شبكة النبأ: لم يكن سهلا أو تقليديا
ذلك الصراع الذي خاضه المرشحون لمجالس المحافظات مؤخرا، فلقد رشح أكثر
من خمسين ألف عراقي للفوز بمقاعد المجالس المذكورة على قلتها، وتوزعت
قوائم المرشحين بين الكيانات المستقلة والمؤتلفة إضافة الى الكيانات
الفردية، وجاءت نتائج الانتخابات الاولية المعلنة مطابقة للتوقعات
المسبقة او قريبة منها، وكان أمرا بديهيا أن تعترض قائمة هنا او مرشح
هناك، حيث شابت عملية الانتخاب نواقص في هذا الجانب او ذاك، لكنها على
العموم كانت محط اعجاب الجميع في العراق والعالم على حد سواء.
لقد فرح العراقيون حقا كناخبين بما جرى في هذه الانتخابات، ولقد شعر
الناخب العراقي سواء من النخبة المثقفة او من بسطاء الناس، بأنه مارس
حقا إنسانيا حُرم منه طيلة عقود وربما قرون، فالتأريخ السياسي الحديث
للعراق لم يسجل خطوة مشهودة تصب في تأمين الحقوق السياسية للفرد لا
سيما في مجال حرية الانتخاب، حيث سادت الفردية والعشوائية والقمع
ومصادرة الحقوق السياسية وغيرها، ناهيك عن وطأة وانعكاسات الاحتلال
الذي تعرض له العراق عبر مراحل تأريخه الطويل.
والآن نلاحظ بوضوح ملامح الفرح والامتلاء ترتسم في وجوه العراقيين
لأنهم حصلوا على حق سياسي حُرموا منه طويلا، ولعل ما يثير البهجة
والآلام معا هو انعدام مثل هذه الاجواء المتحررة في الدول العربية عامة
وربما يمتد ذلك الى مناطق من الشرق الأوسط عموما، وما يدل على ذلك،
حالة الشعور بالرضا التي سادت المواطن العراقي وهو يدلي بصوته من دون
ضغوط او موجّهات ضاغطة اخرى كالترهيب الذي حدث في تجارب انتخابية سابقة
في العراق وفي غيره.
لقد عاش العراقيون حالة جديدة إبان الانتخابات الأخيرة وبعدها،
وتتلخص هذه الحالة بشعور المواطن بأهمية صوته وقدرته على التحكم بمصير
القادة السياسيين وكفاءاتهم، فلقد عرف الناخب والمنتخَب في آن واحد
أهمية هذا الصوت (صوت الناخب) وقدرته على تغيير المسارات السياسية من
مسار الى آخر، والأدلة على ذلك أفرزتها نتائج انتخابات مجالس المحافظات
مؤخرا.
من هنا يمكن أن تتضح مهام هذه المجالس في المرحلة الراهنة والمقبلة
ايضا، فلقد أخفقت المجالس السابقة بنسب واضحة في تأدية المهام المناطة
بها، حيث ضعف الخدمات واستشراء ظاهرة الفساد المالي والاداري وشيوع
حالة البطالة بين الشباب وغيرهم، مما زرع حالة من اليأس وفقدان الامل
في نفوس العراقيين، لكن الرد كان حاضرا، واستعداد العراقيين للتغيير
كان رائعا ايضا، وهذا ما رسمته نتائج الانتخابات، لذا ينبغي على الساسة
القدماء والجدد والقادمين ايضا أن يضعوا في حساباتهم صوت الناخب
العراقي وأن يتعاملوا معه بجدية كبيرة لأنه أصبح معيارا أساسيا لتحديد
مستقبل الساسة العراقيين.
وهكذا يمكننا القول بأن المهام التي تقع على عاتق مجالس المحافظات
الفائزة واضحة كل الوضوح، وربما سيكون من الفائض أن نذكرها هنا، فجميع
المرشحين والسياسيين يتحدثون عن الخدمات والبطالة والفساد الاداري وما
شابه، لكن الأهم في كل هذا أن تتحول اقوالهم وبرامجهم السياسية الى
أفعال مجسدة على ارض الواقع.
ويمكن أن نلخص مهام المجالس القادمة بتحويل برامجهم الانتخابية (المتشابهة
على الأغلب) الى خطوات عملية ملموسة، ولانظن بأن من يرغب ببناء مستقبله
السياسي (كتلة او حزبا او كيانا فرديا وجماعيا) سيغفل مرة اخرى أهمية
الصوت الانتخابي، كما اننا نتوقع أن يفهم السياسيون جميعا درجة الذكاء
التي يتمتع بها الناخب العراقي، وانه قد يسامح مرة لكن فاتورة الحساب
ستبقى مفتوحة لمن يستحق الثواب والعقاب في آن.
لذلك نعتقد أن تجربة هذه الانتخابات رسمت صورة واضحة للمهام الملقاة
على عاتق الفائزين الجدد، ونظن انهم سيجعلون من تحسين الاداء في مجالات
الحياة كافة، هدفا مهما لهم من اجل كسب صوت الناخب ليصنعوا ركائز قوية
يستند عليها حاضرهم ومستقبلهم السياسي. |