركز بحوث الخليج "انها المرة
الاولى التي تتخذ فيها هذه الحكومة الخطوة السليمة بفرض حظر التجول
لكنه حل مؤقت."
واضاف ان الحكومة لا تتحرك بشكل جيد في نزع فتيل التوتر الطائفي على
المدى الطويل وانه لو تكررت هذه الحوادث فان الناس ستمتنع عن الالتزام
بحظر التجول وستفقد الحكومة السيطرة.
وفرض حظر التجول للمساعدة على كبح عنف طائفي اودى بحياة حوالي 200
شخص حول بغداد واثار المخاوف من انزلاق البلاد الى حرب اهلية. وهو
اختبار حاسم لقدرة الحكومة التي يقودها الشيعة على فرض النظام.
وبينما تجاهل عشرات الالاف من الشيعة في ضاحية مدينة الصدر الفقيرة
ببغداد الحظر للتوجه الى المساجد لاداء صلاة الجمعة دون ان يشعروا بخوف
كبير من جيرانهم فان المخاوف المتزايدة ربما لم تجعل احدا من العراقيين
الذين يقطنون مناطق مختلطة يجرؤ على الخروج يوم الجمعة.
ومع الدعوات المتكررة لالتزام الهدوء التي صدرت عن زعماء دينيين
وسياسيين من الجانبين فان حظر التجول وفر فترة تهدئة وقدم للحكومة وقتا
كي تبحث كيف يمكنها تجنب الاقتراب لمسافة قريبة من حرب اهلية مرة ثانية.
وقال جوست هيلترمان المحلل بمجموعة الازمات الدولية ومقرها واشنطن
"المطلوب هو زعامة قوية. الزعماء الدينيون في الجانبين يجب ان يسحبوا
اولئك الذين يغذون هذا. المسؤولون يجب ان يفرضوا وجودا امنيا قويا بدون
ان يحولوا قوات الامن العراقية لواحد من الفصائل."
"اذا حدثت حرب فسينهار القانون والنظام. والجيش ربما يتفتت الى
اجزائه الشيعية والسنية والكردية وستنضم اليها الميليشيات."
ومع شيوع اعمال القتل المتبادلة بين السنة والشيعة استنادا لمبدأ
العين بالعين وهي القاعدة المعمول بها بالفعل في العراق وفي الهجمات
على الكنائس والمساجد وعلى رجال الدين فان التوتر الطائفي المتزايد
يمثل اختبارا كبيرا لقوات الامن العراقية التي دربها الجيش الامريكي.
وبينما انتشرت هذه القوات اليوم الجمعة لفرض حظر التجول فانها كانت
عاجزة عن العمل لوقف مصادمات بين ميليشيا شيعية تابعة لرجل الدين مقتضى
الصدر وبين مسلحين يشتبه انهم من السنة.
وفي حين لم تحدث وقيعة بين قوات الجيش والشرطة فان مجرمين نجحوا في
التسلل لصفوفهم ويقول العرب السنة ان فرق الموت التي تستهدفهم تعمل من
داخل وزارة الداخلية التي يديرها الشيعة.
وتنفي الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة هذا لكن سيتعين على الحكومة
العراقية ان تظهر ان بوسعها السيطرة على الميليشيات الشيعية التي
تستهدف السنة وتقيم نقاط تفتيش على الطرق.
وفشلت الحكومة بوضوح في منع ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر من
النزول للشوارع على مدار اليومين الماضيين واتهم السنة هؤلاء الرجال
بانهم كانوا في طليعة المشاركين في اعمال العنف.
كما ان الصدر استطاع ايضا استغلال الموقف لصالحه والقيام باستعراض
للقوة والمطالبة بانسحاب القوات التي تقودها واشنطن من العراق ووجه
انتقادات للحكومة التي تقودها احزاب شيعية منافسة له.
وقلل فالح عبد الجبار الذي ألف كتابا عن الحركات السياسية للشيعة في
العراق من احتمالات وقوع انقسام داخل الكتلة الشيعية الرئيسية رغم
الخلافات التي تنشب بداخلها والتي ادت الى مصادمات بين جيش المهدي
ومنظمة بدر المنافسة.
ولا يجمع الاطراف الشيعية حتى الان سوى اية الله العظمى علي
السيستاني المرجع الاعلى للشيعة في العراق.
ورغم انه لا يملك اسلحة فان السيستاني تمكن من استخدام نفوذه الديني
لانهاء انتفاضة الصدر عام 2004 ضد القوات الامريكية في مدينة شيعية
مقدسة في جنوب العراق.
ويقول عبد الجبار انه رغم ان الصدر ربما يكون بوسعه القيام باستعراض
للقوة الا انه يفتقر للسلطة لاستخدامها.
وتبدو الانقسامات بين الجماعات السنية اكثر احتمالا حيث انضم بعضهم
للمشاركة في العملية السياسية في حين ما زال البعض الاخر مستمر في
محاربتها.
وقال العاني ان ما يمنع وقوع حرب حتى الان ليس الساسة الذين يستغلون
الوضع لكن العراقيين العاديين.
واضاف قائلا "الوضع السياسي والامني الان يتضمن كافة مكونات الحرب
الاهلية... والسؤال هو ما الذي سيشعلها."
هذا وخفف حظر التجول الذي فرض على بغداد ونداءات الى وحدة المسلمين
خلال صلاة الجمعة في شتى انحاء العراق من حدة اعمال العنف الطائفي
والتي اثارت مخاوف من اندلاع حرب اهلية ولكن وسط اشتباكات وقعت بعد
حلول الليل حظرت الشرطة حركة السيارات ليوم آخر.
وقالت الشرطة ان مسلحين كان بعضهم يطلق صواريخ هاجموا مساجد للسنة
في منطقتين ببغداد من بينها مزار ابو حنيفة الذي يحظى بمكانة لدى السنة
.
واضافت ان الشرطة والقوات العراقية صدت المهاجمين الذين كانوا
يرتدون الزي الاسود المميز للميليشيات الشيعية.
وقتل 200 شخص في بغداد وحدها منذ بدء الهجمات الانتقامية ضد مساجد
الاقلية السنية بسبب تفجير يشتبه بأن القاعدة قامت به لمزار شيعي يوم
الاربعاء مما اغرق العراق في اسوأ ازمة له منذ الغزو الامريكي في عام
2003 .
وقال الرئيس الامريكي جورج بوش "هذه لحظة اختيار بالنسبة للشعب
العراقي .. الايام القادمة ستتطلب جهدا كبيرا."
وقال سياسي شيعي بارز "بذل القادة السياسيون ورجال الدين السنة
والشيعة جهودا كبيرة واصبح الوضع أفضل مما كان عليه. ولكن للامانة ما
زال العراق في منطقة الخطر."
وقال مسؤولون إن حظر التجول خلال ساعات النهار والذي فرض يوم الجمعة
ونجح إلى حد كبير في وقف اعمال العنف الطائفية خلال يوم الجمعة سيستمر
الان بالنسبة للمركبات حتى الساعة الرابعة مساء السبت.
وقال قادة إن قوة أمريكية للرد السريع استعدت في مواقعها.
وقال رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لاتباعه الذين نظموا مسيرات ضمت
الالاف في معقلهم ببغداد ومناطق أخرى ان الشيعة والسنة ليسوا اعداء بل
اخوة.
وينفي الصدر ارسال ميليشيا جيش المهدي ضد اهداف سنية ولكن استعراض
القوة من جانب الجماعات الشيعية المتناحرة على مدي ثلاثة أيام ربما
يكون قد عزز موقفها في المفاوضات التي تجري برعاية امريكية بشأن تشكيل
ائتلاف للوحدة الوطنية كل أمام الاخرى في الحكومة المؤقتة التي يتزعمها
الشيعة وأمام السنة القلقين .
ومنذ دمر انفجار يشتبه بان القاعدة نفذته قبة مزار شيعي رئيسي يوم
الاربعاء الماضي وقعت عشرات الهجمات الانتقامية على مساجد الاقلية
السنية مما أدى إلى وقف المحادثات بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية يقول
بوش إنها مفتاح الاستقرار الذي سيسمح له باعادة 136 الف جندي امريكي
الى بلادهم.
وتولى الاف من افراد الجيش والشرطة العراقيين الذين دربتهم القوات
الامريكية لكنهم يفتقرون للخبرة اغلاق الطرق في انحاء بغداد والمناطق
المحيطة بها فيما توارت الدوريات الامريكية عن الانظار.
ولن تختبر القوات العراقية الجديدة التي شكلت في الاغلب من ميليشيات
متنافسة الا اذا اضطرت للتدخل.
وقال الكولونيل جيفري سنو من الجيش الامريكي ان القوات العراقية اذا
احتاجت للمساعدة "فسنتمكن من الرد بصورة سريعة."
ولم يفرض حظر التجول ولم تقع الكثير من الاضطرابات في اماكن اخرى
بالعراق منها مدينة البصرة ثاني اكبر المدن العراقية.
وقالت مصادر من الشرطة إن 20 شخصا قتلوا في المناطق المحيطة ببغداد
مقارنة مع ما يقرب من 180 شخصا خلال اليومين الماضيين.
وكانت شوارع وسط المدينة والمساجد شبه خالية أما سكان الاحياء الذين
شعروا بالطمأنينة لوجودهم بين اقرانهم سواء من السنة او الشيعة فتوجهوا
لاداء صلاة الجمعة وسماع خطب تحث المسلمين على الوحدة وتحذرهم من
الفرقة.
وقال بيان من الصدر إن من يهاجم مسلما ليس بمسلم ومن يعتدي على
المقدسات والمساجد سيلقى عقابه. وكان جيش المهدي من بين ميليشيات شيعية
متنافسة انتشرت في الشوارع الاسبوع الماضي.
وبث التلفزيون العراقي الرسمي بيانا مطولا تشبه صياغته اسلوب عبد
العزيز الحكيم زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي
يدير ايضا منظمة بدر الشيعية المدججة بالسلاح الموالية لايران. وقال
رجل ديني سني في بغداد للمصلين "ما حدث عند المرقد الشيعي محاولة لبث
الفرقة بين المسلمين."
وقال رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري وهو من الشيعة إن
الحكومة ستعيد بناء المساجد وربما تخصص قوة لحراستها.
وقال مسؤول بارز بالحكومة لرويترز "يحاول كل جانب تهدئة اتباعه..
الاوضاع افضل مما كانت عليه بالامس ولكن لا تزال صعبة."
وقال السفير الامريكي زالماي خليل زاد الوسيط النشط في مفاوضات
تشكيل الحكومة والذي صب الشيعة جام غضبهم عليه هذا الاسبوع بسبب الضغط
علانية على الاسلاميين لافساح مجال للسنة في الحكومة "الاحداث التي
وقعت خلال الايام القليلة الماضية تبرز حاجة العراقيين الى تشكيل حكومة
وحدة وطنية."
واضاف في تصريحات للصحفيين "انها فترة خطيرة ولكنها تتيح فرصة
ايضا."
وانسحبت الكتلة السنية الرئيسية من مفاوضات الائتلاف واتهمت الحكومة
التي يهيمن عليها الشيعة بالفشل في حماية السنة من أعمال العنف
الانتقامية بعد تدمير المسجد الذهبي في سامراء.
والقت الحكومتان العراقية والامريكية باللوم في الهجوم على متطرفين
سنة من تنظيم القاعدة الذي اتهم بدوره قادة الشيعة بتنفيذ الهجوم
لايجاد مبرر لشن هجمات على السنة.
وقال رجل من سكان بغداد يدعى محمد وهو في طريقة الى وسط المدينة "اذا
استمر هذا الوضع ستندلع حرب أهلية."
وفي الخارج ساد القلق من احتمال ان تؤدي اعمال العنف الطائفي في
العراق الى اشتعال الشرق الاوسط بأكمله إذا خرجت عن نطاق السيطرة.
وفي المملكة العربية السعودية قال الشيخ صلاح آل طالب في خطبة بثها
التلفزيون خلال صلاة الجمعة في الحرم المكي الشريف "ليس من مصلحة
العراق كله الاستعجال والمبادرة في الانتقام".
وواصلت إيران الشيعية انتقاداتها للاحتلال الامريكي ويشتبه البعض في
ان طهران ربما تهدف إلى تحويل الضغط الامريكي عنها باثارة الاضطرابات
في العراق.
في الوقت نفسه قال مسؤول في صناعة النفط العراقية ان قنبلة دمرت خطا
لنقل منتجات النفط والوقود قرب بلدة بيجي التي يوجد بها مصافي نفطية
بشمال العراق يوم الجمعة ومن المرجح ان يعطل ذلك الامدادات لمدة ثلاثة
ايام تقريبا الى ان يتم الانتهاء من الاصلاحات .
واضاف ان الخط الذي اصيب لم يكن ينقل النفط الخام وان عملية التخريب
لن تؤثر على صادرات النفط الخام من شمال العراق الى تركيا. |