إيران.. سدة الرئاسة الرمزية وتداخلها مع سلطة المرشد الاعلى المطلقة

كل فروع الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية تعمل تحت السيادة المطلقة لخامنئي

 

شبكة النبأ:" بحلول موعد الانتخابات البرلمانية الايرانية في مارس 2008 وجد الكثيرون من الايرانيين انفسهم انذاك يطرحون السؤال التالي: لو ان احد دعاة الاصلاح فاز بانتخابات الرئاسة عام 2005 بدلا من محمود احمدي نجاد، هل كانت ايران ستعاني من مثل هذا الوضع البائس اليوم؟".

كان هذا هو استهلال الكاتب والمحلل أكبر غانجي، في مقاله الذي نشر بمجلة "فورن أفيرز" بحسب صحيفة الوطن، ويسلط الضوء فيه على الوضع في ايران بعد ثلاثين عاما من انتصار الثورة الاسلامية في ايران.

يقول الكاتب: لما كان صانع القرار الحقيقي في ايران هو القائد الاعلى علي خامنئي، يُصبح من غير الانصاف وضع اللوم على الرئيس محمود احمدي نجاد في المشكلات التي تواجهها ايران، كما انه يعني ان هذه المشكلات سوف تزول بمجرد اختفاء نجاد عن المسرح السياسي وهذا امر غير صحيح بالطبع.

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الايرانية في مارس 2008 وجد الكثيرون من الايرانيين انفسهم انذاك يطرحون السؤال التالي: لو ان احد دعاة الاصلاح فاز بانتخابات الرئاسة عام 2005 بدلا من محمود احمدي نجاد، هل كانت ايران ستعاني من مثل هذا الوضع البائس اليوم؟

يقول المتحدث السابق باسم الحكومة رمضان زاده ان الحالة السائدة في ايران اليوم هي اسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى من قبل خلال السنوات الخمسين الماضية. ويبدو الرئيس احمدي نجاد برأي السياسيين ووسائل الاعلام الغربية هو المسؤول الاول عن علل ايران اليوم التي منها: الرقابة، والفساد، والاقتصاد الضعيف، واحتمال تعرض البلاد لهجوم اسرائيلي.

يبد ان هذا التحليل غير صحيح، ليس لانه يبالغ في اهمية احمدي جاد، بل ولانه يُخرج من الصورة ايضا الشخصية الوحيدة الاقوى في ايران المتمثلة بالقائد الاعلى علي خامئني. فالدستور الايراني يمنح هذا القائد سلطة كبرى في السيطرة على كل مؤسسات الدولة الرئيسية. كما وجد خامنئي الذي تولى هذا المنصب منذ عام 1989، الكثير من الوسائل لزيادة تأثيره. وسواء كان الامر رسميا ام غير رسمي، تعمل كل فروع الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت السيادة المطلقة للقائد الاعلى، اذ ان خامنئي هو رأس الدولة والقائد الاعلى للقوات المسلحة والشخصية الاكبر ايديولوجيا. وله هيمنة ايضا على الشؤون الاقتصادية والدينية والثقافية من خلال المجالس الحكومية المتنوعة وهيئات القمع مثل الحرس الثوري الذي هو من يعين رئيسه.

ومن الملاحظ انه من بين كل زعماء ايران منذ ان اصبحت جمهورية اسلامية في عام 1979، لا يحظى سوى عدد محدود منهم بالنفوذ والتأثير وهم: زعيم الثورة آية الله روح الله الخميني، علي اكبر هاشمي رافسنجاني رئيس ايران خلال معظم فترات التسعينيات، وعلي خامنئي القائد الاعلى.

يضيف الكاتب، لذا وعلى الرغم من كل الاهتمام الذي يتلقاه لا يمكن تصنيف احمدي نجاد ولا حتى من بين قائمة اول 100 زعيم في ايران من حيث الاهمية خلال السنوات الـ 30 الماضية. ولما كان خامنئي يؤيد احمدي نجاد اكثر مما ايد ايا ممن سبقه لذا تبقى سلطة نجاد رهينة لخامنئي ومرتبطة بنجاح نجاد في تحقيق اهداف القائد الاعلى. ولابد من الاعتراف فعلا ان سلطة خامنئي قوية جدا لدرجة دفعت الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي للاعلان ان منصب الرئاسة الذي كان يحتله في ذلك الوقت قد اصبح مجرد اداة تنفيذية للاوامر الصادرة من الاعلى.

لذا، ان وضع اللوم في مشكلات البلاد الرئيسية على عاتق احمدي نجاد لا يشكل مبالغة في تقدير حجم تأثيره فحسب بل هو غير دقيق ايضا لانه يوحي ان مشكلات ايران سوف تزول عندما يُصبح خارج السلطة.

ومن المرجح على نحو اكثر - ولاسيما على صعيد السياسة الخارجية - ان يبقى الوضع كما هو عليه طالما لم تتغير بنية السلطة التي تدعم القائد الاعلى.

انتخابات حسب الطلب

ويتابع الكاتب، لاشك ان ثمة اختلافات بين رئاسات كل من خامنئي نفسه (1989/1981)، رفسنجاني (1997/1989)، خاتمي (2005/1997)، واحمدي نجاد (/2005 ). فقد كانت ولاية خاتمي هي الافضل من اوجه عدة لانه حاول على الاقل البدء بعملية ليبرالية سياسية مهمة.

وعلى الرغم من ان قيادة نجاد لم تكن جيدة في العديد من الجوانب الا انها لا تختلف في هذا كثيرا عن الماضي كما يبدو ولاول وهلة.

ولو حكمنا على الامور من خلال حرية الانتخابات في ايران لتبين لنا ان البلاد لم تحقق تقدما يُذكر. فسواء كانت على مستوى رئاسة الدولة او على مستوى البرلمان والمجالس المحلية، تبقى انتخابات ايران مزيفة وتتسم بالتلاعب وعلى المرشحين قبل اي شيء اخر التعهد كتابة بالالتزام نظريا ومن حيث الممارسة بالدستور الايراني والاسلام، وبالسلطة المطلقة للقائد الاعلى والراحل الخميني.

كما جرى منع الكثيرين من اعضاء البرلمان اليساريين من خوض الانتخابات ثانية عام 1992 عندما كان رفسنجاني رئيسا.

وفي انتخابات البرلمان (يُطلق عليه المجلس) في فبراير 2004 حينما كان خاتمي رئيسا تم تخصيص حوالي 190 من مقاعده البالغ عددهم 290 للمرشحين المحافظين سلفا، كما جرى اعتبار %43 من المرشحين المسجلين (3500 من اصل 8172) غير مؤهلين، وكان هذا «انقلابا» برلمانيا برأي الاصلاحي مصطفى تاج زاده الذي كان يتولى منصب نائب وزير الداخلية في ذلك الوقت.

كما كانت انتخابات الرئاسة التي فاز بها احمدي نجاد عام 2005 حافلة بالتلاعب لدرجة دفعت عددا من كبار المسؤولين لتقديم استقالاتهم احتجاجا على ذلك.

ولم تتحسن الاوضاع كثير بعدئذ ففي انتخابات المجلس في مطلع هذه السنة تم تخصيص 158 مقعدا لمرشحين معينين، وجرى اعتبار ما نسبته %26 من المرشحين المسجلين (2000 من اصل 7597) غير مؤهلين.

ويستطرد الكاتب، وهذا ما دفع مجموعة مجاهدي الثورة الاسلامية الاصلاحية لانتقاد هذه الانتخابات بقوة بوصفها بـ «الانتخابات المُفصلة حسب الطلب»، وذلك في محاولة من جانب القيادة للخروج ببرلمان مطيع.

ولم يكن الوضع في المجالات الأخرى افضل على الرغم من تحسنه على نحو متواضع.لكن يبقى العقد الاول بعد الثورة هو الأسوأ في عهد الجمهورية الإسلامية من ناحية القمع بعنف. فقد كانت عمليات تعذيب السجناء السياسيين تتم بشكل منهجي. وتم في صيف عام 1988 إعدام آلاف عدة من المواطنين بأوامر من الخميني، وحدث مثل هذا ايضا في عهد خامنئي كرئيس وكانت الاستخبارات ووزارة الأمن تعملان بشكل روتيني على اغتيال شخصيات المعارضة في إيران وفي الخارج، واستمر تعذيب السجناء السياسيين دون توقف بل وقت قصير من انتخابات خاتمي، اغتالت الاستخبارات عددا من المنشقين عن النظام.

وعلى الرغم من تحسن وضع حقوق الإنسان، تبعا للحرية الأكبر التي حصلت عليها الصحافة، تم الزج بأولئك الذين كتبوا حول استمرار المظالم بالسجن. ولاتزال اوضاع الاحتجاز بحالة يرثى لها الى اليوم. فقد مات خلال العام الماضي طالب كردي وطبيبة شابة في الاحتجاز. وعلى الرغم من هذا، يمكن القول إن ظروف الاحتجاز اصبحت افضل بشكل عام بالمقارنة مع ما كانت عليه في الثمانينيات.

بيدأن الفضل في هذا التقدم الضئيل لا يعود للرئيس احمدي نجاد. فإذا كانت عمليات القمع السياسي قد تراجعت على مدى العقود الثلاثة الماضية فإن سبب هذا الى حد كبير هو انتشار افكار الديموقراطية وحقوق الإنسان بين ابناء الشعب الإيراني مما جعل من الأصعب على الحكومة ارتكاب المزيد من الجرائم.

كما اصبح انتقاد القائد الأعلى وارداً أيضاً. فقد كتب صحافيون منهم أحمد زيد عبادي وعيسى ساهارخيز وأحمد كابيل بالإضافة لشخصيات اخرى من مجموعات سياسية اصلاحية رسائل مفتوحة ومقالات دانوا فيها خامنئي. ولم يتم تطبيق مشروع الدولة الخاص بـ«تعزيز الأمن الاجتماعي» الذي هو تعبير لطيف عن القمع الاجتماعي على نحو صارم في عهد احمدي نجاد كما كان عليه الأمر سابقا ولاسيما في مجال التزام قانون اللباس الرسمي بل يمكن القول إن أبناء الجيل الأصغر من الإيرانيين انتهجوا أسلوبا في الحياة غير مقبول بالكامل لدى النظام.

ويستدرك الكاتب، من ناحية أخرى كان لتصريحات أحمدي نجاد الشعبية والحماسية تأثير غير متوقع سمح بكشف سياساته. إذ باستخدامه لغة واضحة في انتقاد خصومه السياسيين دفع هؤلاء الخصوم لاستخدام لغة أوضح وعبارات أقوى ايضا.. فعندما سخر احمدي نجاد في مطلع 2008 من السياسيين الإصلاحيين بالقول إنهم «غير مؤهلين» للترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، رد عليه الإصلاحي البارز محسن أرمين قائلاً: «غير المؤهلين» بالابتعاد عن ترشيح انفسهم للانتخابات حتى لا يشكلوا عبئا على البلاد، يكون أحمدي نجاد بلاشك عندئذ اول من يتعين منعه عن خوضها بسبب التضخم الاقتصادي المتنامي ومشتقات المعيشة التي يعانيها الشعب في مختلف المجالات. كما اتهم تاج زاده، وكيل وزير الداخلية سابقاً، أحمدي نجاد بأنه عاجز وغير كفء لإدارة الشؤون الاقتصادية والتنفيذية.

وكتب سعيد محمد صدر وكيل وزير الخارجية في حكومة خاتمي يقول: إن المعالم الأساسية في سياسة أحمدي نجاد الخارجية هي: عدم الخبرة، نظرة تستند الى الوهم، إحساس بتمجيد الذات وجهل مطبق.

ويضيف قائلاً: إن نجاد لا يعرف انه لا يعرف وهذه مشكلة كبيرة بالطبع، لذا هو بحاجة للسفر والتجوال. ولا ريب أنه ليس هناك ما يماثل مثل هذا الهجوم والانتقادات خلال فترة رئاسة خاتمي على الرغم من انه كان يواجه مع رفاقه الإصلاحيين اتهامات بأنهم غير متدينين وانهم مناهضون للإسلام في حين هناك من يتهم احمدي نجاد اليوم بممارسة السحر، والإيمان بالخرافات بل يدعوه البعض بـ«المجنون».

بالطبع، تواصلت الرقابة على الصحف ففي نهاية 2007 أبلغ مجلس الأمن الوطني الأعلى، الذي يضع سياسات الأمن في ايران، أبلغ الصحافة بما يتعين عليها ان تنشره اولا تنشره فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية - الإيرانية العراق والانتخابات البرلمانية والرئاسية مع منع الصحافة ايضا من نشر افكار المعارضة وتناول برنامج ايران النووي وأخبار اضطرابات الأقليات على حدود إيران مع افغانستان والعراق وعمليات تقنين البترول. بيد أن مثل هذه الرقابة كانت موجودة أيضا خلال فترتي رئاسة كل من رافسنجاني وخاتمي. فقد منع خاتمي، على سبيل المثال، النواب في المجلس السادس (2000 - 2004) من قراءة رسالة تنتقد موقف خامنئي حيال المسألة النووية في جلسة برلمانية مفتوحة كما منع الصحف من نشرها.

على أي حال، إذا كان أحمدي نجاد لا يستحق سوى القليل من الفضل فيما أحرته إيران من تقدم خلال فترة رئاسته، الا ان هذا لا يعني في الوقت نفسه انه الأسوأ بين كل من سبقه أو بالمقارنة مع زملائه الآن.

وعلى الرغم من ذلك نجد العداء له يعمي عيون المراقبين. فما إن يتنحى احد المحافظين عن السلطة او يتم وضعه على الهامش حتى يعتبره هؤلاء المراقبون فورا شخصا افضل من نجاد.

اذ ما إن قدم استالته من عمل كمفاوض رئيسي في القضايا النووية حتى افتقد المراقبون علي لاريجاني المحافظ على الرغم من انه كان يذيع باستمرار برامج تلفزيونية استهدفت تلطيخ سمعة المنشقين ودعاة الإصلاح من خلال تقديم انصاف حقائق وإطلاق اكاذيب فاضحة عندما كان رئيسا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية.

السلطانية

ويستنتج الكاتب، لذا إذا كان هناك شخص واحد بعينه يتعين لومه عن وضع ايران اليوم فإن هذا الشخص ليس سوي خامنئي الذي تمكن من خلال توليه منصب القائد أو المرشد الأعلي لعقدين من ترسيخ سلطته المطلقة على ايران.

في مقال نشره عام 1922 تحت عنوان «الاقتصاد والمجتمع»، كتب ماكس ويبر يقول: عندما تكون الهيمنة تقليداً رئيسياً وتتم ممارستها من خلال «فضيلة» الحاكم يمكن وصفها عندئذ بـ «السلطة الأبوية» لكن عندما تعمل هذه الهيمنة بشكل رئيسي على أساس حرية التصرف والاختيار الشخصي، يتعين وصفها عندئذ بـ «السلطانية» التي هي برأي ويبر تقليدية واستبدادية وتعبر عن نفسها من خلال اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية ومن خلال نظام اداري يشكل امتدادا لبيت وبلاط الحاكم.

بالطبع يلجأ السلاطنة احيانا لعقد انتخابات ليؤكدوا شرعيتهم من خلالها لكنهم لا يفقدون اية سلطة بعدها. ويقول ويبر ان السلطان هو من يُرقي مسؤولي الدولة أو يجعلهم في مرتبة ادنى وفقا لارادته واهوائه بل وهو من يسلب استقلال هيئاتها في العمل ويملأها باتباعه ووكلائه ويخصص موارد الدولة لتمويل اجهزة القمع، ألا يصف ويبر بهذا خامنئي؟

ان ايران اليوم سلطنة بالفعل لكن من نوع جديد فهي ليست دولة دكتاتورية شمولية ولا حتى فاشية. فمثل هذه الانظمة تعمل لايجاد مجتمعات ذات صوت واحد في حين هناك العديد من الاصوات المختلفة في ايران اليوم.

صحيح ان ايران المعاصرة لا تزال رسميا دولة دينية اسلامية لكن ليس هناك عقيدة واحدة تهيمن على البلاد. فبينما لم يكن هناك سوى الماركسية في الدولة السوفيتية ذات النظام الشمولي الدكتاتوري، تبرز الليبرالية، الاشتراكية ونظرية المساواة بين الجنسين سياسيا واقتصاديا في ايران كبدائل للايديولوجية الحاكمة. وليس هناك حزب واحد بعينه ينتمي اليه كل ابناء المجتمع بل يوجد عشرات من الاحزاب بالرغم من انها ليست حرة تماما ككيانات ذاتية كما هو الحال في البلدان الديموقراطية إلا ان هذه الاحزاب تمثل آراء وافكارا تختلف عن توجهات الحكومة. ولذا يحاول خامنئي الى حد ما الاستجابة لمطالبها احيانا. فبعد الاضطراب الذي حدث بسبب استمرار اعمال قتل المنشقين السياسيين عام 1998 اضطر خامنئي لتناول هذه المسألة علنا ومن على منبر خطبة صلاة الجمعة في طهران ليعتبر بعض العناصر الاجرامية داخل وزارة الأمن والاستخبارات هي المسؤولة عن تلك الأعمال.

ويستدرك الكاتب، بل ويمكن القول ان الاسلام لا يحكم ايران فالاصوليون الحاكمون يفتقرون الى رؤية محددة توحدهم، كما يتنافس الاسلاميون التقليديون والاسلاميون المعتدلون للحصول على تأييد الايرانيين.

ومن الملاحظ في هذا السياق ان الدين خدم الدولة منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 فقد تبنى الخميني رؤية سلطوية «سلطانية» مطلقة حينما كتب في عام 1988 يقول: «للدولة الاسبقية على كل مبادئ الشرع فمن حق الحاكم ان يهدم مسجدا أو بيتا اذا كان يعيق عملية انشاء طريق... وبمقدور الدولة منع الحج مؤقتا إذا اعتبرته يتناقض مع مصالح الدولة الاسلامية».

لكن بالرغم من وجود فاشيين وقراءات فاشية للاسلام في ايران، إلا ان هؤلاء لا يجعلون منها دولة فاشية، لذا، مهما كانت غايات وأهداف الاصوليين الحاكمين، من الواضح ان الحقائق الاجتماعية على الأرض هي التي تحدد نوع النظام الحقيقي القائم في ايران.

من هذه الحقائق بالطبع المادة 57 من الدستور الايراني التي تمنح القائد الأعلى سلطة مطلقة فهي تقرر ما يلي: تكمن سلطة الحكم في الجمهورية الاسلامية في السلطات التشريعية، القضائية والتنفيذية العاملة تحت اشراف القائد «المرشد» الديني المطلق السيادة.

ويقول مجلس الاوصياء الذي هو الهيئة الرسمية التي يفسر الدستور ان الفقرة السابق ذكرها تحدد الامتيازات التي يتمتع بها القائد الاعلى والتي تقتصر عليه فقط.

ومن الواضح ان خامنئي استخدم هذا التفويض الواسع ليمارس سيطرته ليس فقط على السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية فحسب بل وعلى الشؤون الاقتصادية الدينية والثقافية بشكل مباشر احيانا ومن خلال المجالس المتنوعة احيانا اخرى أو من خلال الحرس الثوري. ولاشك ان هذه السيادة المطلقة تسمح للقائد الاعلى بالتدخل على نحو تعسفي في حياة المواطنين.

خلل في توازن السلطة

ويستنتج الكاتب، تكمن قوة القائد الاعلى الرئيسية في قدرته على تعيين وطرد موظفي الحكومة وكبار المسؤولين فيها. وهنا نلاحظ ان الرئيس رافسنجاني سمح لخامنئي باختيار رؤساء وزارات كل من: الثقافة، الداخلية، الاستخبارات، التعليم العالي والخارجية، ومنذ ان تولى مهام منصبه في عام 1989 عمل خامنئي على تقليص فترات عمل المعينين وكان يزيح بانتظام شاغلي المناصب الحساسة في الجيش والشرطة جانبا.

لذا، من غير الحكمة القول ان خامنئي لن يتخلى عن احمدي نجاد على الارجح فهو يستطيع القيام بذلك فعلا.

كما يمارس خامنئي ايضا سيطرة مهمة على المجلس «البرلمان». صحيح ان وزارة الداخلية هي التي تشرف رسميا على الانتخابات إلا ان هذا الاشراف في الواقع هو من عمل مجلس الاوصياء الذي يعين القائد الاعلى نصف عدد اعضائه.

ولضمان تطبيق القانون وفقا للدستور، يدرس اعضاء مجلس الاوصياء المؤلف من 12 مُحلف ورجل دين مؤهلات كل المرشحين لمنصب الرئاسة وللبرلمان وجمعية الخبراء «هيئة دينية تنتخب وتشرف على اعمال القائد الاعلى».

بشكل عام يمارس خامنئي سيطرة قوية على كل مؤسسات ايران المُنتخبة من خلال المادة 110 في الدستور التي تخوله وضع سياسات الدولة. فهو الذي يحدد السياسات العسكرية، الاقتصادية، القضائية، الاجتماعية، الثقافية والتعليمية ويرسلها الى هيئات الدولة لتنفيذها من خلال مجلس تشخيص مصلحة النظام (يعين القائد الاعلى اعضاءه وهو مكلف بحل النزاعات السياسية بين البرلمان ومجلس الاوصياء). وهذا يعني بكلمات اخرى انه حتى لو تمكن الاصلاحيون من السيطرة على الهيئات الانتخابية، وحاولوا تنفيذ سياساتهم المستقلة سيواجهون عندئذ معارضة لذلك باسم المحافظة على السياسات العامة للدولة.

وليست السلطة القضائية بعيدة عن دائرة نفوذ خامنئي فقد استخدمها منذ وقت طويل كأداة للقمع، بل ونستطيع القول ان المحكمة الثورية الاسلامية التي لها صلاحيات واسعة لمحاكمة مثيري الفتن والشغب هي عرضة لنزوات واهواء القائد الاعلى.

فقد اصدر سعيد مرتضاوي، القاضي الذي نظر في دعاوى عمليات القمع التي استهدفت اعضاء حركة الاصلاح خلال فترة رئاسة خاتمي، والذي يتولى الآن منصب المدعي العام في طهران، اصدر الكثير من اوامر اعتقال الناشطين العاملين في مجال المجتمع المدني، وارسل المئات منهم الى السجون.

كما دأب وزير الاستخبارات غلام حسين محسن ايجاي منذ اربع سنوات على اصدار اوامر لاحتجاز شخصيات المعارضة السياسية والزج بهم في السجن من خلال محكمة خاصة ومن خلال المحكمة التأديبية التي تنظر في قضايا رجال الدين وموظفي الحكومة لكن مكتب القائد الاعلى هو الذي يسير على هاتين المحكمتين.

ومعروف ايضاً ان حظر الصحف وسجن الصحافيين هما من الاعمال المنجزة على مستوى شخصي في السلطة القضائية، بل وذهب الامر مع خامنئي في عام 1998 الى حد ابلاغ الرئيس خاتمي آنذاك بضرورة ان تقتصر التحقيقات في سلسلة الجرائم على تلك المرتكبة خلال فترة رئاسته وألا يتم التحقيق مع اي مسؤول اعلى من مستوى سعيد إمامي نائب رئيس الاستخبارات والمشتبه فيه الاول في تلك الجرائم.

وبصفته رئيس الدولة على المستوى الايديولوجي، يمتلك خامنئي ايضاً سلطة للنظر في المسائل الدينية. لذا، نحى جانباً كلاً من آية الله محمد رضا مهداوي - كاني وعلي اكبر ناطق نوري، وهما من رجال الدين الذين تمتعوا بنفوذ كبير في عهد الزعيم الخميني، وذلك لانهما كانا يظهران نوعا من الاستقلال في الرأي بين وقت آخر.

ويسيطر خامنئي أيضاً على المساجد فهو من يعين خطباء صلاة يوم الجمعة، ويحدد للأئمة من خلال مكتب خاص بالصلاة في طهران نوع المواضيع التي يتعين طرحها ومناقشتها في كل مساجد ايران.

ولخامنئي ضلع في المسائل الثقافية والاكاديمية، وتدخله فيها لا يقتصر فقط على القضايا الكبيرة بل والصغيرة ايضاً، ففي عام 1998 منع عبدالله نوري وزير الداخلية في عهد خاتمي من إلقاء خطاب في مسجد للسنة في الريف خلال الاضطراب الذي اندلع في اوساط السكان السنة بإيران، لكن عندما رفض نوري الانصياع للامر، عمل خامنئي على اسقاطه من الحكومة ثم حاكمه امام محكمة خاصة برجال الدين حكمت عليه بالسجن خمس سنوات.

كما لخامنئي تأثير روتيني في وسائل الاعلام يمارسه من خلال المجلس الاعلى للثورة الثقافية الذي يعين هو شخصياً كل اعضائه، وهو يعلن آراءه السياسية على نطاق واسع متوقعا ان يعمل الجميع لارضائه.

وفي هذا السياق، اغدق خامنئي في عام 1998 المديح على رابطة الصحافيين المسلمين المحافظة قائلاً: اشكركم جميعا فأنتم الذين تدافعون عن حدود الاسلام على جبهة المعركة ضد الغزو الثقافي الغربي من خلال المدافع الرشاشة (الاقلام) التي في ايديكم، لكنني اود ان اشكر على نحو خاص صحيفة كيهان.

جدير بالذكر ان كيهان لا تمتلك مدفعا رشاشا بيدها فحسب بل هي قناص متمكن جداً ايضاً.

اعتماد على العنف

ويتابع كاتب المقال، خلال اجتماعه الاول كقائد اعلى مع وزراء حكومته في عام 1989، دافع خامنئي بقوة عن «نظرية الرعب» التي باتت سمة لنهجه في التعامل مع قضايا الامن الداخلي بعد ذلك.

فاستناداً الى تفسيره الخاص للقرآن، قال خامنئي في الاجتماع: ان غالبية الناس في الدولة تتخذ موقف الصمت، لذا، بمقدور مجموعة غيرية (غير انانية) من الافراد الحفاظ على الدولة من خلال استخدام الرعب والتخويف.

وخدمته هذه النظرية بالطبع كمبرر لاغتيال المنشقين في ايران والخارج، ولإسكات اي شخص يشكل تحدياً ايديولوجيا للنظام.

ومن الواضح ان خامنئي اعتمد على اجهزة الاستخبارات والقوة العسكرية لتنفيذ سياساته بشكل لاسابق له من قبل ابداً.

فبعد الاطاحة بشاه ايران عام 1979 طالب الثوريون الايرانيون ومجموعة الجناح اليساري بحل القوات المسلحة وتسريح جنودها وضباطها.

بيد ان الخميني رفض ذلك ولجأ بدل ذلك الى اعادة تشكيل الجيش، واعدم او فصل من الخدمة، عددا كبيرا من كبار القادة الذين لم يهربوا من البلاد بعد الثورة. ثم انشأ بعد ذلك قوة عسكرية اخرى موازية هي الحرس الثوري لحماية الثورة وامر بتشكيل الـ «باسيج» الذي هو منظمة شبه عسكرية من المتطوعين للمساعدة في تطبيق القانون والاهتمام بالقضايا المعنوية والاخلاقية والخدمات الاجتماعية.

وطور الحرس الثوري بعد ذلك قدرات جوية، بحرية وبرية تتوازى مع تلك التي يمتكلها الجيش ثم تولى الحرس الثوري قيادة الباسيج، غير ان الخميني بقي معارضا وعلنا احيانا لتوريط الحرس في القضايا السياسية، ومن الواضح انه لم يكن بحاجة لدعم عسكري لانه كان شخصية جماهيرية جذابة، ولانه تمكن من تأسيس قاعدة صلبة كرجل دين ورع داخل المؤسسة الدينية في ايران.

بالطبع، يفتقر خامنئي الى مثل هذه المؤهلات وظهر هذا واضحا عندما رفضت رابطة مدرسي المعاهد الدينية المحافظة في قم تأييده كرجل ديني رفيع المستوى ولم ترضخ لذلك إلا عام 1992 حنيما حاصر رجال الحرس الثوري مقرها في المدينة، ويكشف هذا بالتأكيد مدى حاجته للدعم العسكري بل كان خامنئي على الدوام يهتم بالعمل العسكري والامني، فقد كان ممثلاً للخميني في وزارة الدفاع في عهد الحكومة المؤقتة عام 1979 ثم عمل في هيئة اركان الجيش المشتركة وخدم فيما بعد كنائب لوزير الدفاع، وحينما جرى انشاء وزارة الامن والاستخبارات عام 1984 عندما كان رئيساً، طالب خامنئي بأن تخضع لسلطته.

ويستدرك الكاتب، لكن، اذا كان خامنئي قد عزز تدريجياً قوة الحرس الثوري بإعطائه دوراً متزايداً في سياسة البلاد واقتصادها الا ان هذا الحرس اصبح اكثر قوة ونفوذاً خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، اذا كان لمعظم اولئك الذين عينهم أحمدي نجاد مناصب سابقة في الجيش النظامي واجهزة الاستخبارات او مكتب المدعي العام.

ورشح خامنئي عدداً من اعضاء الحرس الثوري لرئاسة هيئة الاذاعة التابعة للدولة. اذ على الرغم من ان قانون الانتخابات ينص بوضوح على عدم مشاركة اي ضابط عسكري في اي مرحلة من العملية الانتخابية تمت تسمية البريفادبر جنرال (عميد) علي رضا افشر لرئاسة مقر الانتخابات في وزارة الداخلية خلال انتخابات البرلمان عام 2008، وحذر الميجر جنرال (لواء) حسن فيرزو عبادي رئيس هيئة اركان القوات المسلحة قبل انعقاد الانتخابات البرلمانية في مارس من مغبة السماح لدعاة الاصلاح من شق طريقهم الى البرلمان ثانية قائلاً: لا يفعل هؤلاء الذين تؤيدهم الولايات المتحدة شيئاً الا عملاً واحداً هو خدمة مصالحها.

ومن الملاحظ ان تورط العسكريين في الاقتصاد تزايد بشكل كبير واصبح مجازاً رسمياً الآن. كما تم التقاضي عن النشاطات الاقتصادية التي يقوم بها افراد الحرس الثوري بل جرى منح بعضهم عقوداً نفطية، وحقق بعضهم الآخر أرباحاً كبيرة في الصفقات العقارية وهناك شركات كثيرة تسيطر عليها قوات الامن.

وفي مطلع عام 2008، وافق البرلمان على مشروع قانون لإنشاء «مؤسسة الباسيج للإنشاءات». وجاءت هذه الخطوة من اجل نقل المشاريع الاقتصادية من القطاع الخاص وتسليمها للباسيج مما يفاقهم اكثر بيروقراطية الدولة الكبيرة اصلاً ويؤذي الاقتصاد.

وامام مثل هذا التداخل بين ادارة الدولة وقوات الامن، لا يسع المرء إلا أن يسأل: من يسيطر على من؟ الحقيقة ان اختراق شبكة خامنئي لجهاز الحرس الثوري قوّض بشدة استقلاليته. فبينما كان الخميني يقتصر في تعامله مع الحرس على تعيين قائده الاعلى، نجد خامنئي يعين بنفسه حتى القادة من مستوى لواء ويشير كل هذا الى ان ايران ليست مجرد دكتاتورية عسكرية او دولة عسكرية بل هي احدث او آخر سلطنة في عالم اليوم.

استمرار المسار دون تغيير

ويبين الكاتب، لو تذكرنا قبضة خاتمي المحكمة على السلطة، لامكن لنا القول ان الامور لن تتغير في إيران حتى ولو خسر أحمدى نجاد انتخابات الرئاسة المقبلة وينطبق هذا بشكل خاص على السياسة الخارجية اذ لو وضعنا جانبا تصريحات الرئيس أحمدي نجاد البلاغية والمثيرة لتبين لنا ان سمات السياسة الخارجية الايرانية بقيت ثابتة بشكل او بآخر ولم تتغير خلال العقود الثلاثة الماضية.

يقول منتقدو أحمدي نجاد انه عرّض بلاده لخطر هجوم عسكري من جانب الولايات المتحدة او اسرائيل بتعليقات تفتقر الى الحكمة على مستوى السياسة الخارجية. ويضيف هؤلاء ان المأزق القائم بين الحكومة الايرانية والعالم الغربي لايقبل الجدل وان احتمال وقوع هجوم عسكري على إيران حقيقي جداً. وهنا نود أن نسأل: وما دور أحمدي نجاد في كل هذا؟ فمن المعروف ان خامنئي يمسك - كما فعل الشاه الراحل محمد رضا قبله - بخيوط السياسة الخارجية كلها في يده.

ولعل من المفيد الاشارة في هذا السياق الى ما كان قد قاله صادق خرازي نائب وزير الخارجية الايرانية في عهد خاتمي، لصحافي من مجلة الـ «نيوزويك» كان سأله حول من يحكم إيران حقاً:

فقد قال خرازي، وفقا لما ذكرته صحيفة اعتماد ملي الإيرانية: «على الأمريكيين الا يحاولوا الالتفاف على القائد الاعلى من خلال تحدثهم مع مسؤولين ايرانيين آخرين، لذا، اذا ارادوا التحدث مع الدولة الايرانية عليهم التحدث اذاً مع القائد الاعلى فهو يعلم بكل كلمة ترد في محادثات الامريكيين مع اي مسؤولين إيرانيين»، واضاف كرازي: «صحيح ان السياسة الداخلية في إيران متخلخلة لكن سياستها الخارجية مركزية جداً.

بالطبع ان ابرز سمات السياسة الخارجية الايرانية منذ وقت طويل هو التوتر السائد في علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب دعمها للشاة ودور واشنطن في انقلاب عام 1953 الذي اطاح رئيس الحكومة الايرانية آنذاك محمد مصدق، بيد ان تلك العلاقات وصلت لادنى مستوى لها عندما ايد الخميني عملية احتلال السفارة الامريكية في طهرن عام 1979 التي قام بها طلاب مسلمون من اتباع خط الامام.

ويقول المسؤولون الايرانيون اليوم ان واشنطن ردت على تلك الضربة بتحريض صدام حسين على غزو ايران في سبتمبر 1980 مما كلف ايران عقب ثماني سنوات من الحرب حوالي نصف مليون قتيل واضرار قيمتها ترليون دولار امريكي، وتطلب الامر قيام السفينة الحربية الامريكيجة فينسينز بهجوم على طائرة ركاب ايرانية عام 1988 حتى قبل الخميني قرار الامم المتحدة الداعي لوقف اطلاق النار في الحرب مع العراق، ووصف ذلك بانه كان مثل تجرع كأس من السم.

عند انتهاء الحرب وموت الخميني بعد ذلك، رات طهران في ظل قيادتها الجديدة التي تألفت من القائد الاعلى خامنئي والرئيس رافسنجاني ان من الصواب تحسين العلاقات مع الغرب لكن على الرغم من التقدم الطفيف الذي تحقق في البداية، مالبثت العلاقات ان تعكرت بسرعة بسبب عمليات الاغتيال المنهجي التي طالت المنشقين الايرانيين في اوروبا واكتشاف عدد من القذائف على متن سفينة ايرانية قرب بلجيكا.

وفي مطلع عام 1997 وجدت ايران نفسها مرة اخرى امام خطر هجوم امريكي عليها، وذلك عندما ادى تفجير وقع في 25 يونيو 1996 الى مقتل 19 جنديا امريكيا واصابة حوالي 400 اخرين بجراح مختلفة في قاعدة خبر الجوية الامريكية بالمملكة العربية السعودية اذا كان مكتب التحقيق الفيديرالي الامريكي قد اعرب عن اعتقاده بان طهران هي التي وقفت وراء تلك العملية، وقيل آنذاك ان وزارة الدفاع الامريكية، التي كان على راسها وليم بيري، وضعت خطة لمهاجمة إيران.

لكن يبدو ان الدليل على ضلوع ايران في تلك العملية لم يقنع الرئيس بيل كلينتون، لذا سعت ادارته لانتهاج سياسة الاحتواء المزدوج بدلا من مهاجمة ايران.

وبعد انتصار دعاة الاصلاح في ايران عام 1997، بدا كما لو ان عهداً جديداً من العلاقات الثنائية يمكن ان يبدأ بين البلدين، فعندما حضر الرئيس الاصلاحي خاتمي جلسة الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 2001 الذي كان قد اطلق عليه «سنة حوار الحضارات» كانت الاجواء ملائمة للحوار بين البلدين اكثر مما هي عليه اليوم.

ويقال ان الرئيس بيل كلينتون انتظر خاتمي خارج القاعة عقب انتهاء الجلسة لمصافحته لكنه مضى لشأنه بعد ذلك عندما تأخر خاتمي في الخروج. ومن المفيد الاشارة هنا الى ان خامنئي كان يعارض عقد مثل ذلك اللقاء بين خاتمي وكلينتون لخشيته من ان يقطف الاصلاحيون في إيران ثمرة اعادة العلاقات مع الولايات المتحدة لاسيما ان مثل تلك الخطوة كانت ستحظى بتأييد شعبي واسع داخل ايران.

لكن على الرغم من ذلك تعاونت طهران في اعقاب 9/11 مع واشنطن ورحبت بسقوط نظام طالبان بسبب افكاره السنية المتطرفة واعتدائه على الدبلوماسيين الايرانيين في افغانستان بل وحتى بعد خطاب بوش الشهير حول «محور الشر» والغزو الامريكي للعراق في ربيع عام 2003 اطلقت طهران مؤشرا تصالحيا فمن خلال التنسيق مع خامنئي وجه السفير الايراني في باريس رسالة بلا توقيع للسفارة السويسرية في طهران اشار فيها الى ان الحكومة الايرانية يمكن ان تعترف باسرائيل وتلجم المنظمات الراديكالية في المنطقة وتقدم خطة محددة لامن الخليج غير ان ادارة الرئيس بوش التي كانت تحت تأثير نشوة انتصارها السريع في العراق لم تعبأ بذلك العرض الايراني وفسرت كل فصائل النظام الايراني وايضا خاتمي ومجموعته الاصلاحية ذلك الموقف الامريكي على انه يعني ان الدور حان لغزو ايران بعد العراق.

لكن بينما لم تتخذ طهران سوى القليل من الخطوات الجادة خلال رئاستي رافسنجاني وخاتمي نحو عقد مناقشات ثنائية مع واشنطن من الملاحظات ان مثل هذه المناقشات بدأت فعلا في عهد احمدي نجاد بل ومن المتوقع ان يرتفع مستوى الاتصال بين البلدين فقد ذهب الرئيس احمدي نجاد مرة الى حد الاعراب عن استعداده للالتقاء ببوش «بوش لم يكن مستعدا لذلك» وبينما كان يشعر كل من رافسنجاني وخاتمي انه لم يكن بمقدور اي منهما عقد محادثات مع واشنطن دون موافقة رسمية من خامنئي لخيفتهما من اتهام المحافظين الايرانيين لهما بمحاولة بيع ايران لامريكا، نجد نجاد يعلن عن استعداده لاجراء مثل تلك المحادثات دون خوف لانه يبدو كثوري واصولي ويحظى بثقة خامنئي.

ويذكر ان خامنئي كان قد قال ان قطع العلاقات مع الولايات المتحدة هو جزء من سياساتنا الاساسية الراهنة لكن هذا لا يعني بالطبع ابدا ان هذا الانقطاع سيبقى للابد ففي اليوم الذي نجد فيه ان العلاقات مع امريكا سوف تكون مفيدة لنا سأكون اول من يقول ان علينا اقامة مثل هذه العلاقات.

المسألة النووية

غير ان هذا اليوم لا يزال بعيدا عن أية حال اذا تذكرنا بعض الاختلافات الجوهرية بين مصالح كلا البلدين الوطنية. واول هذه الاختلافات هي المسألة النووية بالطبع ففي بيان ظهر على موقع مجلس تشخيص مصلحة النظام في الشبكة العنكبوتية الدولية - الانترنت قال روحاني الذي كان كبير مفاوضي ايران النوويين في عهد خاتمي ان طهران عملت منذ سنوات لاكمال دورة الوقود وان هذا الهدف تأكد عام 1989 اي السنة التي اصبح فيها خامنئي قائدا اعلى حيث تم جلب ادوات الطرد المركزي والتكنولوجيا النووية مع الاجهزة الضرورية الاخرى الى ايران خلال رئاسة رافسنجاني وجرى تحديث اجهزة الطرد المركزي خلال رئاسة خاتمي وكان القائد الاعلى هو الذي وضع سياسات هذا المشروع من البداية.

جديرا بالذكر انه عندما توجه روحاني الى المانيا لاجراء محادثات مع المسؤولين الاوروبيين حول برنامج ايران النووي عام 2005، زعم احمدي نجاد ان روحاني اجرى تلك المحادثات بناء على رغبته «رغبة احمدي نجاد» لكن روحاني ابلغ وكالة اخبار «مهر» الايرانية انه لم يسافر الى اي مكان في العالم خلال السنوات الـ 18 الاخيرة دون علم القائد الاعلى والتنسيق معه لكن على الرغم من ان خامنئي كان قد امر بتعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم في نهاية رئاسة خاتمي من غير المرجح ان يفعل ذلك ثانية الآن.

ففي خطاب القاه امام طلاب جامعة طهران في وقت سابق قال خامنئي: سوف نقول لاي شخص يطلب منا اليوم تعليق تخصيب اليورانيوم بشكل مؤقت اننا فعلنا هذا من قبل ولسنتين دون اية فائدة لكن حتى لو التزم خامنئي بتعليق العمليات النووية ثانية فلن يتحقق هذا التعليق فعلا على الارض فقد ابلغ روحاني صحيفة «اعتماد» الايرانية خلال تحدثه حول موافقة خاتمي عام 2004 لوقف النشاطات النووية قائلا: صحيح اننا قبلنا التعليق مرة لكن ليس لكي نغلق منشآتنا النووية فقد ركبنا خلال فترة التعليق تلك اجهزة الطرد المركزي وبنينا محطة آراك وانجزنا الاعمال في كل ما كنا قد بدأنا به.

ومن الواضح ان اراء احمدي نجاد تتفق ببساطة مع السياسات النووية التي تنتهجها طهران منذ وقت طويل ففي لقائه مع جمعية الخبراء في مطلع عام 2008 قال خامنئي: ان دور احمدي نجاد وثباته كان بارزا في التقدم الذي حققته ايران على المسار النووي ولا شك ان هذا يعني بكلمات اخرى ان احمدي نجاد كان حازما في تنفيذ اوامر القائد الاعلى بهذا الشأن.

خلافات لا تقبل المصالحة

ثمة خلاف رئيسي آخر سوف يستمر بين ايران والولايات المتحدة على الارجح الى ما بعد انتهاء ولاية احمدي نجاد الرئاسية هذا الخلاف هو بالطبع رؤاهما المختلفة للشرق الاوسط. فبينما تسعى الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها في المنطقة دون الاعتراف بمصالح طهران الأمنية فيها ايضا، تتطلع العاصمة الايرانية منذ أمد بعيد لتحويل ايران الى قائد العالم الاسلامي وقوة لايضارعها احد في الشرق الأوسط مما يجعلها منغمسة بعمق في سياسات المنطقة.

الدليل على ذلك ان المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق (معروف الآن بالمجلس العراقي الاسلامي الأعلى) الذي هو حزب سياسي شيعي رئيسي، اسسه المنفيون العراقيون في طهران خلال الايام الأولى للحرب العراقية - الايرانية.

وذكر السيد نصر الله زعيم حزب الله انه كان على اتصال مباشر مع خامنئي قبل ومنذ ان اصبح قائدا اعلى في ايران. بل وحتى صناع السياسة الايرانية نسقوا الاعمال في وقت ما مع واشنطن في افغانستان.

بل وعمل هؤلاء مؤخرا لابقاء الولايات المتحدة متورطة في المأزق العراقي وفي لبنان والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي والهدف هنا، كما يقول روحاني هو جعل واشنطن منشغلة بأولويات اكثر اهمية من الضغط على طهران.

ومهما يكن الأمر، يمكن القول ان رغبة ايران في التدخل بشؤون جيرانها ليس لها علاقة تذكر بأحمدي نجاد، فقد كان هذا التدخل دوماً نهجاً مفضلا للقائد الاعلى خامنئي، وهنا، من المفيد ان نتذكر، على سبيل المثال، ان الحرب التي استمرت 33 يوماً بين اسرائيل وحزب الله في صيف 2006 تمت بتوجيه القائد الاعلى وفقا لما يقوله المسؤولون الايرانيون انفسهم، بل ووصف لاريجاني الذي كان مرة كبير مفاوضي ايران النوويين، وصف تلك الحرب بالقول انها كنت «لحظة حلوة جدا بالنسبة لي»، وقال ان الفضل في نصر حزب الله يعود لخامنئي.

وبالطبع، تبرز اسرائيل كسبب رئيسي ايضا للخلاف بين ايران والولايات المتحدة، اذ لطالما اعتبرت طهران الحكومة الاسرائيلية محرضا رئيسيا ضد ايران، لكن بدعوته لتدمير اسرائيل وانكاره محرقة اليهود، اعطى احمدي نجاد للعالم ذريعة للوقوف ضد بلاده، لكن حتى هنا لا يختلف احمدي نجاد كثيرا عن زعماء ايران الآخرين في هذا المجال، فقد اعتاد الخميني بالقول: «يجب ان تنتهي اسرائيل ولا تبقى في الوجود، ولم يؤمن الخميني بجدوى قيام دولتين مستقلتين بحقوق متساوية واحدة فلسطينية واخرى اسرائيلية، وكان يميز بين اليهود واسرائيل لكنه كان يجادل بأن اسرائيل «ورم سرطاني» يتعين تدميره.

وبدوره، اثار رافسنجاني ايضا اكثر من مرة ضجيجاً عالمياً بتصريحاته المناهضة لوجود اسرائيل بل وحتى خاتمي واصلاحييه لم يقدموا اي رأي مختلف فعندما نقلت عنه صحيفة واشنطن بوست قوله ان مستعد لقبول حل الدولتين، زعم ان الصحيفة اساءت نقل الخبر، وهنا يبرز احمدي نجاد بكونه الوحيد الذي يتحدث عن أفكاره الايدولوجية بوضوح اكبر.

لكن على الرغم من انه كان اول من بادر بانكار محرقة اليهود، من غير المحتمل ابدا ان يكون احمدي نجاد قد اتخذ بنفسه قرار الاعلان عن مثل هذا الانكار الذي يتسم بحساسية كبيرة على المستوى العالمي، دون استشارة او رضى القائد الاعلى، فعلى الرغم من ان خامنئي كان حذرا ولم يشأ ان يقحم نفسه بمسألة انكار المحرقة، الا انه حاول التقليل من اهمية ملاحظات احمدي نجاد تلك بل ودافع عنه علنا.

ولا شك ان مشكلات الشرق الاوسط تتجاوز في ابعادها مثل تلك التعليقات المثيرة حول اسرائيل والمحرقة، وهي تسبق الثورة الايرانية عام 1979، فطالما عملت سياسة واشنطن الرسمية من اجل ضمان تفوق اسرائيل الاستراتيجي في الشرق الاوسط، واستمرت اسرائيل في رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، لن تتغير تصورات شعوب المنطقة، ولن يتحقق السلام في الشرق الاوسط.

لذا، ان التركيز على احمدي نجاد (تحول الى هاجس) يعني في الحقيقة تجاهلا لجملة من اللاعبين والمشكلات التي اسهمت بالفعل في زعزعة استقرار الشرق الاوسط.

مجال للمناورة

في يونيو المقبل ستعقد ايران كما هو متوقع انتخاباتها الرئاسية، لكن لو اخذنا بعين الاعتبار بنية السلطة في البلاد، ولا سيما سيطرة خامنئي عليها لأمكن لنا القول ان من غير المرجح ان يطرأ اي تغيير هام علي سياسة ايران داخليا وخارجيا، فالتغيير الحقيقي سيأتي بالنهاية لكن فقط عندما يبدأ الايرانيون التفكير في كيفية تجاوز النظام السلطاني الراهن.

ففي الانظمة المماثلة لما هو قائم في ايران، يعتمد التحول الى الديموقراطية على ما اذا كان بقدرة دعاة الاصلاح ايجاد مجال للمناورة بين علاقات الحاكم مع هيئات ومؤسسات الدولة (لاسيما العسكرية) ومع النخب الاجتماعية والقوى الخارجية بحيث يصبح بالامكان تشكيل حركات اجتماعية متنوعة لاستخدامها في دفع البلاد ولو ببطء نحو الديموقراطية.

في النهاية، لا بد ان تكون المفاوضات الدبلوماسية واقامة علاقات ثنائية بين الولايات المتحدة وايران من مصلحة البلدين، غير ان مثل هذه الجهود ينبغي ان تتم دون المساس بالناشطين في مجال حقوق الانسان وانصار الديموقراطية في ايران.

ويختتم الكاتب مقاله، حتى الآن، تركزت اهتمامات واشنطن الرئيسية على كبح برنامج ايران النووي وضمان تفوق اسرائيل استراتيجياً في المنطقة في حين كان هدف المنشقين الايرانيين وانصار حقوق الانسان والديموقراطية حتى الآن هو العمل سلميا من اجل قيام نظام ديموقراطي يلتزم تماما بقضية الحرية، وحقوق الانسان والفيدرالية. لذا، يعارض هؤلاء بقوة تهديدات واشنطن بشن ضربة عسكرية ضد ايران وتغيير النظام بالقوة، فمثل هذه اللغة وسياسة ادارة بوش نحو ايران لم تفضيا سوى الى تعزيز قبضة السلطان خامنئي على السلطة، وجعلتا تحول ايران نحو الديموقراطية عملية اصعب وبالغة التعقيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 11/شباط/2009 - 15/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م