الآثار في السعودية بين فكي التدمير والإهمال

علي ال غراش

هل حان الوقت لإعادة الاعتبار للمواقع الأثرية والتراثية والتاريخية في السعودية بشكل عام، والآثار الإسلامية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة بشكل خاص، في ظل الرفض الشعبي لقرار الاعتداء والتدمير والإهمال للمواقع الأثرية ومظاهر التشدد، لاسيما إن قيادة المملكة تدعو للتسامح والتعددية وقد أقامت مؤتمرات دولية لذلك، كما تم مؤخرا إنشاء هيئات عليا تعنى بالآثار والتراث والسياحة؟

التراث فخر واعتزاز

إن المحافظة والاهتمام والعناية بالآثار في مدينة الرسول (ص) ومكة المكرمة ـ وفي جميع مدن وقرى المملكةـ ضرورة دينية وإنسانية ووطنية، لأنها تتعلق بآثار وتراث سيد المرسلين وبخاتمة الرسالات السماوية، وتخص نحو مليار ونصف مسلم من جميع المذاهب والقوميات والأعراق.

فالآثار الإسلامية أمانة ينبغي على من يسيطر عليها الاعتزاز والافتخار بها وحمايتها من الإهمال والاعتداء والدمار، وان جميع المسلمين في العالم يشعرون بالانتماء الروحي لهذه الآثار الغالية، وهم بالتالي لن يرحبوا بأي دعوة فيها اعتداء أو تطاول أو إهمال.. لتلك المواقع العزيزة مهما كان المبرر، لاسيما إن مسالة الاعتداء لم تصبح سرا بعدما طال التدمير الكثير منها...، في ظل دعوة بعض المتشددين بإزالة ما هو باقي.

 وهي دعوة رفضها اغلب أبناء الوطن من دعاة وكتّاب وإعلاميين، الذين تحدثوا عن خطورة ظاهرة الاعتداء والتطاول على الآثار...، وكذلك خطورة غياب روح التسامح والتعددية الفكرية والمذهبية بين أفراد المجتمع، وقد نشرت الصحف المحلية مقالات وتقارير حول ذلك. وبالتالي فان حماية الآثار الموجودة في المملكة مسؤولية وطنية ودينية وإنسانية تحتاج إلى حملة وطنية تعريفية بأهمية الحماية والعناية بالآثار وإنها مسؤولية على عاتق كل فرد في المجتمع.

التطاول على الآثار مخالفة صريحة

إن ظاهرة التشدد والاعتداء على الآثار مخالفة صريحة لآراء اغلب المدارس الإسلامية، كما يعد مخالفة لتوجهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، الذي دعا إلى محاربة التطرف المتستر باسم الدين والمذهب، وعدم تكفير أتباع أي مذهب إسلامي، والتأكيد على أهمية الاعتدال والتسامح. كما أكد أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد بقوله:"الإسلام دين عالمي يدعو إلى التسامح والوسطية والمحبة وينبذ التشدد والتفرقة والإرهاب". كما ان اغلب أبناء الوطن يقفون مع الحكومة في المحافظة على الآثار الإسلامية، ونشر التسامح، وتطبيقه على ارض الواقع، ومعاقبة كل من يسئ التعامل.

تراث ينبض بروح الرسالة

إن الزائر لبيت الله الحرام للحج أو العمرة أو لزيارة الرسول الأعظم محمد (ص) لم يقطع المسافات الطويلة، وينفق المصاريف العالية، ويتحمل العناء والجهد الكبير إلا لأجل التعبد حسب عقيدته، والحصول على رضا الخالق عز وجل، والتزود بالأجر والثواب، وزيارة ومشاهدة الآثار من مساجد ومقامات ومواقع تنبض بتاريخ ورسالة الإسلام الخالد..، وليس للدخول في جدال ديني عقيم، والتعرض للمضايقة والإهانة بسبب الاختلاف، أو مشاهدة مواقع مهمة في تاريخ الرسالة في وضع سيء مهمل لا يتناسب مع حقيقة الاحترام والتقدير للرسالة الإسلامية ولصاحب الرسالة الرسول الكريم (ص)!!.

التشدد إساءة للدين والوطن

للأسف إن التشدد الذي يحدث بأسم الدين، وبأسم المملكة، لا يخدم الدين ولا يخدم سمعة أبناء الدين الإسلامي، ولا يليق بسمعة الوطن الذي يصرف المليارات من الريالات على تطوير الحرمين الشريفين، وخدمة ضيوف الرحمن والرسول الكريم (ص)، ويصرف المليارات على مؤتمرات دولية لنشر التسامح والحوار بين الأديان..؛ وإنما يخدم من لا يؤمن بمبدأ التعددية والتسامح!

إن المواقع الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة لجميع المسلمين من جميع المذاهب والعروق واللغات والبلدان والألوان..، وهذه المواقع أمانة ينبغي المحافظة عليها وتطويرها، وهي مواقع كانت تتمتع بالأمن والامان والإيمان، والسلام، والمحبة، والنظافة والعناية والرعاية، التي تدخل السرور.. لكل من يتوجه إليها. بفضل ما تتسم به الحكومات التي تشرف عليها من تسامح واحترام لتلك المواقع ولجميع المذاهب. امتثالا للرسالة الإسلامية التي تدعو للرحمة والمحبة والتعارف والتعاون والتسامح كما جاء في الكتاب الحكيم:"لا إكراه في الدين"، وقال تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"   و قال في آية أخرى " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".

نعم للتسامح والتعددية

لقد حان الوقت لاسيما بعد عقد مؤتمر حوار الأديان والدعوة لمنهج التسامح والاعتراف بالتعددية الدينية في الأمم المتحدة برعاية ودعم الحكومة السعودية، لنشر ثقافة التسامح بين أفراد الشعب السعودي وممارستها على الواقع، والتعامل على أساس الوطنية لا على أساس الانتماء المذهبي أو القبلي أو المناطقي، وعدم فرض اراء الجهات السلفية المتشددة، وضرورة إيجاد مؤوسسة حضارية تشرف على إدارة الحرمين والمواقع الدينية والتاريخية، أفرادها يؤمنون بحوار الأديان والتعددية الدينية والمذهبية، وبالتسامح، وبالأخلاق الإسلامية المحمدية الأصيلة التي تحبب الآخرين للدين، وتجذب الزائرين، وتجبر كل من يزور المواقع المقدسة أن يعود إليها بشوق وحنين، ويشكر القائمين.

هل حان الوقت لإعادة الاعتبار للمواقع الدينية الأثرية، ومنها البقيع عبر إعادة بناء ما تم هدمه وتدميره، وتأهيل المواقع الأخرى المهملة؟

حفظ الله بلادنا، وبقت مدينة الرسول الأعظم (ص) منارة للتسامح والتعددية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/شباط/2009 - 18/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م