لقد تعوّدنا ان نسمع نفس الكلمات والشجب والاستنكار كلما حدث تفجير
ارهابي سواء اكان المستهدف فيه عامة الناس او بنى تحتية سواء اكانت
حكومية او دينية، عامة او خاصة. كما وتعودنا ان نسمع الاستنكار نفسه من
اغلب التيارات السياسية العراقية فضلا عن توعّد بعض اركان الحكومة
العراقية للاقتصاص للضحية من الجلّاد؟!
كل ذلك يحدث طبعا بمعزل عن تحميل قوات الاحتلال الامريكية ولو جزءا
بسيطا من دعم تلك الاعمال الاجرامية ولو من باب التصريحات الغير مسؤولة
التي يطلقها بين الفينة والاخرى السفير الامريكي في العراق زلماي خليل
زاد. ففي العرف الدبلوماسي الدولي ووفقا للبروتوكول المعمول به بين
الدول يتوجب على السفير المتواجد في اي دولة كانت ممثلا لدولته ان يكون
محترما ومؤدبا وشخصا مسؤولا ويتم التعامل معه بالدرجة نفسها التي تعامل
دولته سفراء الدول الاخرى المتواجدين على اراضيها. في حال العراق اليوم
يتصرف السفير الامريكي وكأنه ملك العراق الجديد وعلى العراقيين جميعا
ان يستمعوا لاراءه الفاسدة وان يطيعوا اوامره وينتهوا بنواهيه! الفضيع
في القضية ان بامكان زلماي منع اي مسؤول عراقي مهما علت درجته وبلغت
همته من دخول المنطقة الخضراء ولايتطلب الامر ارسال اكثر من جندي واحد!
فصلاحية هذا الجندي المحتل لاتقف عند تفتيش كل من يهم بالدخول ولافرق
في ذلك طبعا بين من لديهم حصانة وغيرهم! الانكى من ذلك ان ليس بامكان
وزير خارجية العراق اليوم ان يرفض استدعاء السفير الامريكي له اذا ما
طلب ذلك، ووقتما شاء السفير طبعا، بينما يتوجب حدوث العكس حيث بامكان
حكومات الدول المحترمة ان توبّخ السفير بل ويصل الامر الى طرده احيانا
خصوصا اذا مارات فيه تلك الحكومة تهديدا لامنها او ابدى تدخلا في اي
شأن من شؤونها سواء الداخلية او الخارجية منها!
السفير الامريكي في العراق لم يكن مؤدبا ولم يراعي الوضع العراقي
والحالة العراقية المتازمة والتي هم سببها الاول والاخير. فتصريحات هذا
الرجل كانت ولازالت سببا في الكثير من المآسي التي يعاني منها الشعب
العراقي اليوم. كما ان تدخلاته المقيتة في الشان العراقي اصبحت مقرفة
بل ووصلت في احايين كثيرة الى حد التمادي في منع التوصل الى حلول سلمية
ومرضية بين الفرقاء السياسيين العراقيين في تشكيل الحكومة الوطنية تحت
حجج واهية حينا واطلاق عبارات طائفية حينا اخر من اجل تعكير صفو
الاجواء. فمثلا ضغوط هذا السفير على قادة التحالف الكردستاني لم تتوقف
عند حد ربط محادثاتهم مع الائتلاف العراقي الموحد بالقائمة العراقية
التي ترعاها امريكا بل تعداه ليصل الى حد التهديد والتوليح بالعصا لمن
عصى! وهذا ما ترجمه التصريح الاخير للرئيس العراقي جلال الطالباني حين
ربط مشاركة تحالفه في الحكومة المقبلة بمشاركة اياد علاوي!
لم نر او نسمع ان بادر وزير الخارجية العراقي باستدعاء السفير
الامريكي ولو من باب "لفت الانتباه" نظرا لتصريحاته الغير مسؤولة ونخص
بالذكر الاخيرة منها والتي تنبعث منها رائحة الترويج لحرب اهلية والتي
طالما راهنت عليها قوى كثيرة. فتحذير السفير الامريكي الاخير من تشكيل
"حكومة طائفية" لامبرر له ولا تفسير له سوى التصيد في الماء العكر وشحن
الاجواء فضلا عن صرف الانظار عما تقوم به قواته والمتحالفة معها من قتل
وتدمير واعتداء وسرقة لثروات العراق! كانت ولازالت هذه التصريحات سببا
في التفجيرات الارهابية التي تطال الابرياء والمراقد المقدسة وما
التفجير الارهابي الذي حدث صبيحة هذا اليوم والذي استهدف قباب سامراء
الشامخة الا احدها! كما انه شاهدا ومثالا صارخا على تورّط هذا الرجل في
دعم الارهاب في العراق والسعي لزرع فتنة طائفية فيه.
لقد بات من المؤكد ان سفير الولايات المتحدة الامريكية لايفقه شيئا
عن التداخلات العائلية والروابط القوية والوشائج القبلية بين مكونات
الشعب العراقي! لذا يبدو ان الولايات المتحدة الامريكية لم تكن موفقة
في اختيارها لرجل افغاني يمثلها في العراق فكما هو معروف ان الاجواء
الافغانية والباكستانية مشحونة دائما سواء بالثار او من خلال حالة
الحرب الدائمة التي تعيشها الطوائف هناك. فما هو واضح ان السفير
الامريكي تتحكم فيه تلك المنطلقات الارثية والنزعات الطائفية فلم يستطع
ان يتحرر من تراكمات الطفولة والجذور الاجتماعية والتي كان لها شان
كبير في تشكيل شخصية الرجل لاحقا! فالسيد زلماي يتصور ان العراق
افغانستان او كشمير او باكستان ويتصرف على هذا الاساس وهو قطعا مخطئ!
بطبيعة الحال رجل بهذا المستوى المتدني من عدم الشعور بالمسؤولية
غير مرحّب به في اي دولة محترمة من دول العالم تحترم شعبها وتقيم
لدماءه وزنا! ترى فهل سنشهد قرار طرد السفير الامريكي من العراق قريبا،
ام بدلا عنه سنسمع القرار الامريكي في اعفاء وزير خارجيتنا من منصبه ان
هو فكّر ولو مجرد تفكير باتخاذ خطوة وطنية جريئة من هذا النوع؟ كل شئ
محتمل في العراق الفيدرالي التعددي! خصوصا لو امعنا النظر في المثل
الانجليزي القائل “easy come easy go” اي بمعنى ما يأتي بسهولة يذهب
بسهولة!
*كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل
www.riyad.bravehost.com |